كتب - عبدالرحمن صالح الدوسري:
حمامه نودي نودي .. سلمي على سيودي
سيودي راح المكه .. بيب ثوب العكه
ويحطه في صندوقي .. صندوقي ماله مفتاح
والمفتاح عند الحداد .. والحداد يبغي فلوس
والفلوس عند العروس .. والعروس تبغي عيال
والعيال يبغون حليب ... والحليب عند البقر
والبقر يبغون حشيش .. والحشيش فوق اليبل
واليبل يبغي مطر ... والمطر عند الله
بهذه الترنيمه الشعبية تتضح مدى ارتباط الأنسان بالحمام في ايصال كل طلباته وأمانيه وما هذه الترنيمه الانشيده تم تداولها في العديد من دول العالم العربي وشكلت جزء هام من تراثهم النشيدي وحولت الى اعمال مسرحية ولوحات غنائية تراثيه للصغار .
مضى وقت طويل على تربع الحمام الزاجل عرش الطيور «العاقلة»، يوم كان هذا الطير الأليف رمز المحبة ورسول الغرام، إذ طوى المسافات وقربها، وجعل من العالم قرية كونية صغيرة قبل اختراع الإنترنت بقرون عديدة.
أول ما استخدم الحمام الزاجل في نقل أخبار المعارك والجيوش من الجبهات إلى مقار القيادة العليا وبالعكس، وحمل التعليمات من الملوك والأمراء إلى ولاتهم في أمصار الأرض، بعد أن كانت المهمة تسند لفرسان يمتطون الخيول ويقضون الأيام والليالي في إيصال الصحف والرسائل.
يقال في الأثر أن نوح عليه السلام استدل على انتهاء الطوفان بحمامة أمت فلكه وهي تحمل غصن زيتون أخضر، ومن يومها أصبحت الصورة رمزاً للسلام، بينما تعتبر أشهر حمامة زاجلة تلك التي سكنت غار ثور حيث دخله الرسول الأعظم بصحبة أبي بكر الصديق.
وعلم المعتصم بانتصار جيشه على بابك الحزمي برسالة حملها الحمام الزاجل إلى دار الخلافة في سامراء، فيما استعاضت شركة تعمل في جنوب أفريقيا، عن خدمة الإنترنت المحلي بالحمام الزاجل لسرعته.
تربية الحمام
الحمام طير مستأنس يألفه الإنسان وتألفه، يعيش دوماً قريباً من البشر أو تحت رعايته، فحمام الشوارع يعيش على أسطح المنازل وشرفها، والحمام البري يعيش في المزارع ويأكل من ثمارها، وبذلك فهو غير مرحب به من قبل المزارعين، وأما الحمام المنزلي فسنتحدث عن طرق تربيته والعناية به تفصيلاً.
عندما تبدأ في التفكير في تربية الحمام، عليك أولاً أن تحدد موقع بناء الحظيرة «قفص الحمام»، ويجب أن يكون المكان مكشوفاً ومعرضاً لأشعة الشمس، ومن الأفضل تشييده في فناء المنزل أو على السطح.
عندما تبدأ البناء يجب أن تجعل النوافذ واسعة لضمان التهوية، وبعد الفراغ من البناء الخارجي، عليك وضع صناديق «أعشاش» للحمام وتوزعها على جدران القفص، وبعد إنجاز تركيب الأعشاش يصبح المكان جاهزاً لاستقبال الحمام.
الأنواع والفصائل
يفضل دوماً البدء بتربية الأنواع الرخيصة لاكتساب خبرة التربية، ومن هذه الأنواع الحمام البلدي «البغدادي» والهندي والكويتي وسواها، وبعد اكتساب الخبرة بإمكانك شراء الأنواع المتوسطة مثل التركي والكينغ.
والحمام بحاجة إلى عناية تبدأ من اختيار نوع الغذاء وتنويعه، مثل القمح والذرة البيضاء والعدس، ويوجد في الأسواق مخلوط الحبوب وهو المفضل لتغذية الحمام بدلاً من شراء كل صنف على حده، وللشرب يفضل وضع الماء في «السقاية» المتوفرة في محلات الطيور، ويمكن تعويد الحمام على أكل أشياء أخرى مثل الرز المطبوخ أو الخبز الناشف المطحون على شكل حبيبات.
