دعا علماء وشيوخ دين إلى «تدبر القرآن الكريم، وجمع الفكر على معاني آياته»، مؤكدين أن «تدبر كلام الله تعالى يطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرهما، فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده، وأقرب إلى نجاته من تدبر القرآن، وإطالة التأمل في معنى آياته، فهو يحض العبد على الخشوع في تطبيق شرع الله». وقالوا إن «تدبر القرآن وفهمه تعرف المؤمن الرب المدعو إليه، وطريق الوصول إليه، وما له من الكرامة إذا قدم عليه، وما يدعو إليه الشيطان، والطريق الموصلة إليه، وما للمستجيب لدعوته من الإهانة والعذاب بعد الوصول إليه». وأضافوا أن «قراءة كتاب الله بتمعن تضع في يد العبد مفاتيح كنوز السعادة والعلوم النافعة، وتثبت قواعد الإيمان في قلبه، وتحضره بين الأمم، وتريه أيام الله فيهم، وتبصره مواقع العبر، وتشهده عدل الله وفضله، وتعرفه ذاته، وأسماءه وصفاته وأفعاله، وما يحبه وما يبغضه، وصراطه الموصل إليه، وما لسالكيه بعد الوصول والقدوم عليه، وتعرفه النفس وصفاتها، ومفسدات الأعمال ومصححاتها، وطريق أهل الجنة وأهل النار وأعمالهم، وأحوالهم وسيماهم، ومراتب أهل السعادة وأهل الشقاوة، وأقسام الخلق واجتماعهم فيما يجتمعون فيه، وافتراقهم فيما يفترقون فيه».
وفي هذا الصدد، قال الشيخ صالح المغامسي إن «الناس لهم حظوظ من كلام الله ولو قدراً يسيراً، لكن المؤمل والمبتغى هو الذي نفقده، على الأقل في السواد الأعظم، وبالتالي فإن تدريس القرآن الكريم أمر عظيم ومطلوب، ولاشك في أن الكثير يجهل مفاتيح تدبر القرآن الكريم»، موضحاً أن «المرء إذا تمثل أمر القرآن ونهيه، أعانه ذلك على تدبر القرآن الكريم في المستقبل، حيث يعطى المرء القدرة على التمسك بالقرآن وفهم معانيه وآياته، ومن ثم فإن العمل بالقرآن، يفتح الباب في تدبر آياته، ويعين كثيراً على أن يخشع المؤمن ويخضع، إذا تليت عليه آيات الله، وبالتالي فإن التدبر يتوافق مع خشوع العبد في تطبيق أحكام الله». وشدد الشيخ المغامسي على «دور العلماء والأئمة والدعاة في شرح ما في القرآن الكريم للعامة من الناس حتى يتدبروا آياته ويعملوا بأوامره».
ولاشك في أن قراءة القرآن قربة وطاعة من أحب الطاعات إلى الله، لكن مما لا شك فيه أيضاً أن القراءة بغير فهم ولا تدبر ليست هي المقصودة، بل المقصود الأكبر أن يقوم القارئ بتحديق ناظر قلبه إلى معاني القرآن وجمع الفكر على تدبره وتعقله، وإجالة الخاطر في أسراره وحكمه، يقول الله تعالى: «وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشاً فنقبوا في البلاد هل من محيص إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيدٌ».
وفي هذا الصدد، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «الناس ثلاثةٌ: رجلٌ قلبه ميتٌ، فذلك الذي لا قلب له، فهذا ليست الآية ذكرى في حقه، والثاني، رجلٌ له قلب حي مستعد، لكنه غير مستمع للآيات المتلوة، التي يخبر بها الله عن الآيات المشهودة، إما لعدم ورودها، أو لوصولها إليه وقلبه مشغول عنها بغيرها، فهو غائب القلب ليس حاضرًا، فهذا أيضًا لا تحصل له الذكرى، مع استعداده ووجود قلبه. والثالث، رجلٌ حي القلب مستعد، تليت عليه الآيات، فأصغى بسمعه، وألقى السمع، وأحضر قلبه، ولم يشغله بغير فهم ما يسمعه، فهو شاهد القلب، ملقي السمع، فهذا القسم هو الذي ينتفع بالآيات المتلوة والمشهودة، فالأول، بمنزلة الأعمى الذي لا يبصر، والثاني، بمنزلة البصير الطامح ببصره إلى غير جهة المنظور إليه، فكلاهما لا يراه، والثالث، بمنزلة البصير الذي قد حدق إلى جهة المنظور، وأتبعه بصره، وقابله على توسط من البعد والقرب، فهذا هو الذي يراه».
ويعد الرسول الكريم قدوتنا في تدبر القرآن الكريم، فعن حذيفة رضي الله عنه قال: «صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلاً، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ». وبكى صلى الله عليه وسلم حين قرأ عليه عبدالله بن مسعود رضي الله عنه من سورة النساء قوله تعالى: «فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً».
وكان يدعو الأمة إلى التدبر وفهم معاني القرآن، فحين نزل قوله تعالى: «إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار». قال صلى الله عليه وسلم: «ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها».
وقد كان السلف الصالح يتدبرون القرآن، وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: «ركعتان في تفكر خيرٌ من قيام ليلة بلا قلب». وكان الفضيل ابن العياض رحمه الله يقول: «إنما نزل القرآن ليعمل به فاتخذ الناس قراءته عملاً. قيل: كيف العمل به؟ قال: ليحلوا حلاله، ويحرموا حرامه، ويأتمروا بأوامره، وينتهوا عن نواهيه، ويقفوا عند عجائبه».
من جهته، قال الشيخ ناصر بن سليمان العمر «إننا نحتاج أن نعيش مع القرآن علماً وعملاً وتدبراً، وقد حفلت آيات القرآن بذكر التدبر، مما يدل على أهميته وأثره، وقد دعانا الله لتدبر كتابه وتأمل معانيه وأسراره، يقول الله تعالى: «كتابٌ أنزلناه إليك مباركٌ ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب»، وقد نعى الله أولئك الذين لا يتدبرون القرآن ولا يستنبطون معانيه، وإن كانوا يقرؤونه، فقال: «أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها»، وقال أيضاً «ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً وإذا جاءهم أمرٌ من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً»».
وأضاف الشيخ العمر أن «الإمام ابن القيم رحمه الله عد عدم تدبر القرآن من أعظم أنواع الهجر، في قول الله تعالى: «وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً».
ورأى أن «التدبر يختلف عن التفسير، فالأخير للعلماء والمختصين، لكن التدبر لكل مسلم، وبالتالي على المسلم الوقوف على دلالات الآيات، والاستفادة من معانيها».