بقلم – عادل الحلبي
تقف الكلمات عاجزة، والسطور خجولة، ونزف القلم لم يجد من الذاكرة الحائرة غير أحرفٍ فقيرة مبعثرة .. ذلك الذي كان يجود بأروعها وأطيبها .. ماباله اليوم وقد خانه التعبير .. ربما لأن المناسبة أعظم وأضخم مما سطر من قبل وأعلى وأغلى مما كتبته أيدينا .. ولما لا .. فلا أحد يجرؤ أن يخُط بيمينه ولا يُحرك به لسانه غير مايليق بأن نهديه إلى أمهات الشهداء والشهيدات في عيدهِن .. بعد أن فقدن فلذات أكبادِهن وصبرن على الخطب الجلل صبراً جميلا.
اللهم ياواهب النِعم .. هب لنا من لدُنك كلماتِ مُعطرات تليق بعِظم المقام السَمِي، وأرضَ عنا حتى تتقبلها منا الأمهات المحتسبات بقبولٍ حَسَنٍ .. وأعِنا اللهم على برهن، واجعلنا سبباً ياصاحب الفضل أن نكون أوفياء لمن صبرن .. خُلفاء لمن فقدن .. اللهم إناّ ضيوف في هذا اليوم .. حللنا بسهلهن منزلة الأبناء الأنقياء الأتقياء .. فأسبِغ علينا من القبول مايُهون عليهن الحزن ومُره وألم الفراق وحره، وأجعل في وجوهنا قبولٍ وفي كلماتنا رسول ولا تجعل فينا أو منا شقي أو محرومٍ من بركاتهن .. ياواسع الفضل والمَنّ.
اُمهاتنا اُمهات الشهداء والشهيدات .. لستن وحدكُن بعد فقد الأحبة .. نحن هنا اليوم الخلف .. لخير السلف .. عسى أن يرضَ الله علينا ويصطفينا شهداء كما ارتقى شهداءكن إلى أعالي الجنان وروضَ رحاب الديان .. اليوم نهنئكن ولم نجد من كنوز الدنيا مايليق بمقامكن لنقدمه إليكن هدية نهجاً على درب الراحلين .. اليوم فضل الله تجلى عليكن .. وجوهكن بسم الله ماشاء الله نور فوق نور وعلى رؤوسكن تاج جلال ووقار .. فأي الهدايا أو العطايا بعد هذا الفضل سراب وهباء منثور .. امهاتنا الفُضليات .. كفكفن دموعكن وإن ضاع الحق وأختل ميزان العدل في الدنيا فلن يضيع عند الله أبدا .. الذي يرى تقلبكم ويسمع نجواكم.
جئنا إليكم اليوم لنتعلم في ضيافة الجامعة الكبرى .. كيف زرعتن الشجاعة والبطولة والإقدام وحب الموت على الحياة في قلوب الراحلين .. كيف علمتن أولئك الرجال الذين صدقوا ماعاهدوا الله عليه .. فبدو لنا وكأنهم اُسودُ أمام جحافل الظلم يهتفون بسقوط الجبناء والرصاص ينصب على الرؤوس ولما قضوا على مشارف الموت كان لسانهم رطبُ بذكر الله .. رضي الله عن الصحبة الخيرة .. أصحاب الوجوه النيرة والرائحة الذكية التي عانقت الثرى .. حين فاضت أرواحهم المطمئنة إلى باريها نضرت وجوههم وتابعتها ابتسامة على شفاههم كأنهم رأوا ماوعدهم الله ورسوله .. وصدق الله ورسوله.
هذا العام .. يحُل علينا العيد بطعمِ جديد .. عيد ماعهدناه من قبل .. أشبه برؤيا الصالحين .. يحمل فيه قوافل الأعزاء مواكب الشهداء .. يزفونهم إلى غايتهم وما أستيقنته أنفسهم .. هذا العيد .. ليس فيه حلوى .. ليس فيه ورود .. هذا العيد لم يحرمكن أبنائكن هداياهم بل قدموها بعطاءِ وسخاء .. اعترافا إليكن بالجميل .. إنها ‘‘شفاعة الشهداء’’ .. عطية مالها من مثيل .. سبعون من آل بيتكن يدخلون الجنة مفتحة أبوابها بصكِ ممهور من رب غفور رحيم.
هذا العيد فيه عطور من بخور الجنة .. وأرجعن إلى ‘‘قميص’’ أبنائكن واشتممن آثار الدماء .. إنها البشرى والسكينة لقلوبكن .. امهاتنا .. امهات الشهداء والشهيدات هذه الدماء الطاهرة الذكية التي سطرت أعظم ملحمة في تاريخ مصر ستظل مضيئة إذا ما اشتد السواد بسماء مصر .. أمهاتنا .. أمهات الشهداء والشهيدات .. إن كانت الدموع لا تكف .. فالدماء لا تجف ولسوف يفضح الله على أعيننا من من استباحها ومن أفتى عليها ومن أراقها رخيصة ومن استهان بها وهي عند الله أغلى من حرمة بيته في الأرض .. ذلك وعد الله الذي لا يخلفه.
أمهاتنا .. أمهات الشهداء والشهيدات سعدنا كثيراً برحابكن في هذا اليوم الكرنفالي الجميل .. تحية حب وتقدير واحترام وإعزاز ودعوات إلى الله تبارك وتعالى أن يرخي عليكن الصبر الجميل ويربط على قلوبكن .. وأن يتقبل منا هذه الكلمات عسى ندخل بها الجنة .. ومِسك الختام ‘‘قبلة على أقدام أمهات الشهداء والشهيدات’’ في عيد الأم .. ولمصرنا الحب كله.