^   العلة ليست في حوار أو لم شمل أو مصالحة، المشكلة فيمن سيدخل هذا الحوار؛ المشكلة حين يعتقد أي طرف أنه أهم أو أفضل أو أكثر أحقية، سواء بأكذوبة الشعب المختار «الأصلي» أو من يمثل الحسين وعلي وآل البيت عليهم السلام مقابل جماعة يزيد والأمويين النواصب، اعتقاد جماعة سياسية أن لها أفضلية مذهبية أو دينية أو عرقية هي محصلة أغلب الكوارث التي حلت بالبشرية، داء العظمة أدخل الأمم في صراعات وحروب دموية. أضف إليه سوء النية وتوقع سوء نوايا الآخرين، إذا كنت تدعى إلى حوار ولم شمل ومصالحة فتشترط ضمانات لا يحصل عليها غيرك، وتتوقع مكتسبات مجانية قبل بدء التحاور، وتفترض أن لا أحد سيجرؤ على مناقشتك أو انتقادك فأنت على حق -والأصعب حين يكون بنظرك حق مؤزر إلهيا- وتتصور أن الآخر لا يريد الاتفاق معك بل يريد إقصاءك وتهميشك وتطويعك وتركيعك وإذلالك، عكس عنف الشارع والحرق بالمولوتوف الذي يرفع الرأس ويبيض الوجه. المشكلة ليست في الحوار؛ كل العالم يتحاور لكن العلة في النفوس، وفي من يرى أنه أحق من غيره فيما المواطنة تساوي بين الجميع لا فضل لأحد على آخر، الكل سواء وهذا هو مبدأ أي حوار، قوة الشارع والعنف الميداني تظل عاملاً مختلفاً عليه فإذا رأيته حقاً وعامل ضغط مشروع فإني أراه أمراً يجب أن تخجل منه ومصدر إحراج لك وليس لخصومك وهو بالتحديد ما أضعف حجتك وعزلك إن أردت الحقيقة. قبل التفكير في خوض مصالحة تحتاج الوفاق إلى مرآة تريها عيوبها، لا يحتاج قاسم أو سلمان في هذه اللحظة لمن يهتف لبيك يا فقيه، ولمن يقول من أراد رؤية الإمام علي فلينظر لوجه عيسى قاسم -في نفاق واضح وصارخ- لا تحتاجون لمحاربة طواحين الهواء باسم المذهب فلا أحد يستهدف المذهب أو يستهدفكم مذهبياً، لستم في صراع الحسين ويزيد، لسنا يزيد وبالطبع ومؤكد لستم الحسين. لقد صرتم فعلاً كائناً منعزلاً يرى وحده ما لا يراه كل الناس، ومن ورائكم كيانات ودول مشبوهة بكل طريقة ممكنة، لم تستطع دولة واحدة معتدلة محايدة أن تقف بصفكم، القنوات التي تدعمكم صارت مثيرة للشفقة تبحث عن إصابة هنا وخدش هناك، تطلبون المجازر فلا تجدونها، تطلبون الشهداء وتحثون الشباب على الشهادة وتضعونهم في مواجهات مباشرة واستفزاز مباشر للأمن ومع ذلك لم تصلوا لما تأملون، زورت لكم القنوات الإيرانية وكذبت وشوهت الحقائق حتى ثملت وترنحت وسقطت ومعها جيش من الحقوقيين من الداخل والخارج ولا فائدة تذكر سوى مزيد من التأزيم؛ هل هذا هدفكم النهائي؟ العيش في أزمة مستمرة؟ إنجازاتكم الحقيقية هي كالتالي: أولاً، لم تقدموا حجة واحدة مقنعة تدحض توجهكم لإعلان دولة دينية بعد إسقاط الحكم، علماً أن هذه نقطة خلافكم مع كل السنة وجزء لا يستهان به من الشيعة المتحررين من كذبة ولاية الفقيه. ثانياً، فشلتم فشلاً ذريعاً في تحييد أو اكتساب مؤيدين سواء من الطائفة السنية أو من العوائل الشيعية الكثيرة التي تقف ضدكم جهاراً نهاراً، بالتالي ما يسمى بحركة شعبية هو في الواقع الوفاق وتوابع لا تذكر، ثالثاً، فشلتم في خلق كيان اسمه شباب 14 فبراير لأنه هو نفسه الوفاق، فشلتم في إحداث مجازر بالحجم المطلوب للإبقاء على الاهتمام الدولي، فشلتم في تقييم التوازنات الإقليمية وخسرتم الدعم العربي. والأهم والإنجاز الأكبر أنكم أيقظتم شعب البحرين من غيبوبة سنوات طويلة ودفعتموه إلى المشاركة والتفاعل، لم تعد الساحة السياسية حكراً عليكم، لقد تحقق بالفعل التوازن السياسي الذي قد يحتاج إلى عقود من الجهد المكثف وهو آخذ في التطور السريع، ولا ننسى أن نذكركم أن كثيرين كانوا معكم في 14 فبراير ولم يعودوا كذلك، لقد رأوا في وجهتكم وممارساتكم عيوباً لا ترونها، ألا تظنون مع كل هذه «الإنجازات» أن هناك خطأ ما وأنكم تحتاجون إلى إعادة النظر في مستشاريكم وناصحيكم والمطبلين لكم.. ربما حينها ترون أخطاءكم كما ترون أخطاء الآخرين.