كتب - حسين التتان: بما أن الحوار يعالج جميع القضايا السياسية والوطنية والمجتمعية، فلابد أن يكون واضحاً وجاداً، والأهم أن يشارك فيه الجميع. وللحوار المتعلق بحل الأزمة السياسية في البحرين وفي سواها، شروط ومقدمات وأسس واضحة لنجاحه، ومن دون مراعاة تلك الأسس والمقدمات، فالحوار سيبدأ وينتهي سريعاً تاركاً خلفه حزمة من الأزمات الصامتة، يمكن لأي احتكاك مستقبلي أن يُسقطه في القاع. ومن أهم الشرائح التي يجب أن تطرح رأيها بحرية في قضايا الحوار الوطني، هم الناس العاديون، أولئك الأشخاص الذين هم جزء مهم من العملية السياسية وجزء من الحل، فإذا استَبْعَدَتْ القوى السياسية هذه الشريحة الكبرى من الحوار، أو تصدَّرت نيابة عنها لاعتقادها أنها الممثل الوحيد لها، فهذا خطأ استراتيجي تقع فيه تلك القوى. إذا أهملت جميع القوى السياسية رأي الشارع ونبضه فيما يخص الحوار، فنحن لا يمكننا فعل ذلك، ولهذا سنستعرض رأي الناس في الحوار، الذي مازالت أبوابه مفتوحة أمام شعب البحرين كله، ليتحدث الجميع بحرية وشفافية من دون أن يتعرض مقص الرقيب إلى حديثهم. أرهقتنا التنازلات الحكومية المواطن سالم المسيفر يتحدث عن أهمية الحوار لكن بشرطه وشروطه، فيقول : بداية لا بد من الاعتراف أننا في البحرين كنَّا نعيش سوية قبل الأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد، وعلى قلب واحد كنا، وهذه ليست ظاهرة طارئة في حياة البحرينيين، بل هي ظاهرة قديمة وأصيلة للغاية، لكن مع الأسف فإن الأزمة الأخيرة خلَّفت الكثير من الأزمات المجتمعية وأثرت على وضعية التعايش السلمي، ومن هنا تأتي أهمية الحوار اليوم كي تصل سفينة الوطن إلى بر الأمان. وعلى الرغم من يقين المسيفر بأهمية الحوار، إلا أنه يعتقد بضرورة تهيئة الأجواء لهذا الأمر قبل أن يبدأ، فالحوار عند المسيفر أفضل الحلول، وهو بلا شك خير من العنف، ويقول : اليوم لنجاح فرص الحوار، يجب أن يُطبق القانون، بل والحزم في تطبيقه، فالعنف يزداد كلما ابتعدت الدولة عن تطبيق القانون واتخاذ الإجراءات اللازمة ضد منفذيه، الذين هم قلة ولا يمثلون سوى أنفسهم، وإذا أردنا أن نتحدث عن حوار ناجح فإنه يجب أن يثبت الجميع صحة نواياهم ويهيئوا أنفسهم للحوار، وعندما نتحدث عن الحوار فإننا نتحدث عن تطبيق القانون أولاً ضد كل من مارس أعمالاً منافية للقانون والأخلاق، وضد كل من قتل رجال حفظ النظام، ولنجاح الحوار أيضاً يجب أن يتحرر الجميع من الأجندة الخارجية ويرفضون علناً جميع أشكال العنف، فيكونوا واضحين في مواقفهم تجاه الجهات المخربة والمتطرفة، إذ لا يمكن للقوى السياسية أن تدافع اليوم عن المخربين والإرهابيين وفي الوقت نفسه تطلب تريد الحوار!!. ويرى المسيفر أن البحرينيين وحدهم قادرون على حلِّ أزمتهم بأنفسهم من دون الحاجة للجوء إلى الخارج، فالبحرينيون وحدهم من سيعيش على هذه الأرض فقط. وتمنى من قوى التأزيم أن تدين بوضوح جميع أنواع التخريب الحاصل، فمن يريد الحوار يجب أن ينتقد خلافه وهو العنف. ويقول المسيفر: لا يمكننا العيش أو التكيف مع جماعات إرهابية لا تسعى إلى السلم وحفظ الأمن، وهناك الكثير من التنازلات قدمتها الحكومة إلى قوى التأزيم، ونحن نقولها صراحة إننا ضد تلك التنازلات، التي بسببها يُلغى رأي نصف الشعب، كما أننا لا نقبل أن يكون هناك حوار سياسي في غرف مغلقة، بل