تنمر طالب على آخر.. شجار.. استصغار.. سيناريوهات تتكرر يومياً في المدارس عامة وفي مدارس البنين خاصة، وبالعامي يمكن القول "غشمرة ثقيلة" أو "مطنزة" أو "هوشة صبيان"، لتكون النهاية دائماً الدفدفة والطبطبة "وخلوا اليوم يطوف" والسلام.

لا ندعي أن حالات العنف أصبحت ظاهرة عامة، ولكنها مشاكل موجودة نسمعها هنا وهناك، وننشر عنها ما تيسر ليصل إلى الرأي العام، لاسيما وأن الغالب منها غير معلن.

قضيتنا التي ننشرها اليوم في صدر الصفحة، تبين حجم التخبط الذي يحصل داخل المدارس، والذي يدل على وجود قصور في كيفية علاج المشاكل السلوكية مع الأسف، الأمر الذي ينفي الدور التربوي الحقيقي الذي يراد له أن يكون متقدماً على الدور التعليمي.

شاب في المرحلة الإعدادية، وسأقول بأنه طفل "لأنه لم يكمل 15 عاماً"، يتعرض من زميل له في الصف "ساقط سنتين" أي أنه عايد السنة لمرتين، إلى عنف لفظي متكرر، تلاه بصق على الكرسي مراراً وتكراراً دون أن يكون للمدرسة "معلم ومشرف ومدير" دور في وضع حد لهذا التنمر، ليصل في نهاية المطاف إلى ضرب مبرح كسر أنف الطفل على أثره!

وطبعاً من قام بالضرب لا يعتبر طفلاً فقد بلغ 17 عاماً! وربما ببحث دقيق سنجده هو الآخر ضحية عنف ما تعرض له سابقاً في دائرة حياته الخاصة أو العامة، فالمشكلة تولد المشاكل، وخصوصاً في الجانب النفسي والتربوي والاجتماعي.

إن سلامة الطلاب أولوية أولى، فهم أمانة، ومن المرفوض جملة وتفصيلاً أن يذهب أي طالب إلى المدرسة سالماً على قدميه ويخرج بعاهة أو إصابة ما.

لا تتوفر أرقام بهذا الخصوص، فالرقم مستتر في وزارة التربية والتعليم لا يفصح عنه، وكذلك هو الحال في وزارة الداخلية إذ لا نعلم عدد البلاغات الناتجة عن شجار داخل المدارس.. ولكن تظل الحقيقة بأن مثل هذه الحالات تمثل مشاكل يجب أن تحل، فالعمل الحقيقي يأتي بإفصاح المؤسسات الرسمية عن حجم المشاكل التي يواجهونها، وقياس قدرتهم "بإجراءات وتدابير مدروسة" على حلها وتقليل نسبتها عبر السنين، ولكن هذا النفس غير موجود مع الأسف.

إن كان هدف وزارة التربية والتعليم تحقيق الجودة فعلا، فإن سلامة الطلاب تأتي قبل جودة الدرس المقدم، وإن كانت اللوائح تحوي ثغرات لا تفي بتحقيق الغرض منها، فحري بالمسؤولين مراجعتها وتطويرها بما تقتضيه الحاجة على أرض الواقع، وعلى خط موازي مطلوب تفعيل دور المدرس الذي يجب أن يطال ضبط السلوكيات داخل الفصل وليس فقط تقديم المادة العلمية، هذا بخلاف الإشراف الاجتماعي الذي نجد أن دوره منحسراً في كثير من القضايا إما بسبب زيادة عدد الطلاب وقلة عدد المشرفين الاجتماعين أو عدم كفاءة وفعالية ما يقومون به من محاولات لحل مشاكل الطلاب.

كل هذه الدوائر التي يراد لها أن تكون على قدر عالي من المهنية، لن تستقيم إلا بوجود إدارة جادة تضع مسؤولية التربية والتعليم هدفاً واقعاً، لا مجرد مهنة لتقضية اليوم الدراسي والسلام.

هذه واحدة من القصص، وجدت طريقها إلى الرأي العام، فسلط الضوء عليها، ولكن حتماً ثمة قصص أخرى في دائرة الظلام.