يبيض الحمام بيضتين في الغالب، وتكون مدة الحضانة من 16-19 يوماً، تفقس البيوض بعدها عن فراخ صغيرة مغطاة بزغب أصفر.
ويحتاج فرخ «زغلول» الحمام عادة من 5-6 أسابيع كي ينمو ويصبح قادراً على الطيران، ويعتمد ذلك على نوعية الغذاء ومدى رعاية الأبوين، إذ لا تهتم بعض أزواج الحمام بصغارها كثيراً.
وبالإمكان التمييز بين الذكر والأنثى عن طريق «الشوكات»، وهي عظمتان توجدان تحت فتحة الشرج، حيث تكون متلاصقة أو متقاربة عند الذكر ومتباعدة لدى الأنثى، ولكن الشخص الخبير بإمكانه التفريق عن طريق الشكل الخارجي، حيث إن حجم الذكر أكبر من الأنثى وهو ذو جسم أقوى، ورقبة الذكر أكثر لمعاناً من الأنثى.
وبدأ الإنسان يستأنس طيور الحمام منذ حوالي 5 آلاف سنة، وكان من النوع المنحدر من سلالة Rock dove، وهو أول حمام تم استئناسه منذ آلاف السنين، وهو الحمام الأصلي المسمى «حمام الصخور» عاش قديماً بين المنحدرات والرفوف الصخرية في أفريقيا وآسيا وأوروبا والشرق الأوسط، ويتميز هذا النوع بلونه الأزرق.
وكان قدماء المصريين يربون الحمام في أبراج من الطين والفخار المستعملة حتى اليوم في القرى، حيث وجدت نقوش لأشكال متعددة من الحمام على الآثار المصرية القديمة.
عن طيور الحمام
*لا توجد فروق شكلية واضحة بين أصناف الحمام تحدد معالم الجنس بدقة، ويمكن تمييز الذكر عندما يفرد ذيله أمام أنثاه لإظهار التودد لها، وهو ذي حجم أكبر بشكل عام ورأس أكبر.
*يصدر الحمام صوتاً يسمى هديل، ويختلف الصوت في شدته وطوله وطبقاته حسب نوع الحمام وحجمه وعمره، وهناك أنواع منفردة بأصوات معينة هي أقرب للصفير، والذكر هو الأكثر إصداراً للصوت.
*لا يوجد شكل محدد لعش الحمام ولا لطريقة ترتيبه، وتتباين مواد العش مثل سعف النخيل المقطع، الأعواد الصغيرة، الريش الطويل، القش، أعواد البرسيم، نشارة الخشب، الرمل، وهو يقبل أي صندوق أو عش ما دام يناسب حجمه أو أكبر منه، والشكل الشائع للعش صندوق خشبي مستطيل أو الوعاء الفخاري الأسطواني، الأبراج، الأقفاص.
*يمكن للحمام وضع البيض في جميع أوقات السنة، تضع الأنثى بيضتين، لونهما أبيض، تتم حضانتهما لمدة 18 يوماً من قبل الزوجين بالتناوب، وبعد الفقس تتم رعاية الصغار من قبل الأبوين معاً لمدة 4 أسابيع.
*حمام الهواية أو الزينة ويشتمل الأنواع جميلة الشكل، ويتم تربيته لأغراض عديدة، فمنها ما يربى لسرعة طيرانه مثل حمام القزاز، أو لجمال شكله مثل الحمام الهزاز والنمساوي، أو لطيرانه لمسافات بعيدة ويعود ثانياً إلى مسكنه مثل الحمام الزاجل «المراسلة»، أو لطريقة طيرانه الغريبة مثل حمام «الشقلباظ».