نسعى لحوار شفاف، تشارك فيه الأطراف السياسية كلها. بين العنف والحوار المواطنة الشابة زينب عبدالمحسن تتحدث عن ضرورة الحوار في هذه المرحلة تحديداً، وبما أنها تحدثت عن الحوار فإننا سنحاورها هنا. سألنا عبدالمحسن عن رأيها في الحوار، وهل هي معه أو ضده، فأجابت ر: بالتأكيد أنا مع الحوار الوطني الجاد، والأسباب التي دعتني لذلك، هو كوني إنسانة مسلمة، وديني يحتم علي أن أحاور من اتفق أو أختلف معهم، فالله تعالى حدثنا في كتابه عن حواره مع إبليس، كما حدثنا عن حواره مع الملائكة، وحاور الأنبياء والمرسلون أيضاً أقوامهم بهدف نشر دعواتهم الخيرة، ولهذا يجب علينا انتهاج الحوار في الاختلافات الحاصلة. وحين سألتها عن رأيها في العنف، وهل بإمكانه أن يخلق حلاً سياسياً قويماً؟ أجابت: هنا سأقتبس هذا المعنى الكبير من الراحل محمد حسين فضل الله حين أكد أن العنف ليس هو سبيل الإسلاميين في مواجهة الفكر الآخر، أو الاتجاه الآخر، أو الواقع الآخر، ولكنهم ينطلقون من الموضوعية والعقلانية والجدال بالكلمة الأحسن والأسلوب الأفضل والجو الأهدأ، في المسائل الثقافية والاجتماعية والسياسية وغيرها. وحين سألنا المواطنة عبد المحسن عن المقدمات التي من شأنها أن تُنجح الحوار أجابت: يجب الاعتراف أن التلاعب بالحقائق لن يجدي نفعاً، فلنقترب من الحق ونعمل لإظهاره، كما يجب تعويض كل من تضرر خلال الأحداث من العام الماضي، سواء كان هذا التعويض مادياً أو معنوياً، وهناك أمر آخر وهو أهمية اختيار المثقفين والواعين بشؤون البلاد والعباد لدخول الحوار تحقيقاً لنتائج حاسمة ومجدية، وكما قال تعالى : (إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير). أما الأمر الآخر فإنه يجب البدء بطرح الأفكار المتفق عليها، لنتمكن لاحقاً من الاتفاق على ما نختلف عليه. أما فيما يخص السلم والعنف تقول زينب: إن الله تعالى يقول: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)، فالمقصود بالحسنة الأسلوب السلمي وبالسيئة الأسلوب العنيف، وللوصول إلى نتيجة طيبة من الحوار، لابد أن تكون كل شعاراتنا وتحركاتنا.. سلمية سلمية. التوقيت «غلط» المواطن فيصل الرفاعي يتحدث عن أهمية الحوار وفي الوقت نفسه عن عدم صلاحيته في الوقت الراهن، ويقول : إن الحوار مهم ودعوة جلالة الملك للحوار وقوله “إن باب الحوار مازال مفتوحاً”، يجب أن يُؤخذ بنظر الاعتبار، لكني أعتقد أن طرح مشروع الحوار في هذا التوقيت (غلط) فالجو مشحون اليوم، ولهذا نتساءل لماذا لم يوافقوا على الحوار حين دعا إليه سمو ولي العهد من العام الماضي؟. وقبل الحوار لا بد من وجود أمن، ولا بد من تحقق الكثير من المطالب الحياتية وتعديل أوضاع المواطنين المادية. ويضيف : لا يمكن للوفاق كجمعية سياسية أن تضع بمفردها سقفاً للحوار، وهذا السقف عالٍ لا يتفق عليه نصف الشعب، كذلك من أراد أن يدخل الحوار فعليه أن يدخله من دون شروط مسبقة، وإذا كانت هناك مطالب وشروط فلتعلن على طاولة الحوار وليس قبله، وإن إعادة الأمن إلى وضعه الطبيعي واسترداد هيبة الدولة هو المطلوب حالياً كمقدمة للحوار وليس كشرط له، كما يجب أن تقف كل الأصوات والخطابات التحريضية، خصوصاً المنابر الدينية، ويجب أن يطبق القانون. يرى الرفاعي أن الدخول في دوامة العنف لن يؤدي إلى نتيجة، ولهذا يجب على القوى السياسية المتطرفة