^ المحتجون على “الثقافة” وبرمجتها واحتفالاتها وجهودها لتكريس إعلان المنامة عاصمة للثقافة العربية فئات منهم: - من يرفض الثقافة جملة وتفصيلاً، ويعتبرها -على الأقل في مفهومها السائد الطاغي المتضمن الفكر والفنون والآداب- بدعاً ومروقاً وخروجاً عن صحيح الدين ووجب بالتالي ليس مقاطعتها فحسب وإنما تكفيرها ومطالبة الدولة -بما هي مؤتمنة على القيم الروحية- إيقافها ومنعها مثلما تمنع انتشار الأوبئة الفتاكة، وينضم إلى هؤلاء بعض من يطالب بتحويل ما يخصص لها من موازنات إلى إصلاح وترميم البيوت الآيلة للسقوط والأرصفة والطرقات.. -ومنهم من لا يعترض على الثقافة عامة، وإنما على ما يراه منها محرماً -في تقديره- أو مخالفاً لتقاليد المجتمع أو مستفزاً لقطاعات المحافظين من هذا المجتمع. - ومنهم من لا يعترض على الثقافة مطلقاً ويأخذها في تعدد أبعادها، ويؤمن بدورها في التمنية والاستثمار، ولكنه يعترض على فهم وزارة الثقافة للثقافة وخياراتها وبرمجتها.. وفي جميع الأحوال، ومهما كانت دوافع هذا الاعتراض، فإن الحملة على “ الثقافة” كوزارة وكبرمجة غير منصفة، بل تبدو متجنية في اتجاهها العام، خاصة عندما يلتقي البعض- منهم نواب في البرلمان محترمون- على محاربة الثقافة كرئة أخيرة نتنفس منها بعد أن خنقتنا السياسة وخنقتنا الطائفية التي طبعت حياة المجتمع وخنقتنا جدران الفصل الطائفية الحاقدة المتوجسة التي يبدو أنها تتعزز في العقول والقلوب والنفوس. إن الثقافة تختلف عن سائر أمور حياتنا المادية، لأنها لصيقة بذراتنا وقلوبنا وعقولنا وهويتنا، فهي ليست جسراً ولا بناية آيلة للسقوط، نتصارع على ترميمها، إنها تختزن أنفس ما بقي لنا من مخزوننا الروحي الذي يشمل إيماننا وثوابتنا وعقولنا ووجداننا وذاكرتنا الجماعية، الثقافة كبرنامج وكرؤية لا بأس أن نختلف حولهما، وحول الأولويات والمقدمات والمؤخرات، ولكن ما يوجب أبداً أن ندعو إلى إلغائها والشطب عليها باعتبارها “ مروقاً وجنوحاً وخروجاً”. ولذلك سوف أكون في مقدمة من يطالبون بتعزيز الثقافة الوطنية وإيلاء الثقافة المحلية المساحة الأكبر والانفتاح الواسع على المثقفين وتقديم التشجيع والدعم لهم بما يساعدهم على إبراز إبداعهم ويساعدهم على المشاركة في بناء الثقافة الوطنية، ولكن سأكون من المدافعين عنها باعتبارها مساحة للحرية والإبداع والإنسانية وللروح في النهاية. من الواضح اليوم أنه لا شيء يبقى للثقافة تقريباً إلا الدولة والهامش الأهلي الصغير المؤلف من عدد من المثقفين والفنانين مشتغلين في صناعة بلا أرباح فورية، الدولة وحدها تقريباً هي التي مازالت تتبنى برامج وتخصص موازنات للشأن الثقافي كجزء من صورة الدولة، بالإضافة إلى جهد أهلي درج على أن يتنفس الثقافة كجزء من الحياة اليومية. إن الثقافة، ليست “كلاماً خروجاً ولا مروقاً” مثلما يردد البعض، وإنما هي فعل حياة ووجود وإبداع وإنتاج ولهؤلاء نقول إن الثقافة في وعي الناس وإدراكهم حاجة أساسية في الحياة كالمواء والهواء، وهي بالتالي يمكن أن تشكل بعض أهم حاجاتهم ومطالبهم الإنسانية.. ^ همسة.. للشيخة مي الخليفة وزيرة الثقافة عبارة أستحضرها كلما جاء الحديث عنها: “إن حب البحرين هو المحرك الأساسي لعملي، هذا الحب لوطني -بعيداً عن أية مزايدات- وحده يمنعني من الوقوع فريسة للإحباط ويعطيني القوة في مواجهة الصعوبات والمثبطات، ويمنحني الأمل المتجدد لرؤية أكثر ثقة في المستقبل في وطن يشق طريقه نحو التجدد والتطور على جميع المستويات”.