^ إن التجمعّ السياسي الجماهيري الذي دعا إليه ائتلاف شباب الفاتح في المحرق، وكذلك التجمّع في المحافظة الشمالية، يؤكِّدان مجدداً أن الدولة تكفل للمواطن حقه في التعبير عن الرأي بالوسائل السلمية، وذلك استناداً إلى نصوص الميثاق والدستور الخاصة بحريّة الكلمة في الحدود التي ينظِّمها القانون، وأن الالتزام الصارم بالممارسة الديمقراطية الصحيحة دون المساس بالمصالح العامة والخاصة يعدّ الأسلوب الحضاري الأمثل لإيصال المطالب السياسيّة والاجتماعية إلى الجهات المختصّة، والتأكيد على أهميّتها وحيويّتها. ويُعزى الفضل للثورة الفرنسية التي انطلقت في عام 1789 في جعل حرية التعبير والرأي جزءاً أساسياً من حقوق المواطن. ويعدّ الفيلسوف الإنجليزي جون ستيوارت ميل (1806-1873)، والذي اعتُبر أكثر الفلاسفة الناطقين بالإنجليزية تأثيراً في القرن التاسع عشر، من أوائل من نادوا بحرّية التعبير عن أيِّ رأيٍ، مهما كان هذا الرأي غير مقبول في نظر البعض، حيث قال “إذا كان كل البشر يمتلكون رأياً واحداً، وكان هناك شخص واحد فقط يملك رأياً مخالفاً، فإنَّ إسكات هذا الشخص الوحيد لا يختلف عن قيام الأخير بإسكات كل بني البشر إذا توفّرت له القوّة”، وكان الحدّ الوحيد الذي وضعه ميل لحدود حرية التعبير ما أطلق عليه “إلحاق الضرر” بشخصٍ آخرٍ، ولايزال يدور الجدل حتى الآن عن ماهية هذا الضرر، فقد يختلف ما يعتبره الإنسان ضرراً أُلحق به من مجتمعٍ إلى آخر؛ ولما كانت أسمى المبادئ عند ميل هي حرّية الفرد، والتنوع، والعدالة، وصولاً لسعادة البشر، فإنَّ حق الفرد في التعبير يسقط إذا باتت ممارسته تمِسّ أشخاصاً آخرين، أو تضرّ بالمصلحة العامة أو تتناقض مع الأعراف الاجتماعية السائدة. إنَّ الحرية في التعبير عن الأفكار والآراء هي إحدى ثمرات المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المفدّى، وهي إحدى المكتسبات الديمقراطية الواجب صيانتها وتعزيزها بمختلف الطرق، فحريّ بنا جميعاً أن نُمارس هذه الحرّية بطريقةٍ حضاريةٍ سلميةٍ كي نثبت للعالم أنَّنا نملك كامل الحق في البوح بأفكارنا وتصوّراتنا دون قيدٍ أو خوفٍ، وهو ما يضعنا في مصاف الأمم المتقدِّمة.