^ انتقدت ظاهرة الطاعة العمياء لرجال الدين في البحرين منذ سنوات، ولكننا الآن بصدد ظاهرة أخرى وهي الطاعة العمياء لبعض الشخصيات السياسية والاجتماعية والعامة المشهورة بتطرفها. في السابق كان التأثير السياسي وتشكيل اتجاهات الرأي العام مثلاً من قبل رجال الدين أو بعض الشخصيات يتم من خلال اللقاءات المباشرة، فرجل الدين يظهر في خطبة الجمعة ويلتقي جموع المؤمنين ويتحدث إليهم لتتكون لديهم قناعات معينة في نهاية الخطبة التي لا تتجاوز الساعة الواحدة. وكذلك الشخصيات السياسية التي يمكن أن تتاح لها الفرصة لإلقاء خطب سياسية في مهرجانات جماهيرية، أو أن يلتقي مجموعة من الأفراد في مجلس خاص مثلاً ليؤثر فيهم فوراً. الوضع الآن يختلف، فدور رجال الدين يمكن أن يتراجع بسهولة في ظل وجود فرص وتحديات أخرى، من أهمها على الإطلاق إمكانية ظهور شخصيات وتنظيمات يمكن أن تتنافس الدور التقليدي لرجال الدين في تشكيل اتجاهات الجماهير، ومن العوامل التي ساعدت على ذلك وجود شبكات التواصل الاجتماعي. إذ يكفي للمواطن العادي أن يبدي وجهة نظره تجاه حدث أو واقعة ما في البحرين خلال لحظات من حدوثها، وخلال دقائق معدودة يمكنه أن يشاهد التأثير الذي صنعه في اتجاهات الرأي العام عبر تغريداتهم في تويتر مثلاً. حالياً هناك شخصيات افتراضية وبعضها حقيقية تمارس دوراً في التأثير وتشكيل اتجاهات الرأي العام حتى صارت هذه الشخصيات لها الدور الفاصل فيما يتعلق بما هو الموقف المطلوب من الوقائع التي تشهدها البلاد يومياً، وآخرها الحادثة بين وزيرة الثقافة وأعضاء مجلس النواب. مازالت البحرين تشهد تداعيات الأزمة العميقة التي عاشتها خلال فبراير ومارس 2011، فمن هو صاحب المصلحة الذي يمكن أن يثير بخلافات وصراعات وأزمات جانبية لصالح هذه الجماعة أو تلك أو حتى باسم الدين أو حقوق الإنسان والحريات والعامة والديمقراطية.. إلخ؟ لا أعتقد أن البحرينيين يستحقون أن يتم التلاعب بهم من قبل بعض الشخصيات أو الجماعات التي لديها مصالح معروفة. وقد يكون العذر الأكبر للمواطنين الذين يتم التلاعب بعواطفهم حالياً أنه لا يتم إقناعهم بعقلانية، وإنما يتم التلاعب بعواطفهم بشكل صريح جداً في عملية قد تبدو عفوية وعشوائية غير مقصودة، ولذلك نجد آلاف المواطنين يقومون بإعادة إرسال الرسائل على هواتفهم الذكية من جديد دون إدراك خطورة أو نتائج هذا السلوك الذي يقومون به. النتيجة النهائية أننا أمام حالة من تشتيت اتجاهات الرأي العام، وإشغالهم بقضايا أقل أهمية من تلك التي يفترض أن يتركز الاهتمام عليها. وإذا أخذنا فترة عام كامل من الآن سنجد كيف يتم تسليط الضوء على مشكلة أو قضية هامشية وبعد أن تنتهي تبدأ قضية أخرى بالظهور، ومثال ذلك عندما انشغل الرأي العام فجأة وكذلك أعضاء السلطة التشريعية بقضية تمديد اليوم المدرسي وكان الهجوم محتدماً ضد أداء وزير التربية، والآن اختلف وظهر لنا هجوم شرس آخر ضد وزيرة الثقافة. لا يهمنا تسويق هذا الوزير أو ذاك، أو حتى تبرير مواقفه وسياساته، ولكن المهم أن عواطف البحرينيين صارت وسيلة يتم التلاعب بها لصالح أجندة وأهداف أكبر، وأعتقد أن القلة من يدرك ذلك جيداً.