على مر السنين والعصور لم يخلُ أي من المجتمعات من الطب والعلاج والاهتمام بالصحة، فقد كان لكل مجتمع مظاهر وخصائص وأدوات مختلفة حددت طبيعة نوع العلاج المقدم للأمراض والعلل، واليوم نحن نعيش في مجتمع لا تتوقف فيه الأدوات عن التطور والخصائص عن النمو والتغير السريع وذلك اعتماداً على التقنية الحديثة بشتى أشكالها.

كما شهد مجال الصحة في مملكة البحرين بتوجيهات وحرص القيادة الرشيدة تطوراً ملحوظاً تشكر عليه الجهات المختصة وذلك على سبيل المثال لا الحصر بإدخال الخدمات الإلكترونية في شؤون الصحة كأخذ المواعيد الروتينية إلكترونياً وسير خطوات العمل بين الأقسام الطبية المختلفة كذلك إلكترونياً. إن التقدم الهائل الذي تحقق في مجال تقنية المعلومات والاتصالات يفرض نفسه على مختلف مجالات الحياة ليس في مستوى توفير الخدمات بل لمستوى أكبر يلعب دوراً أساسياً وحيوياً في صلب النشاط.

وقد اهتمت جهات عدة بالصحة الإلكترونية منها منظمة الصحة العالمية WHO حيث عرفتها بـ»استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من أجل الصحة» وكما وصفتها «بأنها وسيلة لضمان أن المعلومات الصحيحة تقدم للشخص المناسب في المكان والزمان المناسبين بشكل إلكتروني آمن، للوصول بجودة الرعاية الصحية وكفاءتها إلى مستوى مثالي من حيث التقديم والبحوث والتعليم والمعرفة».

وبالتالي يمكن القول إن في تعزيز الصحة الإلكترونية فوائد كبيرة وتطبيقات مهمة، فعلى سبيل المثال «السجل الطبي الإلكتروني الموحد» والذي لا يقصد منه مشاركة الإدارات الطبية لمستشفى صحي واحد لمعلومات المريض أو مشاركة المستشفيات والمراكز الحكومية لسجل المريض بل يقصد منه المشاركة الفعالة بين جميع المستشفيات والمراكز الطبية الحكومية والخاصة لسجل المريض الذي يحتوي على تاريخ شامل ومفصل لحالته الطبية والأدوية التي يتعاطاها وكذلك المشاكل التي يعاني منها مع المحافظة على الخصوصية الكاملة له، فبهذه الآلية المرنة والفعالة يعم النفع على جهات عدة، ففي حال زيارة المريض لأطباء مختلفين يكون بإمكان الطبيب معرفة التاريخ والسجل الصحي للمريض، الأمر الذي يسهل عليه تشخيصه وتقديم العلاج الأنسب موفراً بذلك عنصر الوقت ومقللاً من عنصر المجازفة وتعريض المريض للمخاطر غير المقصودة بالإضافة لتوفير الجهد على المريض، وهكذا يصبح السجل الطبي الإلكتروني الموحد بمثابة قاعدة بيانات للمريض نفسه يتشارك في تحديثها الأطباء الذين باشروا علاجه، ومن ثم تصبح قاعدة البيانات العامة للمرضى بمثابة بيانات مهمة تسهم في الدراسات والبحوث المتعلقة بالطب وسبل تطوير المجال وأساليب التشخيص والمسببات والعلاج ورصد الأمراض والتقدير المسبق للحالات المرضية ومتطلباتها.

ومن أمثلة الصحة الإلكترونية كذلك تمكين الصحة عن بعد، فهناك من الحالات التي لا تستدعي تواجد المريض والطبيب في نفس المكان أو عدم توفر الطبيب المناسب في نفس المنطقة الجغرافية للمريض، فبالتالي يمكن باستخدام الأجهزة الحديثة التواصل عن بعد بين الطرفين وتقديم الحل المناسب وفقاً للتشخيص ونوع المرض، وأيضاً متابعة حالة المريض باستمرار وعن بعد.

كذلك التعلم عن بعد للمهنيين الصحيين عبر عقد لقاءات إلكترونية للتدريب أو النقاش حول حالة معينة، وأيضاً تسهيل تشارك المعلومات المفيدة بين الأطباء والباحثين من مختلف دول العالم. كذلك وضع المعلومات الطبية الضرورية للمريض على البطاقة الذكية الخاصة به والتي قد تكون معرفتها مهمة في بعض الحالات الاضطرارية.

بالتالي نستطيع أن نعبر عن فوائد الصحة الإلكترونية بأنها تضمن الرعاية المناسبة لكل فرد من المجتمع بالوقت المناسب وبأماكن عدة لا تقتصر على المستشفى، كذلك فإنها تعزز المسؤولية الذاتية للمريض وتنمي عنده التعلم والوقاية، بالإضافة لتقليل تنقل المريض وملفه الطبي بين الجهات المختلفة، الأمر الذي يقلل من المخاطر والوقت المستهلك، وأيضاً فتح المجال لفرص أبحاث جديدة على شرائح عدة مختلفة الأحجام ومطابقة النتائج مع شرائح أخرى، وتعزيز قدرات اتخاذ القرار المناسب وفقاً للمعلومات المتوفرة والتي تكون نسبة دقتها أكبر كتوفير الاحتياجات الصحية اللازمة دون عجز أو فائض، الأمر الذي يسهم في الاستخدام الأمثل للميزانية.

إن الاستثمار في الصحة الإلكترونية يعد استثماراً ناجحاً فمن خلاله تتحسن جودة الرعاية للمريض، الأمر الذي يسهم في تعزيز قدرات المجتمع. إن بناء نظام صحي ذكي يعد أحد لبنات بناء المدينة الذكية التي تسعى العديد من الدول لتحقيقها لما في ذلك من تنمية مستدامة بكافة المجالات.

* رئيس جمعية الشباب والتكنولوجيا