^ كيف هي العلاقة العربية الإيرانية؟ وكيف تنظر إيران والعرب إلى هذه العلاقة؟ إن العلاقة بين العرب وإيران وليدة تاريخ قديم جداً، ويربط إيران بالعرب علاقة جغرافية “الجوار” وعلاقة تاريخية “تبادل مصالح” وعلاقة دينية، وقد حاول العرب استثمار هذه العلاقة وتوطيدها مع الجانب الإيراني بروحٍ إنسانية وأخلاقية بعيدة عن المصالح الذاتية، بينما إيران حاولت كثيراً أن تستخدم العلاقات التاريخية والجغرافية والدينية لتحقيق مآرب أخرى بعيدة جداً عن أهداف ومرامي هذه العلاقات، وتجلى ذلك في كثير من ممارساتها تجاه العرب وبخاصة العراق وأقطار الخليج العربي، حيث أصبح الحُكم الإيراني اليوم يُمثل أحد التهديدات الأمنية تجاه هذه المنطقة. لدى إيران اليوم 3 حلفاء من العرب وهم العراق وسوريا ولبنان، إلا أن علاقاتها مع أقطار الخليج العربي علاقة متوترة إن لم تكن سيئة، فإيران تعمل ومنذ غياب الشاه الراحل على تصدير ما يُسمى بالثورة الإيرانية إلى أقطار الخليج العربي، واحتل الشاه الإيراني الجزر العربية الثلاث في عام 1971 واعتبرها سلفه جزءاً لا يتجزأ من الأراضي الإيرانية، وازداد الوضع توتراً وسوءاً عندما دعمت أقطار الخليج العربي العراق إبان حربه مع إيران. إلا أن التسلّح الإيراني النووي والتطوير المستمر لهذه القوة قد ساهم في زيادة تهديد الأمن والاستقرار في المنطقة. فقد مرت علاقات إيران بالعراق بمرحلتين رئيسيتين، الأُولى في عهد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، والثانية بعد احتلال العراق في عام 2003، إذ دخل العراق معها في حرب دامت ثماني سنوات، وبعد احتلال العراق أصبحت إيران صاحبة القرار والتصرّف في العراق، فالأحزاب العراقية الدينية الحاكمة والمتنفذة في العراق اليوم هي في الأصل أحزاب إيرانية الولادة والهوى والأهداف، والعناصر التي تحكم العراق هي إيرانية الأصل، وقد قام الحُكم الإيراني بتغيير هوية العراق السياسية والثقافية والدستورية. وتشكل العلاقة الإيرانية السورية حلفاً استراتيجياً قوياً في المنطقة العربية منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وتعززت العلاقة بينهما في مختلف المجالات ويتشاركان في مصالح حيوية اقتصادية وعسكرية مشتركة، وها هي إيران اليوم ترد الجميل إلى الحُكم السوري نظير تلك المواقف، فتدعمه ضد احتجاجات الشعب السوري، وتمد له يد العون من عتاد وسلاح ومقاتلين ليستطيع أن يبقى. فرحيل النظام السوري يُمثل ضربة قاضية للحُكم الإيراني ويفقده الحليف العربي الأساسي في المنطقة العربية. وبسبب استضافة جمهورية مصر العربية لشاه إيران بعد مغادرته بلاده ساءت العلاقة بين مصر وإيران، في المقابل أطلقت إيران اسم أحد شوارعها باسم قاتل الرئيس المصري الراحل أنور السادات، وزادت سوءاً بعد عرض إيران لفيلم “إعدام فرعون” يتعلق بمقتل الرئيس السادات. أما علاقة إيران بالأردن فهي علاقة مرنة وحذرة، خاصة أن الأردن يلعب دوراً معتدلاً في المنطقة، ويرى أن مصلحته تأتي من خلال بناء علاقات جيدة مع الجميع. وبعد تأسيس إيران لحزب الله في لبنان، أصبح هذا الحزب ذراعاً سياسياً وعسكرياً لإيران، يأتمر بأمرها وينفذ مخططاتها، فالكثير من الخطط السياسية والاقتصادية الوطنية تتراجع في لبنان بسبب الحركة السلبية لهذا الحزب في لبنان، وآخرها كان سقوط حكومة الشيخ سعد الحريري وعرقلة إجراء محاكمة قتل الرئيس رفيق الحريري وبعدم دفع فاتورة لبنان لهذه المحكمة. قد يقول قائل بأن الخلاف المذهبي بين الحُكم الإيراني والأنظمة العربية الحاكمة هو أحد أسباب هذه الخلافات، إلا أنه في الحقيقة أن أسباب الخلاف الحقيقية هي سياسية وليست دينية، فهناك قضايا سياسية كثيرة تسبب في إذكاء هذا الخلاف، فمنها احتلال إقليم الأحواز في عام 1925 وتسميته (خوزستان)، واحتلال الجزر العربية الثلاث في 1971، والحرب العراقية الإيرانية (1980ـ1988)، والبرنامج النووي الإيراني، والتدخل الإيراني المستمر في الشؤون الداخلية العربية. ورغم احتلال إيران لبعض الأقطار العربية إلا أنها سياسياً تتظاهر بدعم القضية الفلسطينية!! وتعتبر أمريكا الشيطان الأكبر وهي التي ساعدته في احتلال أفغانستان والعراق وتتآمر معها على الأقطار العربية، وتعتبر الكيان الصهيوني عدواً مشتركاً بينها وبين الأقطار العربية!! والاثنان مع واشنطن متفقون على تفتيت وتجزئة الوطن العربي سياسياً ونهب ثرواته الاقتصادية، وجعل المنطقة العربية تعيش في حالة دائمة من الأزمات. إن اتجاه إيران لتحسين علاقاتها مع الأقطار العربية سيكسبها كثيراً من الود العربي والاحترام الدولي، وكلما اتجهت العلاقة نحو الأفضل كان الوضع في المنطقة إيجابياً، وبخاصة أن إيران دولة تهتم بالسياحة الدينية في بعض الأقطار العربية، في مكة والمدينة بالسعودية، والنجف وكربلاء وسامراء والكاظمية بالعراق، والسيدة زينب في سوريا، ومدينة المزار بالأردن، والسيدة زينب بمصر. واقتصادياً فإن العلاقة الإيرانية الجيدة ستشجع في تعاون رأس المال العربي والإيراني وفي تبادل المنتجات الصناعية والزراعية والتجارية بينهما، وإن عدم تدخل إيران في الشؤون الداخلية العربية نتاجه استقرار الوضع السياسي والأمني في المنطقة. فإيران في النهاية دولة إسلامية وجارة لأكثر من قطر عربي، وهي غنية بالنفط ولها نفوذها ومكانتها، ولن تتنازل يوماً عن أي مكسب جغرافي أو سياسي أو تقني. إلا أن على إيران ألا تنسى هذا الأمر.. إذا كانت تعتبر هذه المكاسب مغانم إيرانية فإنها في الحقيقة حقوق الغير وهي في عهدة إيران حتى تقوم بتسليمها إلى أصحابها، وعلى إيران أن تجتهد في تحسين علاقاتها مع العرب لا على أساس ديني ولا حتى مصلحي خاص، بل على أساس المصلحة الوطنية والقومية لإيران والعرب، وبموجب قاعدة “لا ضرر ولا ضرار”.