كتب - جعفر الديري:
سطرت المرأة البحرينية قديماً وحديثاً؛ أسطراً من نور في جميع المجالات، حيث كانت مثقفة وشاعرة وفنانة وأديبة وأستاذة جامعية، وإلى اليوم مازالت المرأة البحرينية تكد وتكدح وتساهم بكل طاقاتها في رعاية بيتها وأفراد أسرتها، وخدمة وطنها، فهي الأم التي تقع على عاتقها مسؤولية تربية الأجيال القادمة، وهي الزوجة التي تدير البيت وتوجه اقتصادياته، وهي المرأة العاملة التي تشارك الرجل في بناء بحرين اليوم، وهذا ما يجعل الدور الذي تقوم به المرأة البحرينية في بناء المجتمع دوراً لا يمكن إغفاله أو التقليل من أهميته.
ومما ساهم في بروز عطاء المرأة البحرينية؛ نظرة المجتمع البحريني إليها واعترافه بقيمتها ودورها في المجتمع، وتمتعها بحقوقها خصوصاً ما نالته من تثقيف وتأهيل وعلم ومعرفة لتنمية شخصيتها وتوسيع مداركها، ما مكنها من القيام بمسؤولياتها تجاه أسرتها، ودخول ميدان العمل والمشاركة في مجال الخدمة العامة.
ومنذ بداية العقد العالمي للمرأة (1985-75) وحتى مؤتمر بكين 1996، بدأ الاهتمام العالمي بقضية تنمية المرأة وتمكينها من أداء أدوارها بفعالية مثل الرجل، والمشاركة في اتخاذ القرار في مختلف مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وقد واكب هذا الاهتمام العالمي اهتمام كثير من الدول والهيئات والمنظمات الدولية والإقليمية، أما في البحرين فيعتبر الاحتفال بيوم المرأة البحرينية من المناسبات الوطنية التي بدأت تحظى باهتمام واسع من قبل كافة المؤسسات الرسمية والأهلية البحرين، ومناسبة مهمة لإلقاء الضوء على المحطات المهمة في مسيرة عطاء ومشاركة المرأة البحرينية في دعم عجلة التنمية الوطنية في مختلف المجالات والأصعدة. وتم اعتماد الأول من ديسمبر من كل عام يوماً للمرأة البحرينية بناء على مبادرة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة عاهل البلاد المفدى رئيسة المجلس الأعلى للمرأة وبالتوافق مع الاتحاد النسائي البحريني والجمعيات واللجان النسائية خلال لقاءات تشاورية عقدت بهذا الشأن. وتم اختيار شعار يوم المرأة البحرينية «قرأت.. تعلمت.. شاركت» مجسداً لجانب مهم لدور المرأة في بناء نهضة البحرين الحديثة، وإسهاماتها المتواصلة لبلورة أوجه الشراكة الكاملة للمرأة البحرينية في عملية التنمية الوطنية، ولبيان التسلسل المتنامي لدور المرأة البحرينية المسؤول والمتدرج الذي بدأ من القناعات الأولى لجيل الرائدات اللواتي قرأن وتعلمن، لتستمر شراكتها اليوم من منطلق ذلك الحماس والإصرار لتكون البحرين دوماً عنوان البناء والتطوير.
قرن من الزمن
عبر كتابه «دور المرأة البحرينية في رفد الثقافة»، يستعرض مدير عام مكتبة الشيخ عيسى الباحث والأكاديمي د.منصور سرحان؛ المراحل التي مرت بها المرأة البحرينية عبر قرن من الزمن ، حيث انحصر دورها في العقود الأولى من القرن العشرين، على تدبير شؤون المنزل، وتربية الأطفال، وبقيت حبيسة المنزل لا تغادره نظراً لانشغالها بتدبير أموره، إضافة إلى أن العادات والتقاليد وثقافة المجتمع البحريني آنذاك تحتم على المرأة البقاء في منزلها ولا تغادره إلا في الضرورة.
ويشير المؤلف إلى أنه رغم هذه الظروف الصعبة التي عاشتها المرأة البحرينية في أوائل القرن الماضي، إلا أنها زاولت بعض الحرف اليدوية التقليدية من داخل منزلها، مستفيدة من وقتها الطويل. فعملت بعض النسوة على مساعدة أزواجهن في المزارع لجني الأثمار وجمع الحطب ونقله واستخدامه كوقود للطهي. كما أدى عدم توفر المياه في المنازل إلى خروجها إلى العيون الطبيعية والجداول لجلب المياه لغسل الملابس والأواني.
ويتابع سرحان أن المرأة صمدت أمام تحديات كثيرة إبان العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين، وكان أكثرها قساوة على المرأة فترة الغوص التي تستمر من ثلاثة إلى أربعة اشهر من كل عام، حيث يغيب معظم الرجال عن المنازل في تلك الفترة بحثاً عن اللؤلؤة، وتبقى المرأة البحرينية تدير لوحدها شؤون المنزل، وتتكفل بتربية الأطفال والمحافظة عليهم طيلة غياب ولي الأمر.
