كتب - محمّد محمّد الخطّابي: انطلقت في الولايات المتحدة الأمريكية، مؤخّراً فعاليات الاحتفال بالذكرى السبعين لعرض فيلم “كازابلانكا” لاوّل مرّة العام 1942، بتقديم هذا الشريط في مسرح “وارنر” التابع للمتحف التاريخي الأمريكي بواشنطن. الفيلم من بطولة همفري بوغارت، وإنغريد بيرغمان. ويعتبر من أروع وأجمل الأفلام في تاريخ السينما الأمريكية، التي جسّدت الرومانسية الحالمة لقصّة حبّ عارمة إبّان الحرب العالمية الثانية. وجمع الشريط بين رومانسية ورقّة بيرغمان، وخشونة وغلظة بوغارت. وأصبحت عديد من الجمل والتعابير التي نطقها البطلان في الفيلم تشكّل إرثاً حيّاً في الثقافة اللغوية الشعبية داخل أمريكا وخارجها، مثل عبارة: “اعزفها يا سام” أو عبارة:«دائماً تبقى لنا باريس”. لقد دخلت هذه الجمل والتعابير واستقرّت في لغة الاستعمال اليومي في العالم الناطق باللغة الإنجليزية، وسواها من اللغات الأخرى. وأصبح لها كيان أو هويّة لغوية ذات دلالات خاصة بها بعيداً عن سياق استعمالها في الشريط. ففي مناسبتين مختلفتين ومتباعدتين من الفيلم يطلب البطلان من “سام” (ديلي ويلسون) كل واحد منهما على انفراد عزف المقطوعة الموسيقية الساحرة نفسها (انسياب الزمن أو مرور الزمن) على “البيان” الذي يتوسّط مقهى “ريك” في قلب مدينة الدار البيضاء المغربية. ففي المناسبة الأولى تطلب البطلة (بيرغمان) من “سام “العزف كما ترجو منه بأن يغنّي استذكاراً واستحضاراً للزمن الجميل الذي ولّىّ وانقضى. وفي مناسبة أخرى يطلب البطل (بوغارت) من “سام” عزف المقطوعة حيث قال له وهو يستشيط غضبا: لقد عزفتها لها والآن عليك أن تعزفها لي أنا كذلك. إذا كانت قد استطاعت أن تتحمّل ثقل الوطأة عليها، فأنا بمقدوري أن اتحمّل ذلك أيضاً. ثم تنطلق الموسيقى تصدح في فضاء المقهى الكبير. الحبّ المستحيل من أشهر العبارات التي ما فتئت تستعمل جيلاً بعد جيل وتلوكها الألسن حتى اليوم عبارة: “ودائماً تبقى لنا باريس” التي تستعمل كناية عن اللحظات الحلوة، والهنيهات السعيدة المعاشة. وهي العبارة التي ينطق بها “ريك” (بوغارت) إلى “إلسا” (بيرغمان) عندما همّ بوداعها، معبّراً عن حسرته وألمه لفراقها، لفراق هذا الحبّ المستحيل الذي نما وترعرع في فرنسا في ظروف وملابسات صعبة ومريرة إبّان غزو النازيين لهذا البلد. حيث تعرّف البطل على خليلته في عاصمة النور باريس. وكانت “إلسا” تشعر بالحيرة والضياع بين حبّها لزوجها زعيم المقاومة التشيكية وتعلقها بريك. معهد السينما الأمريكية أثبت في مناسبات شتّى (6 مرّات) فيلم “كازابلانكا” ضمن قائمته كأحسن الأفلام التي تضمّنت أجمل العبارات، وأرقّ الجمل في تاريخ السينما الأمريكية وفي مقدّمتها عبارة “ اعزفها يا سام”. بل إن المخرج “هودى آلن “ وضع فيلماً العام 1972 يحمل عنواناً بالعبارة نفسها. حيث يتلقّى البطل في هذا الشريط النصائح من “همفري بوغارت” خيالي. إلا أنه أوردها كما يلي: “اعزفها مرّة أخرى يا سام”. بين الحرب والحب كان “كازابلانكا” يبدو في البداية كشريط يدور موضوعه عن الحرب والجاسوسية لإثارة الحماس وتأصيل وبثّ حبّ الوطن لدى المواطنين الأمريكيين في ذروة الحرب العالمية الثانية. حيث يظهر البطل “بوغارت” وكأنّه في البداية لا يريد أن يحشر نفسه في هذا النزاع، انطلاقاً