^ تجنبنا الخوض المباشر فيما حصل بين وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة وبعض نواب البرلمان في الجلسة الأخيرة، لبيان نقطة مهمة جداً تتمثل بأن ما حصل لاعلاقة له بأولويات الوطن أولاً والمواطن البحريني ثانياً، خاصة في المرحلة الحالية. إذ ما حصل ليس سوى إثارة تأتي في الوقت الخاطئ تماماً. للأسف هناك من يفسرالأمور حسبما تستدعيه توجهاته الخاصة أو انتماءاته أو تبعيته لحزب أو جمعية أو تكتل، ومع الاحترام للجميع بلا استثناء، لكن التجرد من هذه الأمور أمرمهم إن كنا نتحدث عن وطن تستدعي مصلحته العامة أن يتحمل الجميع المسؤولية بصورتها العامة. من لم ينتقد الشيخة مي تم اعتباره مستهتراً بالدين، وأنه يحاول الدفاع عنها لأسباب عدة، بل اتهم في أخلاقياته ومبادئه بأنه يطرب للانحلال الأخلاقي والفجور “إن وجد”، في حين من انتقدها وطالب بإقالتها اعتبر بأنه يسير في الطريق الصحيح. .هذا هو التقسيم الذي حصل في الموضوع، ما أضاع موقع من يقول لكم بكلام بسيط وسهل الفهم بأن ما حصل لا يستدعي كل ذلك، وأنه يأتي ليحرق وقتاً مهماً في مجلس النواب هو من حق الناس ومن حق البلد في هذه المرحلة. إن كان البعض يريد النقاش بشأن ما حصل في الجلسة، فعليه أولاً أن ينظر للمسألة بنظرة موضوعية ويتجرد قبلها من عواطفه وانتماءاته. فالمسألة لم ترتبط بربيع الثقافة بقدر ما ارتبطت بتصرفات أشخاص وردود أفعالهم وأقوالهم. وهذه الجملة وحدها تصنع فارقاً كبيراً هنا لن يفهمه إلا من يحكم العقل والمنطق لا العواطف وأسلوب “الفزعة”. أولاً حينما نتحدث عن استخدام الألفاظ فإننا سنلوم كل طرف، رغم أن هناك اعتبارات في بيان وتحديد أين كان “الفعل” وأين كانت “ردة الفعل”. الصور التي تم عرضها كانت مرتبطة بفعاليات سابقة مرت عليها سنوات، وكنت سأقف موقفاً قوياً مع النواب وأقول بأننا نرفض أي عرض فيه إسفاف وإباحة لو كانت الصور مرتبطة بفعالية حصلت في مهرجان هذا العام. لكن عرض هذه الصور القديمة مسألة ستدفع الشيخة مي بالضرورة للدفاع عن جهودها في مهرجان هذا العام، في ظل وجود لجنة تحقيق شكلت سابقاً خلال سنوات مضت بشأن ربيع الثقافة المعني بالصور المعروضة، وحينها لم يصل المجلس الذي أقام القيامة عليها “ومن حقه ذلك” بل واجبه” يومها لأن الفعالية أخلت بالأعراف والتقاليد والأخلاق، يومها لم يقم المجلس بطرح الثقة في الوزيرة ولم يقم مثل هذه القيامة الحالية برفع طلب لجلالة الملك لإقالة الوزيرة. بالتالي حينما نأتي بصور قديمة لنتحدث عن فعالية حالية لم تتضمن مثل هذه الصور، أليست هذه مسألة تستدعي الرد وبقوة؟! ثانياً، إطلاق الأوصاف المتضمنة “استهزاء” بهذه الصورة مسألة تبرر للوزيرة كلامها رغم أنها لم تنفعل مثلما انفعل بعض النواب، وأحسب لها عدم انفعالها حينما تم الزج باسم جدها المغفور له، وهو زج شخصي لا علاقة له بأداء الوزيرة التي يتوجب أن يحاسبها النواب عليه لا أن يحاسبها على أصلها وفصلها وشخصيتها، وأن يفترض ماذا سيقول جدها “التقي” فيما تقوم به من عمل؟! كلمة “التقي” بحد ذاتها لها مضامينها، ولسنا بعاجزين عن فهم مضامين الكلمة هنا، مع أسفنا لاستخدامها بهذه الطريقة. سأضع أحد النواب في مكان الشيخة مي، وانظر لردة فعله حينما يتم الدلالة على تقصيره في عمله بنشر صور قديمة لها سنوات ماضية، وانظر لردة فعله لو تم التطرق لوالده أو جده باعتبار أن أخلاقه لا تماثل أخلاقهم، أو وصف ما يقوم به من جهود بـ«السخافة”، رغم أن هذا المهرجان محل إشادة دولية ومحل ترحيب من قيادة البلاد السياسية، بل سأنظر لردة فعله عندما يهيج عليه غالبية النواب ويصرخون عليه في مشهد غير حضاري تماماً ويتلفظون عليه بعبارات ويقولون له “اخرج بره” أو “في أمان الله” أو “ما قاصر انتي تعلمينه”. لو تعرض لكل ذلك هل سيسكت، وهل سيقابلها بالهدوء والصمت؟! والله أشك. إن كنا نريد الإمساك على ألفاظ وكلمات، فإن ما طال الشيخة مي بشأن عملها أكبر مما صدر عنها، رغم أننا لا نقول بأنها لم تخطئ، إذ كلمة “مرتزقة” لم توفق فيها أبداً، لكن تأويلها وتفسيرها على أنها عنت كل