بروز المؤسسات الخاصة
كتاب د.سرحان يتناول في الفصل الأول دور المرأة في بروز المؤسسات الخاصة بها، حيث تم في عقد الخمسينيات من القرن العشرين؛ تأسيس نادي البحرين للسيدات، والجمعيات النسائية، والمجلس الأعلى للمرأة يتم من خلالها، تقديم العون والمساعدة للمحتاجين من أبناء المجتمع البحريني، والقيام بالتوعية بين الفتيات والنساء، ومساعدتهن على تطوير أنفسهن وتشجيعهن على مواصلة الدراسة وطرق أبواب العمل، إضافة إلى ما يوفره النادي من الأنشطة الثقافية والرياضية.
أما الفصل الثاني من الكتاب فيتناول دور المرأة في التأليف، حيث ساهمت المرأة في تأليف عدد من الموضوعات المختلفة في مجالات المعرفة المتنوعة، فكتبت في مجالات الأدب، والعلوم، والتاريخ، والفلسفة، والفنون، والثقافة، والدين، والعلوم الاجتماعية، وغير ذلك من فروع المعرفة المختلفة. وتناول الفصل الثالث من الكتاب، دور المرأة البحرينية في كتابة البحوث الأكاديمية (الرسائل الجامعية) وفي المقالات الصحافية، إضافة إلى ملحق تضمن كشفاً بأسماء المؤلفات البحرينيات وإصدارتهن من العام 1973 إلى العام 2006، وجداول إحصائية.
ويذكر سرحان من أبرز أسماء المؤلفات البحرينيات: إبتسام عبدالله خلف، وأسماء حسن أبوإدريس، وأسماء علي أبا حسين، وأفنان راشد ألزياتي، أم سند إبراهيم، وأم طاهر عباس مفتاح، وأم عبدالجليل، وأم علي محمد الدرازي، وأم فاضل عباس حسن، وأمل داود سلمان، وأمل الزياني، وأمل الدوسري، وأمينة كمال، ود.أنيسة فخرو، ود.بتول أسيري، وآخرون كثر.
ويؤكد الباحث سرحان أن مساهمة المرأة البحرينية في رفد الثقافة أدى إلى تنوع النتاجات الفكرية المتميزة والمبدعة، مما جعل الباحث يعمل على رصد وتوثيق جميع نتاجات المرأة البحرينية، ودورها الريادي في تفعيل العمل الثقافي في مملكة البحرين، من خلال إصداره لهذا الكتاب تقديراً لجهود المرأة البحرينية في مجالات الفكر والأدب والإبداع والثقافة.
أهم الأعمال النسائية
وأوضح سرحان فيما أورده؛ التغيرات في دور المرأة بعد أن كانت في العقود الأولى من القرن الماضي مقتصرة فى ممارساتها على أمور بيتها، لافتاً إلى قيامه بتوثيق المنتجات الفكرية والثقافية لبيان القفزات السريعة الحاصلة منذ الخمسينات بدءاً من تأسيس نادى السيدات العام 1953 وحتى إشهاره، غير أن الوضع المجتمعي والقيم السائدة والتعصب جعلهم يرمون ذلك بالمفسدة وإغلاقه. وقد توالت الجمعيات النسائية المهتمة بالمرأة والفتاة والطفل حتى في فصله الأول الذي اختتمه بالتطرق للمجلس الأعلى للمرأة باعتباره مدافعاً عنها ومشجعاً لدخولها معترك الحياة السياسية.
وتطرق د.سرحان للنتاج الكتابي والفكري للمرأة ففي فترة السبعينات، مشيراً إلى أن د.أمل الزيانى أنتجت كتاب «البحرين» كأحد أهم المساهمات، وفي رؤية للمساهمات وجدها في السبعينات قليلة جداً إذ بلغت أربعة كتب فقط أحدهما ديوان شعر لحمدة خميس. وقد تطور الإصدار والنتاج في ما بعد ليقارن بإسهامات الرجل آنذاك كما كان للمرأة الإثرة في التطرق لمواضيع غير مسبوقة تعنى بالمرأة والطفل والديكور وكتب الطهي.
وأضاء المؤلف سنوات دخول المرأة للتعليم والمدارس وخوضها للحياة الأكاديمية رغم المعارضات الشديدة التي تعرضت لها في بادئ الأمر، إلى جانب مشاركاتها الصحافية التي كانت تدونها على استحياء في بداية مشوارها دون ذكر اسمها أو الاكتفاء بالإشارة من خلال الأحرف حتى أصبحت في يومنا هذا مدافعة قوية وتمرست في شتى مجالات الإعلام.
وأشار لدخول المرأة للمجال السياسي وافتقادها لدعم أختها المرأة لأمور سيكولوجية ربما أو تخوفية، إلى جانب تدخل التيارات في فرد ملامح معينة على الساحة الانتخابية.
ورصد سرحان في كتابه، جميع نساء البحرين بمختلف مستوياتهم العلمية والعملية وذلك في سابقة أولى لمثل هذا النوع من الرصد والطرح.