الابتعاد عن صناعة الحل، كذلك القوى الدينية المتزمتة والمعجونة بالسياسة أن تبتعد عن دخول العملية السياسية. ويقول الرفاعي: نحن طلَّاب ديمقراطية وحقوق، ولذا لا يمكن لنا أن نقبل بوسائل العنف والتحريض، وهذا لا يكون إلا من خلال فصل الدين عن القضايا السياسية، فالإسلام السياسي المؤدلج له أضرار وليس له منافع، وهو غير قادر على دخول الحوار. الحوار يغير القناعات المواطن علي بحر يؤكد أن ليس من منجٍ لواقعنا البحريني غير الحوار. يقول : إن المنزل الذي يكون أساسه غير صالح فإنه سينهار في أية لحظة، كذلك الحوار، إذا لم تكن أسسه واضحة وقوية فإنه سيسقط في أي منعطف قاسٍ، ومشكلة القوى السياسية اليوم أنها تريد أن تدخل الحوار لوحدها من دون النظر إلى بقية القوى السياسية والشعبية الأخرى، لأنها تريد الاستحواذ على كل شيء، ولا تريد للجهات الأخرى أن تحصل على شيء. يدعو بحر الدولة إلى تطبيق القانون على الجميع، خصوصاً على المخالفين للقانون، ويرى أن الدولة متهاونة بتطبيق النظام والعقاب على المتجاوزين على السلم الأهلي، كما يعتقد بحر أن من باب أولويات الدخول في الحوار أن يتوقف العنف فوراً، حتى يعرف كل طرف أين موقعه من الإعراب في الحوار، وأين يسير. ويؤمن بحر أن الدخول في الحوار والجلوس على طاولته، من شأنه أن يغير قناعات الكثير من الناس ويتبنى العنف منهجاً له في العمل، لأن الحوار سيعلم هؤلاء بكل هدوء أن ما كانوا يمارسونه من عنف لم يخدم المرحلة ولا الوطن، ولا غير سوى الحوار حلاً لمشكلاتنا. مقدمات الحوار نعود إلى المرأة البحرينية والمواطنة الشابة مريم محمد سالم الكندي لتحدثنا عن رأيها في ضرورة الحوار من عدمه في هذه المرحلة فتقول: بداية يجب أن تتهيأ الأرضية المناسبة قبل الحوار، فالناس جميعهم مشحونون بصفة سلبية بفعل ما حدث في البحرين مؤخراً، وهذا لا ينجلي إلا باستتباب الأمن وعودة الحياة إلى طبيعتها، إذ لا حوار في ظل الانفلات الأمني الحاصل. ماذا عن رأيك في توقيت الحوار وأهميته؟ تجيب الكندي قائلة: رأيي ينساق ويتلاقى مع رأي الجمعيات السياسية التي لا ترى أن توقيته مناسب اليوم، إلا بعد أن تتضح الرؤية الكاملة ويعود الأمن والأمان في ربوع وطننا، كما إننا نريد أن تشارك الأطياف المجتمعية والسياسية كلها في الحوار، حتى الجماعات المخربة، حين تعود إلى رشدها وتغير قناعاتها تجاه ما تمارسه من عنف، مستبدلة إياه بوسائل أكثر رقياً وحضارة، وعندها أهلاً وسهلاً بهم في الحوار. وتضيف الكندي: يجب بعد كل ما مررنا به من معاناة وقبل الحديث عن الحوار، هو في أن تكون هناك إصلاحات حقيقية وملموسة من الحكومة، لعل من أبرزها تطوير الوضع المعيشي للمواطنين وتحسينه بصفة ترفع من قدرته المادية والمعنوية، والنقطة الأخرى والأهم هي في استتباب الأمن، فإذا شعر المجتمع بأنه آمن ووضعه المعيشي مستقر، فإن ذلك كله سيحفزه ويشجعه على دخول الحوار. هكذا رسم المواطنون رأيهم وهكذا بنوا طموحاتهم، فالحوار متفق عليه من ناحية المبدأ، لكن الاختلافات كلها في مقدماته وأسسه، فهم يريدون حواراً ضامناً وليس لا طارئاً، ويريدون الأمن والسلام وحسن المعيشة، ليمكنهم ذلك من الجلوس على طاولة الحوار، بغض النظر عن جميع التفاصيل، ومن المؤكد أن شعب البحرين كله سيتفق على ما سيسفر عنه الحوار إذا كان علمياً وموضوعياً جاداً وشاملاً.