المعارض والمسابقات
ومن أشهر أنواع الحمام المشاركة في المعارض والمسابقات المختلفة، «البوتر النفاخ» وهو نوع من الحمام ظهر في إنجلترا عام 1735، وهو يتناسب مع البيئات الباردة والمعتدلة، اللون السائد فيه هو الأبيض والجناح أزرق أو أسود، وله القدرة على نفخ جسمه أثناء العرض، ويوجد منه أنواع عديدة منها البوتر الإنجليزي، وهو طويل الجسم، تتباين حجم حوصلته، والبوتر القزم وهو من آباء رديئة بسبب إهمالها للبيض.
«التربيت» وله ريش يشبه الطاووس، يمتد على طول العنق من الخلف وينتهي على شكل عرف مع صغر حجم المنقار.
«الكشكات» أو «الفراشة»، وجه الطائر يتخذ شكلاً كامل الاستدارة مع وجود منقار صغير جداً، وله خصلة من الريش على صدره، في بعض الأفراد يوجد لها سروال، منقاره يشبه منقار الببغاء، وحجمه صغير بالنسبة للأنواع الأخرى وهو نوع يعتني بتربية صغاره.
«الكروبر»: يعتبر الجد الأكبر للبوتر الإنجليزي، وهو طائر طويل وهو يقف عند العرض منتصباً.
«المودينا»: وهو أحد أقدم أنواع الحمام المشارك في كثير من المسابقات ومنشأه مدينة «مودينا» الإيطالية، وهو قصير جداً والذيل قصير وعريض والعنق غليظ وقصير.
«الهزاز»: منشأه الهند وشكله مثل الطاووس الصغير، معجب بنفسه، فهو يقدم عروضاً جذابة حيث يميل برأسه للخلف عند المشي، ويرفع ذيله لأعلى ويفرده كالمروحة، ويتميز بهز صدره ورقبته باستمرار.
تربية الحمام «غية»
من العبارات الدارجة في موروثنا الشعبي أن «تربية الحمام غية»، وهذه العبارة لها نصيب وافر من الصحة، فإن هواية تربية الحمام اجتذبت الكثيرين على مر الزمان، إلا أنها تعتبر مشروعاً مربحاً لما لهذه الهواية من مميزات اقتصادية كثيرة.
ويتلاءم الحمام مع أي طقس وأي مكان ويُنتج طوال العام، كما أن مخلفات الحمام تعد من أغلى أنواع الأسمدة وأجودها لبعض المزروعات وتباع بأثمان مرتفعة، إضافة إلى ذلك فإنه مشروع يحتاج إلى رأسمال قليل، والمنافسة المباشرة فيه قليلة، وهو عمل سارٍ وخفيف يمكن ممارسته كعمل ثانوي، حيث يسهل فيه الانفراد بمسؤولية العمل، ويكون له عائد مادي سريع، وفرص التوسع فيه جيدة.
من الحروب إلى السينما
الحمام الزاجل مميز من حيث الشكل وإعجاز الخلق، تعددت أسماؤه، فمنها الورقاء والقماري، الوارش والدباس، ألوانه متعددة، فمنه أبيض اللون، وأسود ورمادي، أزرق سماوي مزركش بالرمادي على الأجنحة والذيل، بني محمر، جميل الشكل وخفيض الصوت، يسابق الصوت في سرعته متحدياً فكرة المكان والزمان، طاوياً المسافات مقدماً للإنسان كل الخدمات، يسبح ربه في الصباح والمساء، ويستعين بطريقة فطرته في إعجاز الله سبحانه وتعالى في خلق، يستعين بهذه القدرات الخارقة التي حيرت العلماء.
فما قصة الحمام الزاجل تلك؟ إذ جعلته بطلاً حربياً تارة وبطلاً في السينما والدراما تارة أخرى، وبطولة مطلقة في قصائد الشعراء العرب، وفي سجل تاريخهم، إنها قصص مثيرة بحق.
وكلمة «زاجل» تنحدر من «الزجل» أي الطيران بعيداً، ويقال في اللغة يزجلها زجلاً، وتاريخياً له حكايات، وفي قصص الأنبياء له مكان، فسيدنا نوح عليه السلام أطلق الحمام من فلكه على دفعتين، فعادت إليه حمامة وفي فمها غصن زيتون أخضر، فاستدل به على انتهاء الطوفان، ومن هنا أصبح الحمام الزاجل رمزاً للسلام حتى يومنا هذا.