بدأت شاعرة
وكتاب د.سرحان حوى حصراً لمعظم المؤلفات التي صدرت عن المرأة في البحرين اعتباراً من العام 1973 حتى العام 2006 وقد بلغ عدد عناوين هذه الإصدارات 275 مؤلفاً ساهمت فيها 137 امرأة بحرينية كمؤلفة وشاعرة وأديبة. ففي العام 1973 صدر أول كتاب مطبوع لامرأة بحرينية وكان هو كتاب عن البحرين والخليج لأمل إبراهيم الزياني. ويلاحظ سرحان أن المرأة البحرينية بدأت شاعرة وصدر لها العديد من دواوين الشعر إذ تم حصر 115 عنواناً في الأدب من بين 275 مؤلفاً ومن المؤلفات الأدبية 81 ديوان شعر و22 قصة و7 روايات و6 مقالات أدبية. ومن الشاعرات حمدة خميس وفتحية عجلان. كما كتبت المرأة في مواضيع أخرى مختلفة منها التاريخ لوزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة مع شيخ الأدباء في البحرين الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة، وكتاب محمد بن خليفة الأسطورة والتاريخ وكتاب عن القرامطة وآخر عن تشارلز بلجريف. وكان للمرأة البحرينية دور كبير في إصدار كتب الطهي (36 عنواناً) كما تناولت موضوعات الصحة والتعليم والثقافة والإبداع والبيئة وقضايا اجتماعية ونفسية كما كتبت عن الطفل وعن المرأة ولكن بشكل أقل (3 عناوين فقط).
وتطرق الكتاب إلى فكرة تطور المؤسسات النسوية في البحرين التي لعبت دوراً كبيراً في توعية المرأة منذ فترة مبكرة جدا من بينها تجربة نادي البحرين للسيدات الذي تم إشهاره العام 1953 وهو امتداد لفكرة تأسيس النادي نفسه بنفس المسمى في مصر. إلا أن هذا النادي بكل أسف لم يستمر طويلاً لمقاومته ومناهضته من قبل بعض رجال الدين مما أدى إلى إغلاقه بعد افتتاحه بثلاثة أشهر. وفي هذا الصدد أشار الكتاب إلى أن المرحومة عائشة يتيم كانت أول رئيسة لجمعية نسائية تم إشهارها في البحرين وهي جمعية نهضة فتاة البحرين العام 1955.
وتحدث الكتاب عن نساء البحرين الرائدات في مجال الطب إذ تعد استشارية الأمراض الجلدية والتناسلية غالية عبدالله دويغر أول طبيبة بحرينية تخرجت في كلية الطب في جامعة الصداقة بين الشعوب بموسكو العام 1970 إذ درست الطب في ستينيات القرن الماضي وفي وقت كان عدد الإناث من الخليج الملتحقات بالجامعات يعددن على الأصابع.
7 آلاف رسالة جامعية
في حين تمكن الكتاب من حصر سبعة آلاف رسالة جامعية وكانت أول من حصلت على الماجستير هي الأكاديمية صفية محمد دويغر العام 1964 والدكتوراه في العام 1985، وأول من حصلت على الدكتوراه ثريا إبراهيم العريض العام 1975 وقد أبدى سرحان ملاحظة مهمة هي أن المرأة نشطت في عقد السبعينات من القرن الماضي في مجال الحصول على الرسائل الجامعية -ماجستير ودكتوراه- فحصلت 14 امرأة على الماجستير والدكتوراه وكانت معظمها من جامعات أجنبية.
وحول دور المرأة في الكتابة الصحافية، أشار إلى دور المرأة ككاتبة صحافية وكانت البدايات الأولى راجعة إلى العام 1940 إذ كتبت المرأة مقالة في جريدة البحرين لعبدالله الزايد لكن بالحروف الأولية وفي حقبة الخمسينات كتبت بعض النساء بأسمائهن، وفي الستينات خرجت الشاعرات بكتابة بعض القصائد ونشرت بعدد من المجلات وعلى رأسها مجلة الأضواء.
وفي عقدي السبعينات والتسعينات، بدأت المرأة البحرينية في نشر إبداعاتها داخل وخارج البلاد في لبنان ومصر وسوريا وغيرها وقد برزت كاتبات العمود الصحافي منهن طفلة الخليفة التي تعد أول كاتبة عمود صحافي في البحرين, عصمت الموسوي، سوسن الشاعر، وأخريات.
ويرصد الكتاب دخول المرأة عالم التأليف والكتابة منذ السبعينات حيث صدرت أربعة عناوين للمرأة مقابل 95 عنوانا للرجل. في حين شهدت حقبة الثمانينات 400 إصدار بينها 35 عنواناً للمرأة البحرينية، وفي التسعينات 950 عنوان كتاب من بينها 124 عنواناً لمؤلفات المرأة ومن عام 2000 إلى عام 2006 كان عدد الإصدارات 926 عنواناً بينها 112 عنواناً للمرأة البحرينية.