^ رغم انهيار الاتحاد السوفيتي، إلا أن التجربة الاشتراكية السوفيتية لاتزال تستثير شهية المحلِّلين، فقد أصدر الكاتب التونسي محمد الكيلاني مؤخراً كتاباً بعنوان “التجربة السوفيتية.. اشتراكية أم رأسمالية.. نحو تجديد المشروع الاشتراكي”، طرح فيه السؤال المركزي التالي: “هل كانت التجربة السوفيتية تجربة اشتراكية قادتها الاشتراكية العلميّة ولكن حالفها الفشل، أم أنها تجربة قادها فكر وسياسة خليط بين الاشتراكية العلمية والاشتراكية الطوباوية حكم عليها بالعجز على الخروج من الإطار الرأسمالي رغم ما رافقه من خطاب شيوعي؟”. يحاول المؤلِّف الإجابة عن هذا السؤال عبر قراءة المفاصل السياسية والاقتصادية الهامة في التجربة السوفيتية، حيث إن نظام الحكم الذي أقامه الاتحاد السوفيتي مُمَثلاً بدكتاتورية البروليتاريا اتخذ صفةً شموليةً، وكان فيه الحزب الشيوعي أداة استبداد شرقي باسم الاشتراكية والشيوعية، أما الشّق الاقتصادي فتجسّد في أزمة فائض الإنتاج العام بسبب هيمنة الدولة على الملكية والتخطيط، وتدخّلها من أجل تحقيق أقصى نسب تراكم لقطاع الإنتاج في وسائل الإنتاج، حيث أصبح اقتصاد السوق، بحسب تعبير روجيه غارودي، هو “المنظم الوحيد للعلاقات الإنسانية”، مما أفضى إلى النمو التدريجي لرأسمالية الدولة الاحتكارية. إن الخلط بين “إضفاء الطابع الاشتراكي والتأميم بطريقة جبرية وارتجالية قد قاد إلى عسكرة المجتمع، واستيلاء أفراد الحزب الشيوعي على السلطات، كما إن المزج بين التخطيط ودوره التوجيهي ومنهج الإدارة التي تحدد السياسات الاقتصادية انطلاقاً من بيروقراطية مركزية على صعيد الدولة، كل ذلك دفع بالاقتصاد إلى حالة الفوضى”. إن علاقات الإنتاج التي كانت سائدة في الاتحاد السوفيتي هي علاقات إنتاج رأسمالية أخضعت العمّال لشروط التراكم السريع، وعجّلت بسقوط الدولة، حيث إن فشل التجربة الاشتراكية يُعزى إلى عدم نضج البنية التحتية الاجتماعية والاقتصادية في المركز، وعدم تلاؤمها مع مرجعية النظرية الماركسية، والسقوط في تعنيف الواقع، والانجذاب إلى الرأسمالية أكثر من الانجذاب إلى الاشتراكية، والانهماك في تثوير قوى الإنتاج في بلد متخلِّف. إن الفكرة الاشتراكية بنظري يمكن أن تتخذ صوراً مختلفةً يصعب حصرها فقط في تجربة إنسانية واحدة، مهما عظُمت إيجابياتها وتعدّدت منافعها، وإن العقل البشري قادر على إنتاج أفكار أكثر ثراءً، وتطبيقها على أرض الواقع بصورةٍ إبداعيةٍ تجسِّد الحلم الجميل لدى الكادحين كافةً بمجتمعٍ يفيض بالحرية والعدالة والسلام!.