أهل المحرق وأنها عنت كل الشعب البحريني وأنها عنت كل من ينتقدها فإن في هذا التفسير مبالغة وتضخيماً هدفه واضح بغية التصعيد ورغبة في التقليل من عملها، وفرصة للإمساك بشيء يحقق الهدف وهو إلغاء هذا المهرجان. القضية كلها تكمن في الأسلوب، ولو كانت الكلمة الصادرة من وزيرة الثقافة في غير محلها، كان من باب أولى من برلمان يضم أناساً مهمتهم التشريع لهذا البلد، وفيهم من نحترم فكره وأخلاقه وخوفه من الله سبحانه وتعالى، كان من باب أولى الرد على الوزيرة بطريقة حضارية وبيان أنها لم توفق في توصيفها، وبيان بأنها لم توفق في تحميل المسؤولية لما حصل لأطراف لا علاقة لها. طريقة إنهاء الجلسة ورفعها باضطرار من رئيس المجلس خليفة الظهراني المعروف بحكمته وبلباقته، كانت طريقة من المؤسف أن نراها في برلماننا، والأسلوب الذي اتبع بغية “طرد” الوزيرة من المجلس أسلوب مخجل تماماً، وعليه فإن رد الوزيرة بآخر كلماتها رد له مبرراته، ورغم رفضنا لكل إساءة من أي طرف لكن ماذا كنتم تريدون منها أن تفعل، أن تسكت وتقبل الإهانة بالطرد علانية، أو الإشارة لجدها وبيان أنها على عكسه من “التقى”؟! الآن سيهيج البعض علينا وسيقول بأننا ندافع عن الوزيرة بدلاً من الدفاع عن نواب الشعب الذين تمت إهانتهم بحسب ما يرونه. فقط أذكر بأن كتاباتنا موثقة وموجودة، وأننا فيما سبق وجهنا انتقاداتنا لأداء الوزيرة وغيرها من الوزراء مع الاحترام لشخوصهم. أقلها كتاباتنا موجودة حينما انتقدنا المبالغ الضخمة التي ذهبت على حفل العيد الوطني قبل سنوات، وعلى الاستراتيجية الإعلامية حينما تولت مسؤولية وزارة الإعلام دون الإساءة لشخصها. في وقت لم يحرك النواب فيه ساكناً ولم يحدثوا فارقاً بشأن مثل هذه الأمور حينها. بالتالي اليوم من حقنا المناقشة بشأن النوايا، وهل ما حصل بالفعل هو خوف على عاداتنا وتقاليدنا، أم حرص على المصلحة الوطنية، أو فقط رغبة في إيقاف المهرجان؟! حتى لو كان الهدف إيقاف المهرجان، فإن آلية التخطيط للوصول إلى هذا الهدف تستدعي طرقاً أخرى غير ما حصل من إثارة الغبار وتحويل مجلس النواب لحلبة مصارعة، والوصول إلى طرد وزير علانية هكذا بأسلوب غير حضاري. أتذكر قبل سنوات حينما استاء النواب من عدم حضور الوزراء للجلسات حتى عندما توجه أسئلة لهم أو تتضمن الجلسة على إجابات صادرة منهم. تساءلنا يومها: كيف تريدون حضور الوزراء والنية مبيتة لاستهدافهم شخصياً والاستهزاء بهم بالألفاظ بدلاً من مناقشتهم في أدائهم وعملهم بحسب الأدوات الدستورية؟! الآن فقط نريد أن نفهم قصة لجنة التحقيق مع وزيرة الثقافة، هل التحقيق معني بربيع الثقافة وما يتضمنه من فعاليات أو إجراءات ومدفوعات ترون فيها أخطاء. أم التحقيق لأنها قالت ما قالت ورأى فيه بعض النواب انتقاصاً لرجولتهم؟! إن كان الاستجواب للسبب الثاني، فاسمحوا لي أن أتمنى بأن أغلب الوزراء يرتكبون نفس الخطأ –مع احترامي لكم- ليتم استجوابهم، خاصة الوزراء المفترض محاسبتهم بناء على تقارير الرقابة المالية التي “غبرت” على الرفوف وفي الأدراج. أنا كمواطن لم أستفد من هذه المعركة شيئاً، همومي مازالت موجودة، وقضاياي ذات الأولولية مازالت عالقة. أتمنى لو أن هذه المعارك وهذا الانفعال وهذه العصبية ودعوات الطرد ولجان التحقيق والمطالبات المرفوعة لعاهل البلاد بصفة عاجلة، أتمنى لو أنكم فعلتم كل ذلك لا لاستهداف وزيرة جهودها على الأقل تبين للعالم الخارجي أن البحرين تعافت وعادت لتمارس حياتها الطبيعية، أتمنى لو فعلتم كل ذلك للوقوف في وجه من مازال يمارس الإرهاب في البلد بدون رادع، لو فعلتم كل ذلك للتصدي لمن يقتل رجال الأمن، ولتغليظ العقوبات على من يهددون السلم الأهلي، ولتقوية إجراءات المحاسبة. أتمنى لو ثارت ثائرتكم بهذه الصورة وبعنف أكثر للوقوف في وجه من يشوه صورة القيادة ومن بات يحرق البلد يومياً. ستقولون صرحنا وقلنا في هذا الخصوص! لكننا نقول نريد “فزعة” وغضباً واستنفاراً وبركاناً يثور مثل ما حصل مع الشيخة مي، بل زلزالاً أقوى، وأفعالاً تتحقق على الأرض، إذ أليست البحرين أولى من كل شيء آخر؟!