أربعة نماذج اختزلت قصة عطاء جمعية أهلية جعلت من الأيتام هدفاً لها.. سيدة هوت الكوروشية، فتدربت وتمرست إلى أن أصبحت مدربة له، ثم استطاعت أن تحول هذه الهواية إلى فكرة مشروع تترزق منه في عيشها. سائق باص، اهتم بتوصيل الأيتام كعمل خيري يريد من ورائه البركة في عمله، والمميز فيه بأنه لا يترك الطفل دون التأكد من استلام أهله له. كافل يتيم، يعرض حرصه على كفالة أحد الأيتام ويحفز المجتمع على الاهتمام بكفالة الأيتام انطلاقاً من قول الرسول عليه وآله أفضل الصلاة والتسليم (أنا وكافل اليتيم كهاتين) وأشار إلى إصبعيه الكريمتين. وأخيراً قصة شاب احتضنته الجمعية طفلاً، فكبر بين أعضائها، واستفاد من مساعداتها المعنوية قبل المادية، ليصل إلى الجامعة ويتخرج منها ليغدوا اليوم موظفاً ناجحاً في عمله، يكبر دور الجمعية ويواجه الجمهور في تبيان ما قدمته له ليختم قوله: «لا زلت أمر على قبر والدي.. فهناك شيء لا يزال ناقصاً في حياتي». هذه القصص الأربع، عرضتها جمعية الكوثر في حفلها الرمضاني هذا العام قبل أيام، اختزت فيهم قصة عطاء الجمعية التي بدأت ولا زالت مستمرة حتى اليوم. بمثل هذه النماذج يقاس الأداء الحقيقي لمؤسسات المجتمع المدني، فملامسة قاع المجتمع، والوصول إلى الأفراد وإحداث التغيير في حياتهم هو ما يدل على نجاح العمل وإتيان ثماره. ما أحوج مجتمعنا اليوم إلى هذا الإيقاع، سواء كان على مستوى تكثيف الجهود التي تستهدف الفرد ـ أياً كانت احتياجاته - أو على مستوى إشهار هذه الجهود لندلل على أن الدنيا (لا تزال بخير)، فهكذا يقاس الأداء الفعلي، وهكذا نلتمس العمل الأهلي الحقيقي، وهكذا تتأصل القيم والمبادئ الاجتماعية من خلال عمل أهلي يراد من ورائه خير الإنسان. في الولايات المتحدة ثمة مليون ونصف المليون جمعية ومنظمة غير ربحية، كلها معفاة من الضرائب، كما أن لها الحق في الحصول على نسبة كبيرة من الضرائب المستحقة على الشركات والأفراد والمنشآت، كلها من أجل زيادة نفعها للناس، وفي المقابل في العالم العربي، ثمة منظمات خيرية في كل الأقطار لا تتجاوز مجموع المنظمات التطوعية في ولاية أمريكية واحدة، وعليه لنا أن نستشف إيقاع العمل وتأثيره على أرض الواقع، ولنا معرفة نتيجة مثل هذه المعطيات سلفاً. هناك العديد من الدراسات والأبحاث التي قام بها أكاديميون وباحثون في مجال العمل الخيري انصبت حول تحديد العلاقة بين العمل الخيري والمجتمع، والحاجات والمطالب التي ينتظرها المجتمع من المؤسسات الخيرية، فعلى سبيل المثال ثمة دراسة للدكتور إبراهيم بن حمد النقيثان الأستاذ بجامعة الملك سعود، بعنوان «الحاجات والمطالب التي ينتظرها المجتمع من المؤسسات الخيرية استهدفت استجلاء طبيعة المطالب والاحتياجات المتنوعة التي يتطلع أفراد المجتمع إليها من الجمعيات الخيرية، سواء كانت احتياجات نفسية أو اجتماعية أو تعليمية أو إغاثية. أظهرت الدراسة أن الأغلبية الذين شملتهم الدراسة تطالب المؤسسات الخيرية بالعناية الخاصة بالرعاية والتوعية والتوجيه للأفراد في الجوانب الدينية والاجتماعية والصحية والتربوية، وكانت هذه أول المطالب التي يطالب بها من شملتهم الدراسة من الجمعيات الخيرية، أما المطلب الثاني فهو تقديم الخدمات المادية والعينية وبحث الحالات التي تحتاج إلى دعم مادي وعيني، أما المطلب الثالث فكان التعرف على احتياجات الشباب وأحوالهم ومعالجة مشكلاتهم وحمايتهم من الانحرافات الأخلاقية وظروفهم المادية. هذه واحدة من الدراسات التي تبين خط السير، وثمة غيرها الكثير، ولكن في ظل تعدد الفئات المجتمعية، واختلاف احتياجات كل فئة، ثمة حاجة إلى تجويد طرق العمل وأساليب الاستهداف، إضافة إلى دعم هذه المؤسسات من أجل الوصول إلى الغاية المنشودة ألا وهي خدمة الإنسان والارتقاء به. وعوداً على بدء.. شكراً للكوثر وكثر الله من أمثالكم.