وأشهر حمامة زاجلة هي تلك التي سكنت غار ثور الذي دخله رسولنا الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر الصديق، حتى توهم المشركون أن الغار لا يوجد فيه أحد، وإلا لما وجدت هذه الحمامة راقدة على بيضها، ويعتبر حمام مكة امتداداً لحمامة غار ثور، وهو الحمام الأكثر هدوءاً وسلاماً.
وللعرب مع الحمام الزاجل تاريخ طويل، فهم من أوائل الأمم التي عرفت أهميته وطرق تربيته ورعايته وتدريبه، واهتمت بأنسابه وكتبت الكتب المختلفة عن خصائصه ومميزاته وطبائعه وأمراضه ووصف طرق علاجه.
وكان العرب القدامى أسسوا بريداً يعتمد على الخيل والجمال، وتبادل الإشارات بالنيران والدخان والطبول والمرايا في إرسال الأخبار والمعلومات خلال الحروب، ومع التقدم واتساع رقعة الخلافة الإسلامية وزيادة وامتداد الفتوحات الإسلامية حتى حدود الصين، ومع ازدياد مصادر الثروة وكثرة مؤسسات الدولة ودواوينها، أصبح لابد من وسيلة أكثر سرعة، لذا أدخل الخلفاء العباسيون الحمام الزاجل في نقل البريد، لما يمتاز به من سرعة فائقة، إلى جانب انخفاض كلفة تربيته مقارنة بالجياد والجمال.
ولتكاثره السريع وزيادة أعداده وسهولة تدريبه، لأنه في حد ذاته إعجاز في الخلق، ويمكنه الطيران دون حاجة إلى مرشد، ودقته في الوصول إلى أهدافه.
وتنافس العرب على امتداد التاريخ في اقتنائه والعناية به وتوسيع دوره وتحسين نسله، فأخصوه بمراقبة دقيقة، ونظموا له السجلات الخاصة بحركته، وخصصوا له المربين من ذوي الأجور العالية.
ويروى أن المعتصم علم بانتصار جيشه على بابك الحزمي، عن طريق الحمام الزاجل الواصل إلى دار الخلافة في سامراء، ووصل وقتذاك ثمن الطائر الواحد من الحمام الزاجل إلى سبعمئة دينار، والبيضة الواحدة بيعت في خليج القسطنطنية بألف دينار.
ولكن الفاطميين تجاوزوا العباسيين باهتمامهم بالحمام الزاجل، بابتكارهم الوسائل المتفردة للتغلب على إمكانية وقوعه بأيدي العدو، باستحداث شفرة خاصة معقدة لا يستطيع العدو فك رموزها.
حكايات الحمام الزاجل
تروى عن الحمام الزاجل حكايات كثيرة، ففي الحرب العالمية الثانية، وعند هجوم الألمان على بلجيكا، اصطحب المظليون الألمان الحمام الزاجل المدرب خلف جيوش الحلفاء، ثم أطلقوه مع رسائل عن نتائج عمليات تجسسهم.
ولأن إعجاز الخلق وراء المقدرة الخرافية لهذا الطائر، زاد ذلك من تصميم العلماء على امتداد العالم من وضعه تحت البحث وإدخاله المعامل وتحت عدسات المجهر، وإجراء أبحاث مستفيضة عليه للتوصل ولو لجزئية بسيطة، تكشف بعضاً من أسرار الحمام الزاجل المتحدي للزمان والمكان معاً. واستطاع العلماء الألمان بجامعة فرانكفورت، إجراء الأبحاث المستفيضة لفهم ظاهرة الملاحة عند الحمام الزاجل، وعمله كساعي بريد مدرب لا يضل الطريق ولا يُخطئ الهدف، إلاّ إذا تعرض لكارثة تعيق رحلته.
وكانت الفكرة السائدة عند الإنسان قديماً، هو اهتداء الحمام الزاجل لطريقه بفضل ما يعرف بالبوصلة الكيميائية، وتعتمد على قوة الملاحظة والذاكرة الجغرافية، والارتباط الوثيق بموطنه وبيئته، ما جعل الإنسان يروضه ويدربه ويستأنسه ويستفيد من مزاياه المتعددة المعجزة.
