مرت عملية التعليم والتعلم في المنطقة بمراحل متعددة تتماشى والعوامل المحيطة بها لتغذي مبدأ الرقي الفكري. هذه المراحل قد تتفاوت من حيث الأسس ولكنها تشترك في الهدف، وهو النهوض بالمجتمع ليواكب المتطلبات الاقتصادية للعصر أولاً، ثم ما يليه من متطلبات أخرى.

قبل الشروع في تحليل ما يجري من حولنا، لنبدأ أولاً في فهم كيفية حدوث عملية التعلم.

كان الاعتقاد السائد حول عملية التعلم في السابق بأنها عملية بسيطة جداً، حيث إنها تحدث إذا توفرت ثلاث عناصر وهي الطالب، المدرس، والكتاب، وأي خلل في الموازنة بين هذه العناصر الثلاثة يؤدي إلى نتائج غير مرضية كرسوب الطالب. لكن المؤسف أن الطالب كان الملام الأول والأخير من قبل الجميع. فكم منا من سمع جمل مثل «مو فالح في الدراسة»، «مستهتر»، «كسلان»، «غبي»، وغيرها من كلمات وعبارات النقد، من دون الرجوع إلى المسببات الرئيسة لعدم قدرة الطالب في الإنجاز. وكان غالباً ما يؤدي ذلك إلى عدم مواصلة الطالب للدراسة. لكن هل هذا صحيح؟ هل يجوز لوم الطالب أو المتعلم دائماً؟ هل العملية بهذه البساطة؟ هل نحن جميعاً مرنون لدرجة أننا قابلون أن نصب في قالب واحد؟

ومن هذا المنطلق كان هناك الكثير من الباحثين في مجال التعليم تنافسوا على فهم العملية الفكرية والسيكولوجية الدقيقة التي تجري في العقول البشرية لرصد كيفية حدوث التعلم، وقد يبدو للبعض أن هذه العملية سهلة، حيث يظن البعض أن عملية التعلم هي تحصيل حاصل من عملية التعليم وهذا ليس صحيحاً. إن عملية التعلم تحصل إذا أسندت إلى طرق علمية سليمة أساسها معرفة كيفية حدوث التعلم. عبر السنين ومع المحاولات الكثيرة والمتنوعة - وبرأيي الشخصي- تقدم مارزانو «2000» الباحث في مجال التعليم بطرح مميز، حيث قام بدمج الحالة السيكولوجية للمتعلم مع درجة عملية التعلم. في حقيقة الأمر ما شدني في نظرية مارزانو هو التعرف على جزئية نظم النفس والعقل، وبهذا تخطى مارزانو نظرية بلوم «1956» التي مازال يحتذى بها من قبل الكثير من المؤسسات التعليمية المحلية والعالمية في وقتنا الحاضر.

ببساطة شديدة قام مارزانو بتقسيم عملية التعليم والتعلم إلى ثلاث نظم وهي:

الأول: النظام النفسي «Self system».

الثاني: النظام ما وراء المعرفي

«Metacognitive system».

الثالث: النظام المعرفي

«Cognitive system».

في هذا المقال سأتطرق فقط للنظام النفسي «Self system» وسأسقطه على واقعنا في مجال التعليم والتعلم، حيث فسره مارزانو بالنظام الذي يأخذ مأخذه قبل عملية التعلم، وتعتبر هذه المرحلة من أهم المراحل للمتعلم، فإن لم تتم بالشكل المطلوب تفشل عملية التعليم وبالتالي يليها التعلم. وفي بداية المرحلة يتم جذب المتلقي «سمي بالمتلقي لأن عملية التعلم لم تبدأ بعد» عن طريق مصدر للتعلم «قد يكون هذا المصدر المدرس أو أي مصدر آخر مثل الكتاب» وفي نهاية العملية يتم عملية قبول عقل المتلقي للانخراط في وضع خطة لتعلم المادة المطروحة.

قد تبدو لك العملية معقدة وهي كذلك في واقع الأمر لكنها من أهم العمليات التي يجب فهمها كما ذكرت في البداية، ليس فقط من قبل العاملين في مجال التعليم، إنما كذلك للآباء والأمهات وكل شخص له دور في العملية التعليمية.

لإنجاح العملية، يجب التركيز على ثلاث عوامل نوجزها فيما يلي:

أولاً، اعتقادات المتلقي حول «أهمية» المادة المتلقاه: إن لم يستشعر المتلقي بأهمية المادة المتلقاه تفشل عملية الانخراط وبالتالي نادراً ما تتم عملية التعلم، وفي هذه الحالة يفشل عقل المتلقي في ربط المادة التعليمية بسبب مقنع له كمتلقٍ. مثال بسيط على ذلك هو أنه من الصعب تدريس الطلاب نظريات معينة لعدم ارتباط تلك النظريات بأسباب تهمهم كمتلقين.

ثانياً، معتقدات المتقلي حول قدراته في فهم وتحصيل المادة العلمية: إذا كانت لدى المتلقي قناعة بعدم قدرته على التحصيل في مجال معين فسيؤثر ذلك على تحصيله الفعلي للمادة. يمكننا استخدام المثال السابق هنا أيضاً، إذا كانت لدى الطالب قناعة بأنه لن يستطيع فهم نظريات معينة أو اجتياز مرحلة التقييم لهذه المادة فسيؤثر ذلك على مستوى انخراطه منذ البداية حتى لو استشعر أهمية المادة العلمية.

ثالثاً، المشاعر المرتبطة بالمادة العلمية: تلعب المشاعر دوراً أساسياً في تقبل المتلقي للمادة، فإذا أحب المتلقي المادة فسوف تؤثر عليه تأثيراً إيجابياً حتى لو لم يستشعر أهميتها.

وبذلك نستنتج بأنه يتوجب علينا كعاملين في مجال التعليم فهم المتعلمين بشكل أفضل، حيث يجب علينا أن نسأل أنفسنا عدة أسئلة قبل الشروع بعملية «التلقين»، ومن أبرز هذه الأسئلة ما يلي:

ماهو السبب المقنع الذي سيجعل المتعلم يستشعر أهمية المادة العلمية؟

هل لدى المتعلم القدرة على الإنجاز في المادة المعنية؟ وإذا لم يكن له القدرة، هل هناك خطط أو آليات وضعت لتعزيز قدراته؟

ما شعور المتعلم تجاه المادة العلمية؟ وكيف يمكن تغيير المشاعر السلبية واستبدالها بمشاعر أخرى إيجابية؟

ومن هنا أدعو الجميع للتفكير الدقيق بالعوامل التي ذكرت قبل الشروع بعملية التعليم، حيث من دون هذه العوامل لا تتم عملية التعلم، ومن يهملها أو يتغافل عنها فكأنما يحكم على العملية بالإعدام مسبقاً.

أتوقف هنا لأترك المجال للمعنيين والمهتمين لإعادة التقييم، ونعود قريباً بمقال جديد ضمن سلسلة من المقالات في مجال التعليم الذي يمس كل فرد منا وتعول عليه الأمم دائماً وأبداً لضمان بقائها وتطورها ورقي شعوبها.

* باحثة ومديرة التطوير الأكاديمي - بوليتكنك البحرين