^ على أعتاب التاسع من أبريل، لا أعرف هل نواسي إخواننا العراقيين بمرور ما يقارب تسعة أعوام على احتلال العراق، أم نهنئهم بالعام الأول على إعلان أمريكا انسحابها؟! مازلت أذكر جيداً التاسع من أبريل 2003م، كان الوقت عصراً والبحرين تسبح في موجة من الغبار، خرجت لأشتري كتاباً من إحدى المكتبات وعبر شاشة تلفاز صغيرة يتابع من خلالها محاسب المكتبة أخبار غزو العراق شاهدت المنظر الذي فجع الجميع والذي ظلت دلالته عالقة في أذهان العرب، المشهد هو سقوط ساحة الفردوس في يد الجيش الأمريكي وقيام أحد الجنود بتغطية وجه تمثال لصدام حسين بالعلم الأمريكي، كان المشهد مؤثراً وكانت رسالته واضحة لا تحتاج ترجمة. أصيب كثير من العرب بصدمة شديدة وأزمة إحباط لم يخرج البعض منها إلى حد الآن، العراق العظيم يسقط في يد الغزاة، وأمريكا تعلن رسمياً احتلالها للعراق، وأصبح للعرب مع بداية الألفية الثانية بلدان محتلة: العراق وقبلها فلسطين. ولم تنته فجائع العرب في العراق بالاحتلال، فالغزو الذي قاده حفنة من مرتزقة العراق على ظهور الدبابات الأمريكية لم يكن يهدف إلى إسقاط النظام ومحاربة القاعدة والقضاء على الخطر النووي، بل هدف إلى تدمير الدولة العراقية التي خرّجت العلماء في مختلف المجالات الدقيقة والنادرة، وإلى تفتيت وحدة العراق وطمس هويته العربية ومسح دوره الهام من الخارطة، وكانت باكورة إنتاج دولة العراق المهلهلة، دستوراً مشوهاً أصر المسيطرون على اللجنة التأسيسية التي صاغته على حذف المادة الأولى منه والتي تعلن: العراق دولة عربية واستبدالها بأن العراق دولة مستقلة وعضو مؤسس للجامعة العربية. وأعطى الدستور للأقاليم الحق في إعلان استقلالها ونيل الحكم الذاتي تحت سيطرة المركز أسوة بإقليم كردستان العراق، وتمهيداً لتفتيت العراق وتقسيمه. الآن بعد مرور هذه السنوات العجاف لم يعد مجدياً اجترار الحديث عن تفجر الإرهاب داخل العراق، وميليشيات الموت وتهجير السنة العرب والمسيحيين والتركمان والعبث بمقدرات العراق وسرقة أمواله، فقد تجاوزت هذه الكوارث حدود العراق وصار الحديث عن تصدير العراق للإرهاب هاجساً للدول المجاورة له ومصدر قلق وزعزعة لأمنها، فالميليشيات التي قتلت العراقيين أصبحت تدرب عناصر إرهابية في بعض الدول العربية الأخرى، والأحزاب السياسية داخل العراق صار لها نفوذ في الدول المجاورة، وصارت تفتي وتصرح في القضايا الداخلية للدول المجاورة. وأحمد الجلبي رجل الاحتلال الأمريكي أصبح له لوبي من رجالات المنطقة يجتمعون به ويتعلمون منه ويقتدون به في نسج علاقات مع الغرب ليصبح كل منهم جلبي بلده!! والحالة المذهبية الفريدة التي هندسها بريمير انتشرت عدواها، وراجت عند تجار الطائفية الذين رغبوا في توسيع سوقهم، فأصبح العرب بين عام وضحاه كمن استفاقوا فجأة واكتشفوا أن دولهم تشمل طوائف عدة، وأنهم عاشوا سنين طوال متعايشين ومتفاهمين، وأن هذا التعايش قد أصبح استثناءً غير طبيعي، ويستحق إعادة النظر!! باحتلال أمريكا للعراق دخل الشر على العرب من البوابة الشرقية، وكشفت إيران عن كل أنيابها في احتلالها الحقيقي للعراق، في البدء كان على العراقيين أن يدفعوا ثمن حرب السنوات الثمان ضدها، ثم صار على العرب أن ينحنوا للطاووس الفارسي الذي حاول بسط ذيله على الوطن العربي من الخليح إلى المغرب، وصار الاحتلال الإيراني يضاهي في عنصريته ودمويته الاحتلال الإسرائيلي. لا يستطيع المرء أن يقول إلا أن سقوط العراق كان كارثة مبيتة ومعدة للعرب إعداداً يتجاوز قدرتهم على مواجهة نتائجها، وأن استمرار العراق خارج المنظومة العربية وتحت سيطرة الأحزاب الإيرانية والوصاية الأمريكية يجعل منه وكراًً تنطلق منه المؤامرات ضد الدول العربية، وقد جنى العرب بعضها، فهل يحتملون تجرع بقيتها؟ وهل سيستمرون في ترك العراق يغرق في المستنقع الإيراني بعدما تكشفت لهم مصائبه؟ في أعتاب ذكرى احتلال العراق نعزي أنفسنا بسقوط عراق العراقة والعروبة مضرجاً بين أيدي الأمريكان والإيرانيين والإسرائيليين، فخسارتنا بسقوط العراق لا تقل عن خسارة العراقيين أنفسهم ولا تقل عن نكبتهم.