قد يتبادر إلى الذهن السؤال الجوهري وهو كيف تتبوأ جامعات معينة مراكز متقدمة على صعيد التعلم والبحث والتواصل العلمي والابتكار. ولعل هذا السؤال مرتبط بجملة أسئلة جوهرية مرتبطة بالذاكرة الحضارية للعالم الإسلامي وفحواها كيف تميزت الجامعات العريقة عبر التاريخ مثل جامعة القاهرة والأزهر وجامعة بغداد ودمشق في القرون الماضية ومن ثم كيف تراجعت هذه المنارات العلمية؟

مما لا شك فيه أن الابتكار في الجامعات مرتبط بنمط التنمية الاقتصادية والاجتماعية ووضوح استراتيجية للابتكار من أجل بناء الأمة ومشروع النهضة. إن الابتكار في التعليم الجامعي وبناء مفهوم الجامعة البحثية الوطنية يرتكز على جملة عناصر أساسية تتمثل في تطوير رؤية وطنية للتميز العلمي والتقني، وسياسات حكومية تحفز الاستثمار في البحث التطبيقي، والاهتمام بالتعليم المهني والجامعي، والتركيز على التعليم والبحث والحاجات المحلية في قطاع الصناعة والتقنية.

تمثل الجامعات المحرك للتنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تسهم بشكل فاعل في تعزيز التنافسية والإنتاجية. والسؤال الجوهري هو كيف نطور نموذجاً للجامعة البحثية في الوطن العربي بحيث تسهم في عملية بناء العقل والبصيرة الفكرية من أجل التصدي للتحديات التي يعيشها عالمنا العربي من بطالة وفقر وهجرات وتهديد للأمن الإنساني، وأمن الطاقة والماء والغذاء؟

التعليم الجامعي والبحث العلمي يشكلان الركيزة للتنمية المستدامة والتحول إلى اقتصاد المعرفة وتحقيق الرؤية 2030 في الخليج العربي من خلال البرامج البحثية المشتركة والمبتكرة للتصدي للأولويات الوطنية، وهذا ما تسعى له جامعة الخليج العربي في مملكة البحرين.

إن التحديات الاقتصادية تمثل فرصة ودافعاً من أجل الابتكار في التعليم العالي عبر التطوير المؤسسي للحوكمة وعمليات التعليم وتقنياته. كما أن رؤى وخطط التحول الاقتصادي لمشاريع التنمية أساسها تطوير التعليم العالي والمهني والبحوث التطبيقية من أجل رفد عجلة التنمية وزيادة المحتوى المحلي في الاقتصاد، وذلك يتحقق عبر تطوير الصناعات الوطنية وتطوير الخدمات اللوجستية، وقطاع النقل والطيران والموانئ، وقطاع المال والخدمات، وصناعة البرمجيات وتقنيات التعليم، والاهتمام في الطاقة المتجددة والمستدامة، والزراعة الحديثة وتحلية المياه وإعادة استعمالها. لهذا يرتكز مشروع تطوير نموذج للجامعة البحثية في الوطن العربي على عدة مقومات تشمل التمايز والتكامل بين الجامعات العربية، وهذا يعني أن تركز كل جامعة على نقاط تميز محددة وتتكامل مع الجامعات الأخرى.

أما المحور الثاني للجامعة البحثية يتمثل في التركيز على الابتكار لتطوير عمليات التعلم وبيئة التعليم وتقنياته، وهذا يتضمن إتاحة فرص التعليم الجامعي للمتميزين والمبدعين من كافة المستويات الاجتماعية وذوي الدخل المحدود، مع الحفاظ على النوعية والاستثمار في الرأسمال البشري والفكري ورفع مستوى المعيشة وتحقيق الرفاهية.

أما المحور الثالث، فيشمل الاستثمار في البنية التحتية والتوسع في البرامج الجديدة من أجل خدمة المجتمع والصالح العام. أي الاهتمام في البحث العلمي والإنفاق عليه ضمن خطة للتنمية المحلية حسب الأولويات الوطنية والبنى التحتية للجامعات البحثية تشمل تطوير المكتبات الحديثة الرقمية والربط الإلكتروني مع المكيفات الإقليمية والعالمية، والاستفادة من مصادر التعلم المفتوح «Open Source».

فيما يتناول المحور الرابع للجامعة البحثية تضمين مفاهيم وبرامج الاستدامة في التعليم الجامعي، من خلال تأسيس نهج تربوي أساسه بناء الفكر الذي يعتمد على التوازن والحصافة والكفاءة والترشيد في الاستهلاك.

من خلال ما سبق نستنتج أن الجامعات هي البيئة المناسبة لبناء مراكز الريادة والابتكار ومراكز التميز في الاستدامة والتغير المناخي واقتصاديات الطاقة والبيئة ومراكز التفكير والدراسات المستقبلية، من أجل تقدير التكامل العربي على كافة الأصعدة. وإن توليد براءات الاختراع والملكية الفكرية يؤدي إلى ترابط الجامعات مع الصناعة والمجتمع، كما تسهم الشراكات الدولية في استدامة الجامعات.

خلاصة القول، إنَّ مشروع تطوير نماذج للجامعة البحثية في الوطن العربي هو أولوية للتحول الاقتصادي والاجتماعي ولتحقيق برامج التنمية المستدامة، وإن تحديات المستقبل تفرض علينا جميعاً بناء التعليم الجامعي على أسس من الجدارة والتميز والاستدامة والتي تركز جميعها على الابتكار المؤسسي.

* رئيس قسم الابتكار وإدارة التقنية – كلية الدراسات العليا – جامعة الخليج العربي – البحرين