كتب ـ علي الشرقاوي:
الباحث البحريني بدر عبدالملك، في كتابه الجديد «نساء في خط المواجهة» يقلب الجغرافيا رأساً على عقب، يذهب لجذور التاريخ وأعمق أعماقه، ليضيء لنا جانباً حافلاً من حياة نسوة صنعن تاريخاً، وأسهمن في رقي المجتمع الإنساني.
لم ينظر عبد الملك في مؤلفه، إلى دين ومذهب وأيدلوجيات من اختارهن بين دفتي كتابه، بقدر ما قدمته هؤلاء النسوة في مجالات القيادة، مشكلاً موسوعة صغيرة لكل من يريد أن يتعرف على المرأة الإنسانة، المرأة التي عبر حياتها تتشكل الأجيال وتتكون وتستمر.
عن الكتاب
يقول عبدالملك في تمهيده للكتاب «يتبادر للذهن من أول لحظة أن العنوان سيكون مهتماً بنماذج نسوة مقاتلات بمقدمة جبهات الحرب، أو يتحدث عن مناضلات ثوريات يخضن حرب التحرير الشعبية وهن يرتدين ملابس الكاكي، ويخضعن للتعذيب والاعتقال سنوات طويلة في السجون، كجزء من نماذج نساء حزبيات في صفوف جبهة أو حزب عقائدي ما».
ويضيف «غير أن الكتاب يهتم بكل الشرائح والفئات النسوية وجبهات صراعهن المتنوعة المتعددة، فليس هناك خط تماس للمرأة لا يخضع للمواجهة اليومية أو الحياتية أو الاستراتيجية، حيث ملايين النساء في شتى بقاع العالم يخضن صراعاً ضروساً ضد العنف بكل أنواعه، كونه شكلاً من أشكال الاضطهاد والتمييز ضدهن، وهذه الجبهة النسوية لا تقل- ونحن لسنا هنا بصدد المقارنة - أهمية عن أية جبهة مواجهة».
ويشير إلى أن عمل الأم تيريزا كان ينصب ويدور في أقسى جبهة كونية هي الحرب والمواجهة ضد البؤس والفقر والمرض، محاولة بطريقتها التخفيف من المأساة الإنسانية، ولم تكن جبهة هيلاري كلينتون داخل بيتها بمواجهة فضيحة كبرى في البيت السياسي سهلة على أنثى مثلها كسيدة أولى، حيث لاحقت زوجها الرئيس فضائحه حتى أصغر ركن في البيت الأمريكي، حيث كانت حرب الذات والآخر شرسة في واقع إعلامي يدير ماكينة كبرى في العالم في فن حرب الشائعات.
ويرفض عبدالملك التقليل من نضالات شابة مثل بدرية خلفان وسهى بشارة كباحثات عن الحرية ضد الأجنبي المحتل، وعدهن دلالة ورمزاً لرغبة شابات في النضال لتحرير بلادهن من الاستعمار والاستيطان.
وقارب عبدالملك في مؤلفه نماذج من النساء كاللائي وقفن عند خطوط المواجهة المتنوعة، حيث قدمت زهرة كاظمي حياتها كصحافية تقاتل من أجل حرية الكلمة في إيران ضد الاستبداد الديني والأمية، تشاركها مريم رجوي وشيرين عبداي، جبهتها الواسعة من أجل حقوق الإنسان في إيران.
وتقف نساء في أفغانستان من أجل تقرير المصير، وتتعرض زعيمات للاغتيال مثل أنديرا غاندي وغيرها في معركة السياسة «القذرة»، ومن دون أن تتوقف امرأة مثل أونغ سان سوكي في مينامار عن كفاحها الصلب من أجل الديمقراطية والتحرر من استعباد الديكتاتورية العسكرية في بلادها على حد وصفه.
ويقول إن بنظير بوتو تسير على ذات الخط في المواجهة مع العسكر والفساد والتخلف من أجل باكستان ديمقراطية جديدة، بينما نجد نساء زعماء أصبحن أرامل يواصلن مسيرة المواجهة التحررية، ومن أجل مساواة عادلة للجميع لا تمييز فيها.
ولم تتراجع النساء ـ والكلام لعبدالملك ـ عن لعب أدوار مختلفة في جبهات مواجهة متنوعة كحقل الدبلوماسية، مؤكدات قدرتهن على خوض كل الجبهات الممكنة بكفاءة واقتدار.
