^ في طفولتنا المفتوحة على مسافات المستقبل، كنا نضيّع الوقت في الحلم بأن نصبح أقوى وأطول وأكبر، حتى نكون أكثر قدرة على مواجهة المصاعب التي تعترض طريقنا من الآخرين الذين يقفون لنا بالمرصاد أمام كل وجهة نظر نقولها. كبرنا وكبر معنا الحلم في القوة، ولكننا لسبب أو لآخر لم نستطع أن نكون أقوياء كما تصورنا، نستطيع التغلب على العشرات، كما في الأفلام الهندية أو الأمريكية، فهناك دائماً من هم أقوى منا وأكثر حجة في قمع أفكارنا ووجهات نظرنا. منذ أن عرفت شيئاً من الوعي السياسي في مرحلة التحرر الوطني من الاستعمار البريطاني، عايشت الكثير من الصراعات في الأحزاب السياسية السرية التي تعمل في البحرين. كما يقولون كلما جاءت أمة لعنت أختها، كذلك كلما جاءت مجموعة تظن نفسها أفضل من غيرها، فيما المجموعة تعتبر نفسها المؤسسة، وإلى أن يلف الله الأرض ويطويها سوف يبقى الصراع الدائم بين الأشخاص والمجموعات والبلدان، خصوصاً إذا كان الفريقان من الفرق المتنازعة على كلمة أو أرض أو وجهة نظر، يقفون مع جماعتهم ولو كانت هذه الجماعة على خطأ، وكانت كل مجموعة تلعن أختها وتسفه آراءها وأفعالها، رغم أن الجميع يتصور انه يحمل أهدافاً مشتركة. الحديث عمَّ سنصنع حينما نكبر بقي كما هو عليه منذ الستينات التي ترعرعنا في أجوائها، أغلبنا بقي يسأل وغادر الرجولة واتجه إلى موانئ الشيب، ومازال يطرح نفس السؤال القديم. إننا نملك إمكانيات هائلة لكننا نجهل كيفية التواصل معها، وكيفية إثمارها في الفترة التي نحياها على هذه الأرض. هل تدرون كم من الوقت نهدره في الصراعات مع أنفسنا، وبسبب غياب الوعي الروحي الذي كما أسميه (أبو أنواع الفكر) أو الوالد الطبيعي لكل علوم الأرض. لذلك أرى أنه عندما نتكلم عن الوعي فإننا نتكلم عن القوانين الكونية التي لا يمكن لنا أن نقف ضدها، بالضبط كما إننا لا نستطيع التحكم بالريح، بقدر ما نحاول الاستفادة من حركتها وتحويلها في صالحنا كجماعة تعيش على هذه الأرض لمدة، ثم تغادرها لتأتي جماعة أخرى إلى نهاية العالم. هل تدرون أن البعض منا ونحن نراه منذ أيام الطفولة يعيش ناقماً، متبرماً، شاكياً، على أنه الوحيد الذي لم يحصل على فرصته.. والوحيد الذي يقف أمامه سوء الحظ، والوحيد الذي يخاف من صعود الآخرين، والوحيد الذي إن حصل على ما يريد سيحول العالم واحة أمن وسلام. لا يعرف هذا الصديق والحبيب والجار والزميل والصاحب أن الفرص أمامه دائمة، أنها متوفرة مثل توفر الهواء الذي نتنفسه، لكنه لا يراها لأنه مشغول بالشكوى والتذمر وإلقاء كسله على الآخرين أو الظروف المحيطة به، كل شيء متوفر أمامك، كل شيء، فقط عليك أن تعرف ما تريد تحقيقه. وابتعد عن ترديد كلمة ما لا تريد، بهذا ستحوز على كل ما تحلم واضعاً في اعتبارك أن حلمك المشروع لا يتعارض مع قوانين الواقع الممتدة من القوانين الإلهية والكونية، ويقوم على حرية الآخرين في أحلامهم المشروعة أيضاً.