نعت الأوساط الثقافية والفنية العراقية والعربية الأديب الشمولي محمد سعيد الصكار، الذي توفي في مستقره الفرنسي الذي تآلف معه طوال ما يقرب من أربعة عقود .

ويعد الصكار من أكبر الخطاطين العراقيين والعرب، حيث سجل باسمه ابتكار أكثر من خط، خصوصاً تلك الخطوط التي تأخذ شكل "التمرة"، وهو ما استوحاه من مدينة البصرة التي انتقل إليها مع والده من مسقط رأسه (ديالى-1934) وعاش فيها شبابه وأيام نضاله السياسي الذي أوصله إلى السجن، وأجبره على الهرب منها إلى بغداد مبتدئاً حياته المهنية والإبداعية في صحفها ومجلاتها .

وعن تلك البدايات وأيام اشتغالهما معاً في مجلة العراق الأولى- أيامها - ألف باء قال الناقد المعروف ماجد السامرائي لـ"العربية.نت": "خصوصيته ميّزته عن الجميع؛ فهو الأنيق في حياته ولغته اليومية، الشفاف في تعامله، الفنان في كل خطوة يخطوها، المتأمل حدّ الانغمار في عمله إذا ما كان التأمل منه في حالة عمل.. وهو ما كان يتجسد أمامنا كل أربعاء؛ حين يصدر العدد الجديد من المجلة بعد أن تابعه حركة بحركة، وخطوة بخطوة حتى اكتمل. يومها وجدته كمن سحب عمله، وانسحب به إلى عالم الشعر - أعني الإبداع متمثلاً في الخط، والصورة، والشكل. ويوم غادرنا على نحو مفاجئ قاصداً باريس شعرنا بالفراغ الذي أحدثه غيابه. ولكنه فاجأنا بما ملأ به فضاءه الجديد من إبداع: في الحرف، ومع تشكيل الكلمة".

الأبجدية القاتلة..

وفي السبعينيات أطلق الصكار ابتكاره الخاص، والذي يحدث للمرة الأولى عربيا وعالميا وهو تطويع الحرف العربي ليلائم الكتابة الإلكترونية في الطباعة الحديثة مطلقاً عليه اسم "الأبجدية العربية المركزة"، وهذا الأمر احتاج منه تغيير شكل الحروف إلى شكل جديد غير معتادٍ لدى الخطاطين التقليديين؛ فاتهمه هؤلاء بتشويه لغة القرآن وأن وراء ابتكاره جهات ماسونية تسعى إلى تشويه لغة القرآن؛ فاضطر إلى الهرب أثناء تشكيل أوامر تقديمه للمحاكمة لتبدأ رحلته في المنافي العربية والأجنبية .

وبعدما يقرب من خمسة وثلاثين عاماً، قال له رئيس جمعية الخطاطين العراقيين الأكاديمي المعروف روضا بهية، في احتفاء خاص بعودة الصكار إلى العراق عام 2009 "نشعر بمظلوميتك وما لقيته من تعسف وحيف وعدم تفهم لمشروعاتك خاصة في مجال تصميم الحروف الطباعية ومبتكراتك في هذا المجال، من قبل نفر قليل وربما شخصان هما الآن في ذمة الخلود كانا محسوبين على جمعية الخطاطين العراقيين في ذلك الوقت"، مضيفاً "هذان الشخصان كانا ببساطة من المتعصبين لكل ما هو تقليدي من قواعد الخط العربي إلى حد الانغلاق، فإذا ما ابتكر أحد ما نوعاً جديداً من الخطوط حتى لو كان لأغراض النشر الطباعي تصدوا له بكل شراسة ولا يتورعون أن يلصقوا به التهم الباطلة جزافاً، وقد يكون بعضها ما يفضي بالشخص إلى أشد المهالك عن طريق الجهات الأمنية".

تكريم معهد العالم العربي

قبل وفاته بأيام جرى له تكريم كبير من قبل معهد العالم العربي؛ وفي كلمة له قال جاك لانغ رئيس المعهد "هذا الرجل استثنائي استطاع أن ينقل لنا الثقافة العراقية والعربية من خلال خطوطه وأشعاره وكتبه التي تجاوزت الـ14 كتاباً، وهي تزين مكتبة المعهد وورشات العمل التي أراد بها أن ينقل هذه المهنة إلى جيل الشباب"

فيما قال عنه الشاعر اللبناني صلاح ستستيه "إن الصكار أعاد الروح لكتبنا التي اختفت زينتها بخطوطه وأضاف إليها جمالاً آخر ساعدنا على نشر دواويننا وتعرفنا من خلاله إلى ثقافات وكتب كادت تندثر، ونقل إلينا أشعار السياب، وخط لنا أشعار محمود درويش وسميح القاسم، وجميل جداً أن يحتفى به اليوم رغم آلامه ومرضه".

وربما كان التكريم الأبرز لشيخ الخطاطين العراقيين الذي توفي في الرابع والعشرين من مارس 2014 تصميمه لبوابة مكة المكرمة الشهيرة (على شكل قرآن كريم مفتوح) والتي ستبقيه خالداً كما أعماله الأخرى.