بقلم- صالح الريمي: كنت في زيارة صديق لي له مكانة اجتماعية مرموقة، جاءت الزيارة بعد اتصاله بي حيث قال: أريدك أن تأتي بأسرع وقت ممكن، قلت له خيراً إن شاء الله ما المشكلة؟ قال: لدي مشكلة لم أجد لها حلاً البتة..!! خرجت من منزلي مسرعاً كأن عندي حالة ولادة مستعصية بعد أن شرح لي عنوانه. عند قربي من قصر صديقي تفاجأت.! وتسمرت عيناي من روعة القصر وإبداعه العمراني، كتحفة جمالية رائعة، بهذا الشعور الجميل الذي انتابني قلت في نفسي يا له من إنسان سعيد في حياته، وأن سعادته في ظني تكمن في سكنه الفاخر إذ هو يسكن قصراً - جميلاً - رائعاً - واسعاً - يتوسط القصر حديقة غناء تحيطها الزهور والورود والشجر من كل جانب، وعلى جانبيه الأيمن والأيسر وضعت نافورة رائعة الجمال، كل نافورة أجمل من أختها، وللقصر أربعة مداخل كل مدخل أجمل من الآخر.. دخلت القصر من المدخل الشمالي وعيناي مازالت ترمقان جماله بين الفينة والأخرى، غابطاً لصديقي بقولي ما أهنأ عيش هؤلاء..!! مع تمنياتي ودعواتي لي ولكم بأن يعطينا الله مثله في الدنيا، وإن لم يكن كذلك ففي الجنة إن شاء الله .. قولوا آمين.. وعند الباب ضغطت زر الجرس برفق ففتح الباب أتوماتيكياً وأخذ حارسهم الأمين مبتسماً يرحب بي وبلباس أجمل مما ألبس أنا. قال لي: أحمد ينتظرك في الصالة الغربية بوابتها المدخل الجنوبي، دلفت داخل القصر حتى وصلت مجلس صديقي العامر بالأثاث المنسق والمرتب غير الديكور الساحر كأنه نجف جميل بألوان الطيف، وكان صديقي بمعية ثلاثة من إخوته.. لكن العجب العجاب الذي أزال فرحتي بجمال القصر من الخارج والداخل أني شاهدت على وجوههم تسونامي من علامات الغضب والتشنج والتجهم والبؤس والكآبة، كأن الأرض انطبقت على رؤوسهم وحلت عليهم كارثة اليابان فخسروا كل ما يملكون.. بدأتهم بالسلام مبتسماً شاكراً لهم الضيافة، لم يجب أحد منهم، قال صديقي : اجلس لو سمحت لنشرح لك المشكلة بتفاصيلها وأبعادها، قلت مستعيناً بالله : ماذا في جعبتكم من مشاكل؟؟؟ بدأ صديقي يتحدث عن المشكلة التي حلت عليهم وأدخلت عليهم الكآبة والهم والحزن والنكد، فأصبحوا يتقلبون ليل نهار على مواجع الألم والحسرة ومآسي القلق على مستقبلهم. بعد أن انتهوا جميعهم عرفت المشكلة وتفاصيلها وأبعادها.. وبدأنا نتحاور في إيجاد حلول لنضع النقاط على الحروف، وبحمد لله انحلت 80% من المشكلة، وباقي المشكلة بكل بساطة بسيطة فقط لا تشيلوا هم.. ثم سألت لماذا.؟؟ هذا الضجيج والقلق والبؤس والكآبة، ألستم مؤمنون بأقدار لله وأن الخير فيما يختاره الله لنا قالوا بلى .. قلت فعلام الخوف إذن.. وبما أني بطبيعيتي التي جبلني الله عليها أجد نفسي إنساناً متفائلاً بدأت أتحدث معهم قليلاً، ومما أذكر قلت لهم “فإن كان لديكم مشكلة جعلت من حياتكم بؤساً وهماً ونكداً.. تذكروا من هم أكثر منكم نكداً وبؤساً.. وعلى الإنسان أن لا يقنط من رحمة ربه.. بل أقول أنسى.. اضحك.. افرح.. ابتسم.. عش حياتك بكل بساطة.. خالية من تعقيدات الحياة.. فالمشكلة تبدو في بدايتها كالجبل ومع مرور الوقت تصغر وتصغر حتى تصبح كحبة خردل.. فكل شيء سيتغير لا محالة فيصير من حال إلى حال .. وريثما يتغير لا بد أن تنتظر وتصبر وتتصبر حتى تكسب الثواب والأجر الجزيل من الله - فقط أحسن الظن بربك - الذي بيديه مفاتيح السموات والأرض. بعد أن انتهى حوارنا، فجأة وبدون مقدمات ومن رحم البؤس تعمدت أن أستخرج تعليقاً ظريفاً، ثم أتبعته بنكتة مضحكة، بعدها ذكرت موقفاً محرجاً حصل لي، فامتلأ المجلس بالضحك حتى بدت نواجذهم، وتحولت تلك الجلسة الكئيبة إلى ضحكات مدوية سقط على إثرها لعابهم من شدة الضحك، واغرورقت أعينهم بالدموع ليست من الحزن بل من كثرة الضحك”. هل تصدقون أن هؤلاء قبل وقت قصير كانوا يائسين بائسين يندبون حظهم السيئ.؟؟ ولو مر عليهم شخص آخر لا يعرف حالهم ثم قلت له إن هؤلاء يائسين بائسين، ثم فجأه سمع ضحكاتهم المدوية وعرف أنهم يعيشون قصراً جميلاً ويملكون وكالات تجارية وعقارات في أنحاء البلد.. هل سيصدق كلامي؟ بالتأكيد لا بل سيقول مثلما قلت أنا في بداية دخولي قصرهم: ما أهنأ عيش هؤلاء..!! - لا هم - ولا نكد - ولا بؤس -. والحقيقة والواقع نحن لا نرى من حياة الناس إلا الظاهرة فقط وهو الجانب البديع والجميل! وهي اللحظة الجميلة التي يبحث عنها الكثير والكثير من المطحونين بالهموم والأحزان والمسحوقين بكدر الحياة وتقلباتها.. لكن هكذا هي الدنيا .. خلقها الله لنا لنتعايش معها بخيرها وشرها، وبسلام هانئ وآمن داخلي ندخل السرور على أنفسنا أولاً وعلى المحيطين بنا ثانياً، وسلامي للمتفائلين.. ^ ومضـــــــة: يا أيها الإنسان.. إن أصغر مسافة بين مشكلتك وحلها.. هي نفس المسافة التي بين جبهتك والأرض.! فتذكر قوله تعالى: (ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين). إضـــــاءات