^ لو قال أحد إن ما يحدث في البحرين ثورة؛ فإنه بالتأكيد يقصد ثورة العواطف، وبالتأكيد المقصود هنا العواطف المذهبية، حيث المذهب هو الذي يحرك وحيث الأوامر والنواهي تأتي من المذهب، وهذا بالضبط ما لاحظه المتابعون، فالذين يقفون وراء ما يحدث من تحركات لا يمارسون العمل السياسي بقدر ما يمارسون السياسة الممزوجة بالمذهب والمنطلقة منه، ما يعني أن كل خطوة سياسية لا تتماشى مع المذهب حكمها “لا يجوز” وكل خطوة سياسية لها حكم موجب في المذهب يتم اعتمادها، لهذا لم يجد البعض صعوبة في وصف هذه “الثورة” بأنها ترمي إلى إيجاد مكان لحكم ولاية الفقيه في البحرين. باب العواطف المذهبية استغل استغلالاً بشعاً من أولئك الذين يخططون ويسعون لمآربهم التي صار أغلبها مكشوفاً، فهم يقولون للبسطاء من أتباع المذهب إن ما يريدونه هو “الإساءة للمذهب الذي أنتم عليه وأنهم يعادونكم فقط لأنكم تتبعون هذا المذهب وأن الأدلة على ذلك كثيرة”، متناسين أن آل البيت الكرام ليسوا حكراً على مذهب دون آخر، بل ليسوا حكراً على المسلمين، فلأهل البيت مكانة عظيمة في نفوس أهل السُنة والجماعة الذين لا يمكن في أي حال من الأحوال أن يسيئوا إليهم بل لا يترددون عن محاربة من يتجرَّأ بالقول عليهم. ما يحدث اليوم كما هو واضح هو أن “الجماعة” يستغلون عواطف الناس ليستفيدوا من إمكاناتهم المادية والمعنوية في تحقيق أهدافهم، فهم إنما يدافعون عن الدين والمذهب ويدافعون عن الله جل شأنه، وكأن الطرف الآخر المتمثل في القيادة والحكومة وأبناء المذهب الآخر ضد الدين والمذهب وضد الله عز وجل! من هذا المنطلق يتعرّض البعض ممن أعطى الوطن أولوية لانتقادات واسعة، فهم يعتقدون أنه طالما أن فلاناً أو علاناً ينتمي لهذا المذهب لذا عليه أن يقدم فروض الولاء والطاعة وأن يستجيب للأوامر وينفذ ما يُراد منه تنفيذه ويقول بما يقولون وإلا اعتبر “خارج الملة”! قبل فترة كنت قد كتبت عن معاناتي مع البعض بسبب انتمائي المذهبي حيث اعتبرني البعض ما اعتبرني، لكن الساحة مليئة بالكثيرين ممن ينتمون إلى هذا المذهب ويغلبون الوطن على المذهب وينتصرون له باعتبار أن المذهب يحدد شكلاً من أشكال العلاقة الخاصة مع رب العالمين بينما الوطن للجميع. أما “الكثيرون” فهم على فئتين؛ فئة تجهر بحبها للوطن وانتصارها له واستعدادها للدفاع عنه بكل ما أوتيت من قوة، وفئة تؤمن بما تؤمن به الفئة المجاهرة برأيها وموقفها إلا أنها لأسباب ليست خافية تكتم إيمانها وموقفها لكن إن “انكشف أمرها” تعتبر خارج الملة ويتم تصنيفها في خانة لا تستحقها. في الفترة الأخيرة تعرّض أحد السياسيين المعروفين لهجوم عنيف بسبب مواقفه الوطنية أولاً ولأنه -قبل أولاً- من المنتمين لمذهب بعينه فهم يتوقعون منه أن يصف معهم حتى وهو مقتنع أنهم مخطئون وأن يقول بما يقولون وأن يدافع عنهم بالتصريح ضد الحكومة والإساءة إلى القيادة أو على الأقل بعدم قبوله المشاركة في أي لجنة قرروا أنهم ضدها! فهو وطني ومناضل وله تاريخ نضالي مشرف لو أنه قال وفعل ما يرضون عنه لكنه دون كل كذلك إن استمر كان منقاداً لعقله! الحال نفسه ينسحب على الدينيين من أتباع المذهب من مرتدي العمامة، فهؤلاء خارجون عن الملة لا لشيء إلا لأنهم آثروا الوطن وعبّروا عن حبهم له ووقفوا إلى حيث هم مقتنعون به أو لأنهم يحضرون مجالس قيادات هذا الوطن، فهم “خونة” للمذهب وللجماعة وللوطن! آثرت عدم الإشارة إلى أسماء من أعرف من هؤلاء كي لا أظلم من لا أعرف.. وهم كثر.