^ أول ما يطوف بذهن القارئ عند اقتناء كتاب “أفضل الأعداء”، من تأليف الفلسطيني بسام أبو شريف، والإسرائيلي عوزي محنايمي، والصادر عن دار الساقي بلندن، هي تلك الرواية الثنائية التأليف “ جدار بين ظلمتين”، لكاتبيها المشتركين، بلقيس شرارة ورفعة الجادرجي، الصادرة، أيضاً، عن دار الساقي في 350 صفحة، حيث يروي فيها الزوجان العراقيان رفعة الجادرجي وبلقيس شرارة، تجربتهما الواقعية المريرة التي استغرقت مرحلة زمنية تربو على عشرين شهراً أمضاها الزوج رفعة في سجون صدام حسين، وأمضتها الزوجة شرارة سعياً وراء إطلاق سراحه، وتوفير بعض احتياجاته كسجين معتقل دون سبب يعرفه، أو ذنب اقترفه. وكان المنقذ من السماء هي قمة عدم الانحياز التي كانت سنتعقد في بغداد في العام 1982، عندما قرر صدام حسين أن يستعين بمهندسين معماريين أكفاء لتجميل مدينة بغداد، فاضطر إن يجلب المعماري العراقي محمد مكية، الذي كان قد ترك العراق منذ بداية السبعينات، من الخارج ،ويطلق سراح رفعت الجادرجي من أحد زنازين سجونه، وما أكثرها في حينها. تقول بلقيس في مقدمتها “هذا الكتاب سيرة ذاتية واقعية لمرحلة زمنية لا تتجاوز أكثر من عشرين شهراً وسرداً للأحداث التي عانى فيها كل منا – أنا ورفعة – من وطأة الاعتقال والحكم المؤبد الذي صدر بحقه ، وهو تسجيل لما عانيته من الحالة النفسية كزوجة معتقل وسجين في العراق، ووصف لما عاناه رفعة كمعتقل وسجين”. يكمل ذلك رفعة مدوناً في مقدمته، قائلاً “تعرضنا، نـحن وعائلتنا وأصدقاؤنا لمحنة دامت عشرين شهراً، كانت تجربة قاسية ومحنة لا يمكن للذاكرة أن تتغاضى عنها وتنكرها”. ما يميز كتاب “الجدار بين ظلمتين” عن “ أفضل الأعداء” أن مؤلفي الأول اتفقا على “أن يكتب كل منهما ما يتذكره بمفرده من غير أن يطلع عليه الطرف الآخر، وذلك بهدف استكمال النصوص واستهدفا تكوين خزين مرجعي صادق ومحلل للأحداث “، في حين اتفق شريف ومحنايمي، على أن يكتب كل منهما، وبشكل طوعي أيضاً، رؤيته المختلفة المسبقة لأحداث معينة، عاشها كليهما، لكن يفصل بينهما جدار من نوع آخر، هو الالتزام المسبق، بموقف محدد من حالة واحدة، ترسمها القضية الفلسطينية عند بسام، وتحدد معالمها الصهيونية عند منحايمي، فجاء كتابهما، كما يقول مدخل النسخة العربية “.. شهادة عدوين تعارفا وسجل كل منهما بصدق جزءاً من تاريخ، وعلى القارئ أن يحكم”. ومن ثم فالقصة التي يرويها كتاب “أفضل الأعداء”، كما يقول عنه بيتر ديفيد من مجلة الإيكونومست، “ ليست تسجيلا لنظريات في الدبلوماسية، أو لمآثر رجال سياسة، بل هي قصة يرويها عوزي وبسام بأمانة عن الحرب بين شعبيهما، وكيف تغلب متحاربان في النهاية على أحقادهما الشخصية، والتأما في الكفاح من أجل السلام. هذا الكفاح الذي لا يزال مستمراً”. تضيف إلى تلك الأهمية الأدبية، المواقع السياسية الرفيعة، ومن ثم المهنية، التي تبوأها المؤلفان، كل في معسكره، فأتاحت لكليهما الاطلاع على الحقائق، وربما التأثير على مؤسسات صنع قرارها. فمن جهة كان بسام أحد الإعلاميين الفلسطينيين البارزين، الذين كان “الموساد”، يرى فيه “الوجه المعلن للإرهاب”. ودفع أبو شريف ثمن ذلك غالياً، عندما أرسل له “الموساد” طرداً بريدياً “إحتوى على قنبلة شوّهته لكنها لم تقتله”، ثم أصبح في مرحلة لاحقة الناطق الرسمي باسم