تحولت شاشات الفضائيات العراقية إلى ساحات لتصارع الإعلانات الانتخابية عبر الأغاني التي تروج للمرشحين، الذين رصدوا بدورهم أموالاً طائلة لإنفاقها على "كليبات" تصوّرهم مع جماهيرهم.
فقد أقاموا لتلك التجمعات سرادقات خاصة أو حجزوا لها صالات فنادق فخمة، وعادة ما تكون هذه الجماهير "مدفوعة الأجر"، حيث تجدها في كليب هذا المرشح وفي كليب منافسه.
ولا يهم الأمر المرشحين كثيراً ما دامت تلك الـ"كليبات" تسوقهم على طريقة الرؤساء والحكام العرب سواء في رقص "الجوبي" أمامهم أو نحر الذبائح أو إلقاء القصائد الشعبية، وربما في الأمر بعض التعزية، لأن المرشح إذا لم يفز بمقعد برلماني أو منصب وزاري فعلى الأقل أصبح نجماً تلفزيونياً يتباهى به أهله وعشيرته.
وبحسب ما يراه بعض المواطنين فإن هذه الممارسات الانتخابية تعيد لهم ذكريات الأغاني والأناشيد التي كان يبثها "تلفزيون العراق" و"قناة الشباب" التابعة لعدي صدام حسين أيام الحرب مع إيران.
واجب شعري ولكن..
ومع العد التنازلي ليوم 30 أبريل 2014، تحولت الأغاني من تمجيد الانتخابات بصورة عامة إلى الدعوة الصريحة باسم المرشح الفلاني والتغني بإنجازاته وما سيُنتظر منه في حالة فوزه.
ونقلت قناة العربية عن حمزة الحلفي، وهو شاعر معروف وكاتب أغنية مميز : "أجد أن من الواجب أن يقف الشاعر مع أي ممارسة تعزز الديمقراطية في بلده، ومثلما كتبت للحب والجمال والوطن كتبت للانتخابات، لأني وجدت من واجبي أن أثقف لها، لكني بالمقابل ضد أي أغنية تبشر بكتلة ما وتسعى لإسقاط منافسيها زوراً وبهتاناً، كما هو رائج هذه الأيام، وشخصياً إذا توفر عندي يقين واحد بالمئة أن القائمة التي أعطي صوتي لها تمارس هذا السلوك الرخيص لاحتفظت به لنفسي خيراً من أخسره على باطل".
وللملحن الشاب الذي غنى له كبار مطربي العراق، جعفر جاسم، رأي لا يبتعد به كثيراً عن الشاعر الحلفي إذ يقول: "هذه الدربكة التي يطلق عليها الآن شيوعاً الأغاني الوطنية، أو سمّها ما شئت إلا أن تسميها أغاني وطنية لكونها بعيدة كل البعد عن رائحة الوطن شكلاً ومضموناً ومنزوعة التأثير بالمتلقي من جانبها الجمالي والذوقي والفني في الكلمات واللحن والأداء".
أغان للفواكه والوطن
ويضيف الملحن جعفر: "الأغنية الوطنية هي ما تحرك في النفس المشاعر اتجاه الوطن خذ مثلاً بليغ حمدي عندما قدم لشادية "يا بلادي.. يا حبيبتي يا مصر" هذه أغنية عاطفية بكلام وطني فيه النيل والأهرامات وكل ما يعتز به أي بلد برموزه وشواخصه الحضارية، وعلى الصعيد المحلي قدم طالب القرة غولي "هذا أنه وهذاك انته"، وكذلك أغنيات كوكب حمزة وجعفر الخفاف الذي قدم "الشمس شمسي".
أما ما نراه ونسمعه اليوم فإنه "يجعلنا لا نحب الوطن لفرط ما نسمعه من زعيق ونعيق وإيقاعات متوحشة وجمل لحنية مكررة كأنما دخلتْ جهازاً واستنسخت نفسها".
فما يسمى اليوم بالعرس الديمقراطي هو فعلاً "عرس" بدليل أن الأغاني المصاحبة لـ"الزفة" تشهد الكثير مما يشبه أغاني الفواكه (البرتقالة والرمانة.. إلخ)، وشيوع بثها في المحطات التلفزيونية والإذاعية أثار جدلاً وتساؤلات فاقت ما أثارته الكثير من البرامج الانتخابية.