وتوصل العلماء الألمان إلى بيان كيفية جعل الحمام الزاجل ساعي بريد مميز، في اعتماده على ميل الشمي كمؤشر في تحديد اتجاهه، لامتلاكه ساعة بيولوجية حيوية بداخله مرتبطة بتعاقب الليل والنهار، وعند التلاعب بهذه الساعة يتعرض الحمام لضوء صناعي قوي تظن إن النهار قد طال في هذه الحالة، وعند طيرانها تتخذ اتجاهاً خاطئاً، ولكنها تصححه فيما بعد، وبالتالي فإن الشمس والضوء الطبيعي يفيدان الحمام الزاجل في إعطائه مؤشراً على الاتجاه الصحيح.
وتوصل العلماء الألمان عام 1979 إلى وجود بلورات مغناطيسية داخل رأس الحمام الزاجل، متمركزة في أسفل الجمجمة ضمن نسيج يبلغ سمكه 1-2مم، وهذه الجزئيات عند استخراجها للدراسة تبين أنها تتكون من بلورات أكسيد الحديد المغناطيسي، ويبلغ عددها 10 ملايين جزء في النسيج الدماغي المرتبط ارتباطاً وثيقاً مع العصب المسؤول عن نقل السيالات العصبية الشمية، وكل ذرة من أكسيد الحديد المغناطيسي تتصرف وكأنها مغناطيس صغير.
ومن هنا يكون دماغ الحمام الزاجل قادراً على تخزين وجهة الطيران في الذاكرة، ووجد العلماء الألمان أن حساسية هذه البلورات تجاه أي تقلبات في شدة المجال المغناطيسي الأرضي مهما كانت ضعيفة، هي حساسية دقيقة تساعد الحمام الزاجل على المقارنة بين شدة المجال المغناطيسي في الأرض التي يتوجه إليه وشدته في موطنه الأصلي.
وعند مراقبة النشاط الدماغي للحمام الزاجل أثناء رحلته، أثبت فريق من علماء الطيور في إيطاليا، أن معالجة المعلومات المكانية تجري في جزء من دماغ الزاجل يعرف باسم «قرن آمون»، ويقع في الفص الصدغي من الدماغ، ويساعد الحمام الزاجل في ترجمة المعلومات الواردة من حواسها.
وتوصل العلماء الألمان والإيطاليون إلى وجود نوع من الخلايا العصبية عند مقدمة المنقار، بها جزئيات مغناطيسية من صنفين مختلفين من الحديد الممغنط، يضمن له معرفة وتحديد الاتجاه بالاعتماد على المجال المغناطيسي الأرضي، ومنقار الحمام الزاجل به دقة شديدة للنظام الملاحي المغناطيسي، وهو سر من أسرار الإعجاز الخلقي لهذا الطائر.
ويعتمد الحمام الزاجل على كل الحواس الطبيعية بجسمه، فحاسة الشم تستخدم في رسم خريطة لبيت وموقع الطائر، وتربط به الروائح التي تستقبلها من الهواء، وبالتالي فهي قادرة على اتباع تسلسل الروائح وتحدد من خلالها موقعها، وعند التلاعب بهذه الحاسة ـ الشم ـ بطريقة سلبية فإنها تضل طريقها.
وأثبت العلم أثبت أيضاً، أن الحمام الزاجل يتمكن من تحديد المواقع بالاعتماد على حاسة السمع، فالدراسات أكدت أن هذه النوعية المتفردة من الحمام الزاجل، تسمع أصواتاً ذات تردد منخفض جداً لا يشعر به الإنسان، فيمكن للحمام تحديد خريطة سمعية لموقعها تشمل الأصوات ذات التردد المنخفض الناتج عن أمواج البحر والرياح، وحتى عن النشاط الزلزالي للأرض.