من مدينة الدار البيضاء (كازابلانكا)، إلا أنه في الأخير يتخلّى عن محبوبته لصالح مناهضة الفاشية. رغم مضمون الشريط الأيديولوجي ومحتواه الحربي إلا أنّ فيلم “كازابلانكا” يتذكّره الجميع كفيلم يدور موضوعه عن الرومانسية وتباريح الجوى والحب الحالم. وبالتالي فإنّ هذا الفيلم يحتلّ الرتبة الأولى في قائمة “المعهد الأمريكي للسينما “كأعظم قصّة حبّ في تاريخ السينما الأمريكية. كما يحتلّ هذا الشريط الرتبة الأولى كذلك كأحسن سيناريو سينمائي حسب “نقابة كتّاب السيناريو” في الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث تفوّق “كازابلانكا” حتى على أفلام عالمية شهيرة مثل “العرّاب” و«شينا تاون” و«المواطن كين”. هذا الشريط الذي هو من إخراج “ مايكل كرتيز” حصد ثلاث جوائز أوسكار منها أوسكار أفضل فيلم، وأفضل إخراج ، وأفضل سيناريو. وحتى وإن لم يحصل أيّ من الممثلين العمالقة الذين شاركوا فيه على هذه الجائزة الكبرى في عالم الفنّ السابع. وقد عرض هذا الفيلم لأوّل مرّة في 26 نوفمبر 1942م بنيويورك. بمناسبة مرور سبعين سنة على هذه التحفة السينمائية الرائعة فإنّ مؤسّسة “ وارنر بروذرز” أخرجت طبعة خاصة جديدة محدودة من هذا الفيلم طرحتها في مختلف المدن الأمريكية مصحوبة بشريطين وثائقيين حول هذا الشريط يتمّ عرضهما في الأسواق لأوّل مرّة كذلك. بالإضافة إلى كتيّب فنّي يقع في ستين صفحة يتضمّن صوراً ومشاهد لم يسبق رؤيتها من قبل حول هذا الفيلم، الذي تمّ عرضه بهذه المناسبة مؤخراً في العديد من دور السينما في مختلف المدن الأمريكية. الفيلم مستوحى من مسرحية “ الجميع يؤمّ مقهى ريك” لموراي بارنيت وجون أليسون. الأسطورة تصبح حقيقة المقهى الأسطوري”ريك” الذي دارت بداخله أحداث فيلم “كازابلانكا” العاطفي المثير، لم يعد خيالاً في مخيّلة المشاهدين الذين شاهدوا واستمتعوا بهذا الفيلم الأمريكي منذ سبعين سنة خلت، والذي ما زال يعيش بين ظهرانينا حتى اليوم. بل أصبح حقيقة ماثلة، بعد أن قرّرت مواطنة أمريكية تدعى “كاثي كريغر”افتتاح مقهى كبير في قلب مدينة الدار البيضاء يحمل اسم المقهى الرومانسي “ريك”، الذي كان يمتلكه ويديره في فيلم “كازابلانكا” مواطن أمريكي وهو بطل الفيلم ريك (همفري بوغارت). وكانت هذه المواطنة الأمريكية تعمل من قبل مستشارة تجارية لسفارة بلادها في المغرب. وبعد انتهاء مهمّتها في السلك الدبلوماسي، قررت القيام بهذه المغامرة الاستثمارية الكبرى التي كلفتها ما يناهز المليون دولار، وقد افتتح هذا المقهى العام 2004 م. المقهى الذي رآه المشاهدون في الفيلم كان قد أقيم في الحقيقة في أحد استوديوهات هوليود. وكان السياح الأوروبيون وبشكل خاص الأمريكيين الذين يزورون مدينة الدار البيضاء، لا يجدون أثراً لهذا المقهى للاستمتاع بأجواء هذا المكان الأمريكي السحري، الذي رأوه في فيلم”كازابلانكا” وهاموا به. وها هي ذي الأسطورة تصبح حقيقة ، وها هو ذا مقهى “ريك” الجديد يفتتح أبوابه من جديد على شاكلة المقهى القديم نفسه. وأصبح يؤمّه العشرات من الزوار كل يوم. ولا عجب إذا كان معظم زوّاره أو روّاده من المواطنين الأمريكيين. كما يؤمّه زوّار من جنسيات مختلفة من الفرنسيين والإنجليز والألمان واليابانيين والعرب .
970x90
{{ article.article_title }}
970x90