رجل نهائي لشبونة الأول..أحد أبرز أبطال نهائي دوري أبطال أوروبا بكرة القدم والذي جلب حلم العاشرة لفريقه الملكي ريال مدريد الاسباني.
دي ماريا الذي كان قاب قوسين من الرحيل عن ريال مدريد في الانتقالات الصيفية، والذي تعرض لصافرات استهجان في سانتياغو برنابيو قبل أن ترفعه الجماهير على الأعناق كان لديه دافع للتألق أكبر من الشفف بدوري أبطال أوروبا.
فقد كان دي ماريا يريد أن يكون الأب الذي تفتخر به طفلته المريضة.
أنخل دي ماريا ابن مدينة روساريو الأرجنتينية، الجناح المهاري الفذ الذي ترعرع في بنفيكا، وصقل موهبته مورينيو في الريال، وحافظ عليه أنشيلوتي من الضياع بعد أن وضع قدما خارج النادي الملكي، كان يخفي مشاكل أسرية جمة تؤرق نومه، لكنه تغلب عليها وجعل منها وقودا للإبداع.
راقب دي ماريا احتفالات زملائه على عشب ملعب لالوش في لشبونة بعين تبكي حزنا والأخرى تبكي فرحا، فقد وجد أطفال اللاعبين يركضون ويستمتعون مع أبائهم بلحظة التتويج بالكأس الأوروبية الغالية، بينما يتذكر راقص التانغو أن طفلته كانت تواجه الموت.
فقد كشفت جورجيلينا كاردوزو زوجة دي ماريا عن السر الذي لم تعرفه جماهير الميرينغي ولا جماهير الكرة في العالم أجمع، وهو مرض طفلتهما الأولى "ميا" بعد الولادة مباشرة، وتحذير الأطباء من أن أيامها في الدنيا معدودة.
ولدت "ميا" يوم 22 أبريل العام 2013 ، قرب انتهاء الموسم الكروي قبل الماضي، بعد عملية قيصرية أعقبت سبعة أشهر فقط من الحمل، لكنها خرجت للنور في حالة خطيرة.
في أول شهرين ظلت "ميا" تحت المراقبة، كانت بين الحياة والموت، بينما عاش دي ماريا أياما عصيبة مع جورجيلينا، وكان مجبرا على السفر واللعب مع فريقه والابتسام في وجوه زملائه، لكنه خبأ حزنا عميقا بداخله ولم يبح لأحد عن مرض إبنته.
كان الضغط شديدا على دي ماريا في مستهل الموسم الجديد، الشائعات تلاحقه من كل حدب وصوب، وصول الويلزي غاريث بيل كلف فلورنتينو بيريز مبلغا خياليا كان يسعى لتعويضه بشتى الطرق، حتى لو فرط في أوزيل وهيغواين وكاليخون والبيول، وتوقعت الصحف رحيلا وشيكا للأرجنتيني النحيف.
عزز تلك الشائعات مشاهد لدي ماريا وهو يعترض على تغيير أنشيلوتي له في مباراة أوليمبيك شاطبة بالكأس، فلم يجلس على مقاعد البدلاء وتوجه مباشرة لغرف الملابس بعد أن جادل مدربه لفظيا.
لاحقا هاجم مشجعو الريال دي ماريا بسبب هبوط مستواه وأنانيته، فطالته بعض الشتائم وصافرات استهجان، فكان تصرفه "الايحائي" القبيح والخارج عن المألوف أثناء استبداله بغاريث بيل في البرنابيو خلال مباراة امام سلتا فيغو بالليغا.
قلق دي ماريا على طفلته كان مبررا لخروجه عن شعوره وتصرفه بانفعال، لكن الحكيم أنشيلوتي كان خير داعم للاعب، فطالما دافع عنه وتمسك به ورفض رحيله عن النادي رغم تلقيه عروضا مغرية.
في تلك الاثناء كانت الطفلة "ميا" تضرب مثلا لوالدها في الصمود والمقاومة من أجل البقاء، فمرت الأيام والشهور وحالة الطفلة بدأت في التحسن، فيما كان والدها يقدم أروع العروض في المستطيل الأخضر محليا وأوروبيا وبقميص منتخب بلاده.
من تلك المحنة استمد دي ماريا روحا قتالية هائلة، حتى حين تغير مركزه من الجناح للاعب الوسط وتقيّد نسبيا دون تأدية ألاعيبه الهجومية وتهديداته للمرمى، وأصبح الهتاف باسمه أمر معتاد لدى انصار الفريق الأبيض، فقد كان مستواه ثابت وفي تطور مستمر.
أكملت "ميا" من العمر عاما كاملا، وسمح لها الأطباء قبل بضعة أسابيع من نهائي لشبونة بالعودة الى منزل والدها، لتتصرف كأي طفلة تشع بالبهجة في دار الأسرة الصغيرة، ورفع ذلك أكثر من معنويات والدها، الذي طالما كان يحتفل بأهدافه بلعق إصبعه إهداءا لها، وقطع وعدا على نفسه بمنح الكأس ذات الأذنين لكريمته، وجعلها تفتخر به حين تكبر، وهو دون شك يفتخر بها لأنها مصدر الهامه.
في خضم فرحة الأب دي ماريا بالتتويج بالتشامبيونز ليغ وحصوله على جائزة أفضل لاعب من أليكس فيرغسون، كانت جورجينا قد كتبت إهداءا للطفلة "ميا" نشرته بمواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام لتفصح أخيرا عن السر الذي ظل طويلا طي الكتمان.
تقول جورجينا: "يوم ولادتك كانت الأعصاب متوترة، كان الخوف رهيبا من عدم وصولك الى الحياة، كانت احتمالات عدم وصولك كبيرة للغاية صغيرتي ميا..بعد دموع كثيرة استقبلناكي اخيرا..لكن الخوف لم يتبدد، بل ازداد..تعيّن علينا مراقبتك لشهرين في العناية المركزة.. كم كان من المرعب رؤيتك أنا ووالدك والأسلاك تغطي وجهك الجميل..كم كان محزنا العودة الى المنزل بدونك..الدموع كانت تملأ الوسادة واللسان عاجز عن الكلام..لكنك عدتي الينا في عيد ميلادك الأول..عدتي قوية ومقاتلة، لقد علمتينا ألا نستسلم وجعلتي حياتنا أجمل..سنحبك الى الأبد ..أنخل وجورجينا".