في سابقة فريدة من نوعها، حكمت محكمة جنايات طنطا، برئاسة المستشار سعد إبراهيم عوض، أمس الخميس، بالسجن المشدد لمدة خمس سنوات على متهم لتحرشه بأنثى جنسياً.
كان أهالي قرية "كنيسة دمشيت"، بمركز طنطا - محافظة الغربية- قد ألقوا القبض على المتهم ويدعى ثروت (33 سنة) عندما اعترض سيدة تدعى كريمة (24 سنة) بالطريق العام، وأمسكها من صدرها محاولاً احتضانها بالقوة، فأطلقت استغاثة تمكن على أثرها مواطنو القرية من القبض عليه وتسليمه للشرطة التي أحالته للنيابة، وبدورها باشرت التحقيق وأمرت بحبسه ثم إحالته للمحاكمة، وصدر الحكم المتقدم.
حكم غير مسبوق
وقد فتح هذا الحكم ملف ظاهرة التحرش الجنسي بمصر، والتي استفحلت خلال السنوات القليلة الماضية، خاصة بعد ثورة 25 يناير وما تلاها من انفلات سلوكي.
إلى ذلك، أشاد المجلس القومي للمرأة، في بيان له الخميس، بالحكم ووصفه بـ"غير المسبوق".
وقال البيان: "إن الحكم أنصف المرأة المصرية التي عانت وما زالت من جراء هذه الممارسات غير الأخلاقية التي تمثل اعتداء صارخا على كرامتها وإنسانيتها".
وتكشف دراسة كان قد أعدها المركز المصري لحقوق المرأة عام 2008 شملت 2000 رجل وامرأة مصرية، أن 83% من النساء اللاتي شملهن الاستطلاع تعرّضن لشكل من أشكال التحرش الجنسي، وأن 46% منهن تعرضن له بشكل يومي.
كما اعترف 62.4% من الرجال الذين شملتهم الدراسة بارتكابهم التحرش من قبل، ورصدت الدراسة أن 72% من النساء المتحرش بهن يرتدين الحجاب أو النقاب، فيما أظهرت دراسة أخرى أن 2.5% من الرجال يتم التحرش بهم من قبل النساء.
رغبات مكبوتة وقصور زوجي وسادية
من جهتها، قالت الدكتورة عبلة إبراهيم، مدير إدارة الأسرة والمرأة بجامعة الدول العربية سابقاً وعضو رابطة المرأة العربية لـ"العربية.نت": "إن التحرش أصبح ظاهرة مزعجة جداً ومؤرقة للمجتمع المصري الذي من عاداته وتقاليده الحفاظ على الفتاة والمرأة واحترامها". واصفة حكم جنايات طنطا بسجن المتحرش بـ"الرادع والمنصف للمرأة"، وأنه جريء ودليل على أن المجتمع بدأ يتحرك لنصرة المرأة.
وأوضحت الدكتورة نجوى سعد الله، أستاذ الأنثربولوجي بجامعة حلوان لـ"العربية.نت"، أن هذه الظاهرة ترجع إلى معوقات الزواج التي تواجه الشباب، من ارتفاع للمهور، وغلاء أسعار الشقق، مقابل رغبات مكبوتة لدى الشاب العازب لإشباع الغرائز الأساسية، ومنها غريزة الجنس، وبالتالي يلجأ للتحرش لإشباع رغباته هذه عوضاً عن الزواج، أما الرجل المتزوج الذي يتحرش بفتاة فإن سلوكه مرضي ويجب أن يعالج.
وأشارت الدكتورة نجلاء أبو شهبه، رئيس قسم العلوم الإنسانية بجامعة الأزهر سابقاً لـ"العربية.نت" إلى حالات التحرش المرضي، بأنه قد يكون الجاني مدفوعاً بضغوط نفسية أو كراهية للمجتمع تعبر عن نفسها في صورة التحرش، أو لديه قصور بحياته الزوجية ويلجأ للتحرش إقناعاً لنفسه بالقدرة وإنكاراً للعجز والقصور، أو أنه إنسان سادي لا يستمتع بممارسة علاقته الزوجية وإنما بسرقة "الجنس" من خلال التحرش في المواصلات العامة أو أماكن الزحام إشباعاً لرغباته، ومثل هذه الحالات تستوجب العلاج النفسي.
هتك العرض وخدش الحياء والعار
وخلال ندوة انعقدت بنقابة الصحافيين المصريين في نوفمبر الماضي حول أسباب التحرش ودوافعه، قالت الدكتورة فادية أبو شهبة، أستاذ القانون الجنائي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية: "إن دراسات المركز تكشف أن نسبة ما يتم الإبلاغ عنه من هذه الحالات لا تتجاوز 5%، ويرجع ذلك لخوف المجني عليها من العار أو الفضيحة، وتعامل كثير من رجال البوليس مع مثل هذه البلاغات بسخرية واستخفاف شديدين".
وأوضحت أبو شهبة أنه رغم خطورة الأمر فإن المشرع المصري لم يضع معنى أو إطارا محددا، حيث نص قانون العقوبات على جريمة "هتك العرض" أي "ملامسة العورة"، وحدد لها عقوبة السجن من 3-7 سنوات مع الشغل، والتشديد الذي قد يصل إلى المؤبد إذا كانت المجني عليها أو عليه أقل من 18 سنة، أو كان الجاني من أصول المجني عليها أو أحد القائمين على رعايتها وتربيتها.
وأورد القانون أيضا جريمة خدش حياء أنثى في الطريق العام، وجعل لها عقوبة الحبس لمدة أقصاها عام، وغرامة لا تزيد على 500 جنيه.