نشكر الجمعيات 16 التي وقعت بياناً تفاعلياً مع قضية عمر، فالحراك الاجتماعي البناء، وردود الفعل الرامية إلى توضيح وجهة نظرغائبة أو موقف معين، تستحق لفت الانتباه إليها، ولكن هذا البيان وما يعكسه كل من (صياغته وتوقيته) يجعلنا أمام حاجة فعلية لقراءة متأملة له، إذ كان من الأولى أن يكون موضع نقد ذاتي من واضعيه والقائمين على إعداده قبل الإقبال على نشره. ترى أين كانت هذه الجمعيات قبل ذلك، أين موقفهم إزاء قضايا سابقة كثيرة ، قضايا كثيرة بدأت من 14 فبراير عندما بدأ مسلسل استغلال الأطفال في المسيرات السياسية، ونقلهم من مدارسهم إلى الشارع من أجل مصالح سياسية، ألم يكن هذا ضرباً من ضروب السلوك الاجتماعي الخاطئ الذي كان من الأجدى أن نجد بياناً من جمعياتنا الاهلية لتشجبه! مواقف وقضايا كثيرة مرت بنا، ولم يكن هناك بيان مماثل موقع من 16 جمعية أهلية تبين رأياً وطنياً يغلب فيه مصلحة الوطن على مصلحة فئة أو جماعة، كما حاولوا فعله في قصة عمر التي وصفوها بالمشكلة الفردية متناسين أبعادها الإنسانية والتربوية والقيمية والاجتماعية! أتساءل هل كانت الجمعيات قادرة - وأنا أثق أن فيها من يوافقني الرأي ولكن غلب رأي على آخر - على وضع أو صياغة جملة واحدة تدين مافعلته المعلمة، ألم يكن هناك طريقة لتضمين الخطاب عبارات تبين شجب واستنكار الفعل، قبل استنكار رد الفعل، أم أن البيان صيغ من أجل التعبيرعن ما تراه العين الواحدة!. شخصياً كنت سأقف وقفة احترام أمام بيان يمسك العصا من الوسط، بيان جريء قادر على انتقاد الكل لا الجزء، أو خطاب  يعكس حياديته لا التحيز لرأي دون آخر، فهذا البيان أقل ما يوصف به بأنه محبط، بل ويبين حجم الضعف الذي تعاني منه الجمعيات والذي يفقدها الإنصاف الذي يجب أن تمتاز به. هل هناك اثنان يختلفان على أن إرغام مدرسة شيعية المذهب لطفل سني على تقبيل قدمها أمر خطأ جملة وتفصيلاً، هل هناك من يرتضي هذا السلوك في أي مجتمع آخر غير مجتمعنا، حقيقة الأمر أن المدرسة أخطأت خطأ فادحاً يعكس جملة من الأبعاد التي كان من الأولى شجب التصرف أولاً لا شجب ردود الفعل، إضافة إلى توضيح الأبعاد السلبية له بدل محاولة تحجيم القضية وتصغيرها، فإن كنا مجتمعاً تعددياً يراد له الحفاظ على هويته التعددية ، فإن أي محاولة لإقصاء الآخر يجب أن تكون موضع نقد اجتماعي وحراك أهلي. في الأسبوع الماضي، كتبت في مداد (ماذا لو كان اسم الطفل جعفر بدل عمر)، هل ستكون المقاييس مختلفة؟! وها أنا أستذكر نفس السؤال، فهل كانت نفس هذه الجمعيات قادرة على إصدار بيان بنفس الكلمات والعبارات المستخدمة فيه، وهل سيتم اعتبارها مشكلة فردية لا يراد تهويلها حسب ما جاء في البيان، أم أن نمط التفكير في ذاك الحين سيكون مغايراً، وللقارئ الكريم إدراك وجه الاختلاف المقصود. ما يفطر القلب هو الكيل بمكيالين، وعدم امتلاك الشجاعة على مواجهة الخطأ أياً كان مصدره. [email protected]