منظّمة التحرير الفلسطينية، الذي كان لصيقاً برئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسرعرفات كظلّه. أما الإسرائيلي عوزي محنايمي، الذي كان يتقن العربية أيضاً، فقد انتهى به الأمر صحفياً لامعاً في أحد أبرز الصحف الإسرائيلية، ومراسلاً لصحيفة “الصاندي تايمز” البريطانية، بعد أن كان يحتل مركزاً هاماً في استخبارات الجيش الإسرائيلي. الكتاب في جوهره، هو أحد طرق رحلة السلام للصراع العربي – الفلسطيني التي ساهم فيها المؤلفان، والتي بدأت خطواتها الأولى عندما طرأت تحولات بسام نحو الأخذ بالحلول السلمية للصراع العربي الإسرائيلي، إثر استعادته وعيه عقب انفجارالطرد الذي أرسله له الموساد، حيث يقول (ص 143 – 136 من الكتاب) “قلت لنفسي إن العنف ليس هو الحل، ولا يعني ذلك ان الإسرائليين قد اوقعوا الرعب في نفسي، ودفعوني إلى التخلي عن النضال؛ أبداً سأظل أناضل، من أجل قيام دولة فلسطينية، لكنني اليوم وقد عانيت من العنف بطريقة مباشرة فإنني أدرك أنه لا جدوى منه، وأضحت مشاعري نحو السلام .... أكثر حدة”. من جانبه يسرد محنايمي رحلة تحوله نحو السلام (ص 180)، قائلاً “.. وإذ واجهت العرب وتحدثت إليهم كبشر، أحسست بأن كراهيتي الراسخة لهم بدأت تذوي قليلا. كان ذلك الإحساس أول هزة لضمير من نوع مختلف في داخلي. كان شعوراً بأن الأمور يمكن أن تكون أفضل، لو أتبع طريق التغيير السياسي بدلاً من طريق الحرب”، ثم يضيف في موقع آخر من الكتاب ( ص 224)، بعد إحدى المجازر التي نفذها الجيش الإسرائيلي في السكان الفلسطينيين، أثناء اجتياحه لبيروت في العام 1982، قائلاًَ “وبدأت أطرح على نفسي بعض الأسئلة الجدية: ماهي بالضبط الفائدة من قتل هؤلاء المدنيين المنتشرة جثثهم حولنا؟ ... لماذا لم يبلغونا بالهدف الحقيقي لعمليتنا الحالية من البداية؟ ... لم أكن الشخص الوحيد الذي كان يطرح هذا النوع من الأسئلة. أما المشكلة الوحيدة في هذا الشأن فكانت تتمثل في عدم وجود أي إنسان ممن حولنا يجيب عليها”. ويضيف عوزي: “ ... وكل ما نعرفه هو كيفية كسب الحرب. ولربما سيكون السلام اصعب بكثير من الحرب على الجيل الجديد من الاسرائيليين... فالسلام يعطي الإسرائيليين خياراً واحداً ليس إلا، وهو ضرورة اندماجهم في المنطقة”. عندما يصل القارئ إلى آخر فقرتين كتبهما بسام في “أفضل الأعداء” ويقول فيهما “ وأما أولئك المتمسكون بالتطرف، فستذوي أهميتهم شيئاً فشيئاً. إن قطار السلام سائر في طرقه، وسكته ثابتة مدعمة، ودعاة العنف ليس لهم مكان فيه إلا القاطرة الأخيرة، مضيفاً، وفي النهاية، فإن هذا الارتباط غير الصحيح بين الجانبين ستنفصم عراه، وسيجد هؤلاء أنفسهم يتدحرجون بتؤدة نحو الخلف، وباتجاه دياجير الظلام. هذا اعتقادي، ومهما يكن من أمر، فأنا متفائل دائماً”، يكتشف - هذا القارئ - وعورة طرق رحلة السلام التي بدأها المؤلفان بعد لقائهما في لندن في العام 1988، وقرر أثناءها “الرفيقان اللدودان لخوض نضال جديد، أصعب، هو المعركة من أجل السلام، فمهّد تعاونهما لمصافحة عرفات – رابين الشهيرة في العام 1993”. لقد أثارت نسخة هذا لكتاب الإنجليزية، كما يقول غلاف نسخته العربية، “ضجّة كبيرة، وكان أحد أفضل الكتب مبيعاً في الولايات المتحدة. ترجم إلى لغات عدة ونُشر في 15 دولة، من أوروبا إلى الشرق الأقصى”.