أعزائي النواب مع كامل احترامي وتقديري.. القصة وما فيها سواء أبقيتم على الشيخة مي أم غيرتموها، طرحتم بها الثقة أم حازت على الثقة، القصة ليست في الشيخة مي كل القصة هي “ربيع الثقافة”، هنا مربط الفرس، وسنكرر لكم ذات القول الذي نعيده عليكم سنة وراء سنة في محاولاتكم المتكررة لإيقافه ومنعه كل عام بأن كل محاولات فرض الذوق العام والآداب العامة وكل ما يتعلق بالثقافة والفكر بقوة القانون لم تفلح على مر التاريخ كله، وفي كل الدول وفي كل الحضارات القديمة والحديثة. هذه معارك خاسرة لم تتوقف في الدول الغربية إلا بعد أن اقتنع الناس بأن أذواق الناس مسألة خاصة جداً جداً جداً ولا يمكن تحديدها بقانون، وحتى المحاولات التي (نجحت) فإنها نجحت لسنوات معدودة فحسب، وسرعان ما ثار الناس عليها وتمردوا، في النهاية اقتنعوا أن لا أحد يسيّر الناس على هواه أو يحتكر هوية البلد ماركة مسجلة باسمه. وحين رفضنا أن تتحدث جماعة الدوار وتقول (الشعب يريد) فذلك لأنه لا يحق لأحد التحدث باسم الناس جميعاً أو يفرض عليهم رؤيته عن طريق التجمع والاعتصام أو التهديد أو التخويف، وكذلك اليوم نقول لإخواننا السلفيين والإخوانيين مع كل احترامنا لكم إلا أن محاولات فرض نمط معين من الثقافة على الناس لن تفلح، وكل محاولاتكم السابقة والحالية هي جهود ضائعة ليتها تنصب فيما نتفق عليه، وما يعد أولوية عند الجميع وما أكثرها وما أحوجنا اليوم لهذه الأجواء الاتفاقية. نحن نعلم أن الشيخة مي ليست هي الهدف؛ الهدف كان ومازال وقف فعاليات ربيع الثقافة منذ اليوم الأول لتأسيسه إلى يومنا هذا، لهذا نحن موعودون كل سنة معكم بهذا الجدل العقيم، ومحاولات الإخوان في المنبر والأصالة في البحث عن (منفذ) كل عام لمنع هذه الفعالية محاولات مكشوفة، مرة بالاحتجاج على أحد العروض ومرة الاحتجاج على الكلفة ومرة الاحتجاج على الوزيرة، ولو أقيلت الشيخة مي وبقي ربيع الثقافة سنرى افتعال مشكلة السنة القادمة مع أي شخص سيكون معنياً بهذه الفعالية، فالقصد إنهاؤها لا القصد الشيخة مي. ونعود نذكر الإخوان بأن هذه معارك لا نجني منها غير الانشقاق ولا تحل الأزمة الأزلية، بينكم وبين المجتمع البحريني، القصة وما فيها هي خيار لابد أن يحسم بينكم وبين أنفسكم أولاً، إما أن تؤمنوا بالتعايش مع الآخرين باختلاف أذواقكم حتى إن كنتم ترونها (خطأ وغير سليمة وربما حرام ووووو)، إلا أنها خيار الناس وحريتهم وإما لا. تلك هي القصة وما فيها إن حسمتم أمركم فيما بينكم حول هذه المسألة فالبحرين ستكون بخير إن شاء الله، وإن لم تحسموها فلا نفتعل كل سنة قصة ونلف وندور والهدف بين وواضح. تغيير ثقافات الناس ومعتقداتهم وذوقهم لا يمكن عبر القانون أو عبر القوة، سواء كانت أداة القوة هذه استجواب وزير أو لجنة تحقيق، أو تسمية الفعالية بربيع (السخافة) أو وصمها بالفجور والفسق أو.. أو.. أو غيره من وسائل، فكلها لن تفلح في تغيير قناعات الناس، في النهاية سيحتفل الناس وستقام الفعاليات التي تحاولون منعها حتى لو تحت الأرض، كما يحدث في إيران وكما يحدث في دول أخرى حاولت أن تفرض طريقة عيش معينة على البشر بقوة القانون، فلجأ الناس للتحايل، ولجأ الناس للبحث عن فتاوى تبرر الاستثناءات، ولجأ الناس لأصحاب النفوذ، وهكذا منعت الاحتفالات من الباب فعادت من الشباك بتسميات مختلفة. البحرين غير.. مثلما أصبحت مدناً أخرى (غير)، والبحرين مجتمع متعدد ومتنوع الثقافات والأذواق والرغبات، ولا يمكن أبداً جعله لوناً واحداً بالقوة وبالجبر، وعلينا كشعب أن نقتنع بهذه الحقيقة ونتعايش مع هذا الواقع. نحن أحوج ما يكون لقيادات لهذه الفئات الشابة المتحمسة تملك جرأة مواجهتها بهذه الحقيقة تملك جرأة القيادة دون أن تفكر في خسارة شعبيتها، فتصرفهم عن هذه المعارك الجانبية وتوجههم للمعارك الأساسية، علينا مواجهة شبابنا المتحمس بتذكيره بالتاريخ وبالواقع المعاش لا بما هو مفروض وما يجب أن يكون، وكأن البشر مكائن نحركها كيف ما كان وكيف ما شئنا، فنمنع عنهم حرياتهم لأننا نعتقد أنها لا تصلح لهم! لن يستطيع هذا الشباب المتحمس أن يمنع الآخرين من ممارسة حرياتهم ومعتقداتهم والتمتع بذائقتهم الخاصة، في حين يستطيع هذا الشباب المتحمس أن يتعايش مع هذا المختلف ويطرح له أفكاره بهدوء فإن أعجبت الآخرين كان بها؛ وإلا فالاحترام والعيش المتبادل وقبول الآخر هو الحل. لا تدفعوا الشباب لمعارك خاسرة ومفرقة إنكم تضيعون وقتكم ووقته وجهدكم وجهده في مرحلة هي الأخطر من عمر البحرين. المسألة محصورة في هذا النطاق.. المسألة محصورة في محاولات وقف فعاليات ربيع الثقافة، فلا يزيد اتساعها أكثر من ذلك، ويصل إلى المزايدة على مكانة المحرق عند الشيخة مي تحديداً، فهي ملامة بحبها المفرط للمحرق على حساب الأماكن الأخرى؛ مراكزها الثقافية في المحرق منذ عشرة أعوام ولم يكن بينها وبين أهل المحرق إلا كل حب وود وجيرة طيبة، فهذا بيت جدها إن نسيتوا. تستطيعون أن تحولوا الموضوع (لهوشة) ونركز على ما قال هذا النائب وما ردت عليه الوزيرة، تستطيعون أن تقفوا عند هذه الكلمة أو تلك، تستطيعون أن تحولوا الموضوع لهيبة مجلس أو كرامة نواب أو.. أو.. إنما تذكروا كلامي هذا.. المسألة لن تقف ولن تنتهي عند وزيرة الثقافة ولن تنتهي إن استبدل وزير بوزير، المسألة هي في التعايش مع أذواق الآخرين والكف عن محاولات تغييرها بالقوة وبقاء ربيع الثقافة امتحان لشكل البحرين مستقبلاً.
970x90
{{ article.article_title }}
970x90