وتعتمد حاسة النظر القوية على رسم خريطة لمختلف المعالم ذات العلاقة بالمباشرة بطريقها وبوجهتها النهائية، ولمعرفة الدقة في تحديد المسار والطريق المتبع، استعان الباحثون بأجهزة علمية تتيح «نظام التوقيع العالمي gos» المرتبط بالأقمار الصناعية، عند إلصاقها على ظهر الحمام الزاجل لمتابعة مسارها في رحلتها.
وأثبتت شركة تعمل بتكنولوجيا المعلومات في جنوب أفريقيا، أنه من الأسرع لها استخدام الحمام الزاجل في نقل المعلومات عن إرسالها باستخدام خدمة الإنترنت المحلية.
وذكر المتحدث باسم الشركة «بيتربول»، أن ذكر الحمام الزاجل استغرق ساعة 8 دقائق في نقل كارت ذاكرة سعته 4 «جيجا بايت» مثبت على ساقه في تنقله بين مكتبين لشركة «إنليمتد أي.تي، يفصل بينهما 80 كيلومتراً، واستغرقت العملية كلها، من نقل الكارت ثم تفريغه على جهاز الكمبيوتر مدة ساعتين و6 دقائق و57 ثانية، وهو الوقت نفسه الذي استغرقه نقل 4% من المعلومات باستخدام خدمة الإنترنت المحلية، ويتوقع مدرب الحمام الزاجل بمكان ومقر الشركة، أن المزيد من التدريب يمكن الطائر من توصيل المعلومات بغضون 45 دقيقة.
ويبدأ تدريب الحمام الزاجل على الطيران عند اكتمال 5 أسابيع من عمره، عندما تكون الطيور جائعة، ولمدة نصف ساعة يومياً على الأقل، ويتم جلبها عن طريق إشارة وقت التغذية إلى أماكن أقفاصها، حيث يتم السماح للحمام بالطيران مرتين على الأقل في اليوم، وتستمر هذه العملية من 6-8 أسابيع، كي يستطيع الحمام معرفة المنطقة المحيطة، وزيادة المسافة تدريجياً.
التحرر والانعتاق
ومن أهم الأفلام التي ظهر فيها الحمام الزاجل، فيلم «عودة مواطن» بطولة يحيى الفخراني وميرفت أمين وأحمد عبدالعزيز وشريف منير، سيناريو وحوار عاصم توفيق وإخراج محمد خان.
وظهور الحمام الزاجل في الفيلم له بُعد سياسي لعبه بجدارة شريف منير، الذي كان منضماً لخلية تستخدم نقل المعلومات عن طريق الحمام الزاجل، ويعكس الفيلم المتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في المجتمع المصري في ثمانينات القرن الماضي.
وعلى البعد الفلسفي، فالحمام، مثله مثل أي طائر محلق، يرمز لفكرة التحرر والانعتاق، وتحرير الفكر حتى يبدع ويتسامى، وجميعنا يحتاج للحظات يحلق فيها عالياً، فمنه تكون كل المشاهد أوضح، أجمل، وربما أرقى.
صفات نادرة
*يتميز الحمام الزاجل بصفات سلوكية فطرية نادرة تجعل له خصوصيته بين كل أنواع الطيور الأخرى، فهو هادئ المزاج يكسره الإزعاج، شديد الشغف بعضه لبعض، يعشق صغاره وحريص عليها حرصاً شديداً، شديد الحب لوطنه ومكان تربيته، يتميز بذاكرة ثاقبة حديدية.
*يحب مدربه ويطيعه، سريع التعلم، قليل الأكل، يفضل أن يعيش في مجموعات كبيرة، الألفة ومد الجسور فيما بينه وبين أفراد أسرته قوية.
*العناية به تأخذ شكل تدوين صفاته وتاريخ التزاوج وتواريخ وضع البيض وتواريخ الفقس.
*طيور السباقات تتغذى بأغذية خاصة تعتمد على خليط من الأعشاب والبروتين والكالسيوم وقشور بعض أنواع الأسماك.
*تقطع طيور الحمام الزاجل ما بين 128-968 كم في اليوم الواحد وبسرعة تزيد عن 96 كم/سا.
*استخدم الإغريق الحمام الزاجل قبل نحو 5 آلاف عام تقريباً.