^ نعرف الكثير من شباب الوطن اليوم من ترك مقاعد التعليم متجهاً للساحات السياسية، والبعض الآخر نذر نفسه لجمعيته السياسية وتياره الديني، وفي المحصلة شباب تائه فَقَدَ بوصلته. يؤلمنا وإن كان الألم محرماً علينا نحن العاديين من البشر، أن نجد غالبية شبابنا يتجه نحو الموت والعنف والجراحات والمصادمات، أو يتوجه نحو أتون معارك طائفية قذرة، لا تنتج سوى اصطفافات رخيصة تبعث على الاشمئزاز، وآلام ليس لها حدود. نأسف كل الأسف أن يترك الصغار مقاعد العلم والمعرفة ليتِّجهوا نحو الشارع والساحات، أحياناً بمفردهم، وأحياناً بتوجيهٍ من جهات سياسية من الطائفتين، ومرات أخرى بسبب إهمال الأسرة والمجتمع لهذه الشريحة المهمة من المجتمع، لكن في كل مرة نتحدث حول أهمية حماية الشباب، يثور علينا من يخرجهم من بيوتهم ومدارسهم!!. في الوقت الذي يشتغل شباب أوروبا في ميادين العلم والمعرفة، نرى شباب البحرين يشغلون أنفسهم بالسياسة وهواجسها، وكأن ليس هناك من العلوم والمعارف والآداب والثقافة، ما يستحق البحث والمراجعة والنقد. لابد أن يستيقظ شبابنا من سباته وغفلاته وسقطاته القاتلة، قبل فوات الأوان، فالضياع العلمي والانتحار السياسي، لا يصنع وطناً ولا يرجع حقاً، وإنما بسلاح العلم والتفرغ الكامل لبناء الذات والعقل، يمكن أن يعود الضائع من الوطن، وليس بالمضي نحو المجهول. على شبابنا أن يعي طبيعة المرحلة السياسية وظروفها، كما عليه أن يفهم جيداً مدى شراسة غرائز هذا السن المنفلت، فالسياسة المغرية بتوهجها الساطع والأخاذ لعقول الشباب واهتماماتهم، تعدّ من أكبر العوامل المساعدة في تفجير تلك الغرائز والطاقات السلبية في الطريق الخطأ. إذا كان شباب البحرين، غير مدرك لهذه الأمور الخطيرة والحساسة، فإنه يجب على منظمات المجتمع المدني أن تتدخل في إطلاق برامج متطورة لتوعية الشباب بدورهم ومهامهم الحقيقية في هذه المرحلة العمرية الحساسة، فلا المولوتوف ولا المظاهرات ولا الاعتصامات المؤيدة والمعارضة، ولا التصفيق لهذه الدولة أو تلك، ولا التسابق على الهرج والمرج في مواقع التواصل الاجتماعي، ولا، ولا، ولا كل شيء من ذلك يمكنه أن يصنع جيلاً مكافحاً ومناضلاً من أجل رفعة الوطن فضلاً عن رفعة الذات وسموها. هناك بعض الصغار، وعند المساء يبيعون قناني الماء عند الإشارات الضوئية، وبعضهم الآخر يقوم بغسيل السيارات وقت العصر، وحين سألتُ بعضهم، ماذا عن (الدراسة)؟، أخبروني أنها في مأمن، فهم يتعلمون وقت الصباح فيجتهدون، وعند المساء يعملون للادخار من أجل إكمال تعليمهم في المستقبل، وحين سألت بعضهم، ماذا عن السياسة؟ ألا تستهويكم طبولها وأضواءها؟ ضحكوا مني وقالوا، السياسة (ما تأكل عيش). نحن نحتاج إلى شباب يخرجون من رحم الحياة إلى ساحات العلم، في عملية تحدٍ للنفس وغرائزها، نحتاج لمثل أولئك الشباب الذين نزدريهم عند الإشارات الضوئية، لنتعلم منهم كيف يمكن أن نبني ذواتنا عبر مقاومة الإغراءات السياسية، وأن الحياة من منظور وعيهم الجميل ليست كلها سياسة. قليلاً من التفكير في مصائركم ومستقبلكم يا أحبتي الصغار، من شأنه أن يرتب وعْيكم، ويفتح لكم الآفاق مُشْرَعَة نحو غد أفضل، يخلو من السياسة والكثير من الألم.