وقدمت نساء رؤساء وفي مناصب عليا إمكاناتهن الفائقة في تقدم صفوف المواجهة السياسية والاجتماعية خارج السلطة وداخلها، لتصبح نموذج ميشيل باتشيليت في تشيلي نمطاً من النساء الجدد في أمريكا اللاتينية اللائي خضن حرباً بلا هوادة ضد بقايا الديكتاتورية العتيقة في القارة، وعملن على اجتثاث كل بقايا الأنظمة السوداء في بلدانهن، في سبيل تعزيز الديمقراطية والحريات والعدالة الاجتماعية.
نساء بدر عبدالملك
اختار بدر عبدالملك من الجغرافيا والتاريخ عشرات النساء، ملقياً شيئاً من الضوء على مساهمتهن الإنسانية والوطنية والاجتماعية، ومن بينهن الأم تيريزا.
يقول الباحث «كانت الأم تيريزا تواصل نهجاً من الأم المسيح المعذب والمحب، وكانت تقول (إنني قلم رصاص صغير في يد الرب، هو يصنع التفكير، وهو يصنع الكتابة) ومن منظورها كانت تحقق مشيئة الرب حين تنفد إرادته».
وأضاف أن «هذه التوجهات المسيحية فكراً ونهجاً لن نتناقش في أبعادها، لكن ما نحتاج إليه أمر أكبر، ومسألة غريبة وغامضة تتطلب طرح أسئلة محددة ماذا فعلت الأم تيريزا حيال الكارثة والظواهر البشرية أكثر من خدمة خيرية؟ لماذا اختارت الهند مركزاً لها؟ هل كان توقيت خروجها وتحديداً قراراً فردياً؟ أم أن الكنيسة كانت تقف وراء القرار؟ وإذا كانت الكنيسة الكاثوليكية مختلفة مع الأم بداية، فهل اختلفت معها حتى نهاية الطريق؟ أم أن الكنيسة استوعبت أهمية بقاء شمعة المسيحية مضاءة وسط القارة الآسيوية ومركزها الهند؟ ووضعها وسط خضم التيارات الدينية المتصارعة مثل البوذية والهندوسية والإسلام، هل نسلم أن الموضوع كان إنسانياً بحتاً دون دوافع دينية سياسية في الصراع العالمي بين المراكز الدينية بما فيها الوسط المسيحي؟».
يضيف الباحث «ولدت تيريزا الألبانية الأصل في بيت مسيحي لأب كان رجل أعمال، وكانت حياته مزدهرة في منطقة سكويجي عاصمة مقدونيا، وفي تلك الحقبة البلقانية المتوترة توفي عنها والدها وهي بعمر 7 سنوات، وذاقت اليتم مبكراً، وبعد انخراطها في مدارس الراهبات، قضت فترة إعداد للغة الإنجليزية في إحدى الأديرة في راث فرلنهام، قبل أن تبحر إلى الهند، وتمضي هناك 17 عاماً في التدريس بالمدرسة العليا للبنات البنغاليات في كلكتا».
شيرين عبادي وجائزة نوبل
يقول عبدالملك إن أعضاء حكومة الجمهورية الإسلامية في إيران احتاروا كيف يتعاملون مع خبر وحدث نيل مواطنتهم شيرين عبادي جائزة نوبل للسلام، خصوصاً أنهم يدركون أنها منحت لشخصية معارضة ونشطة في مجال حقوق الإنسان، وتحديداً في مجال حقوق النساء والأطفال، وكانت الخشية أن تتبلور شخصيتها وتنشط مستقبلاً في ميدان نشاطات المجتمع المدني.
ويضيف الباحث أن الرئيس محمد خاتمي وحال خروجه من البرلمان وجد نفسه محاصراً بالصحافيين وبأسئلتهم وبفضولهم المشاغب، إذ أمطروه بعدة أسئلة، من ضمنها أنهم طالبوه بتفسير الأسباب الدافعة لتأخير إعلان موقفه من منح عبادي الجائزة، على أساس أنها المدافعة عن حقوق الإنسان. وأرجع الباحث تأخر الرئيس الإيراني في إعلان موقفه من الجائزة، إلى محاولته إشعار العالم، أنها لا تشكل أهمية كبرى لإيران بشكل يدعو للهاث والفرح المفرط بها، ومنح نفسه فترة من الوقت لمراقبة التداعيات والانعكاسات والنتائج، كي يتصرف بحكمة وهدوء، حتى لا يبدو للعالم معادياً للجائزة.
وينقل عبدالملك عن شيرين عبادي وهي تكتب في زنزانتها «ينتابني الغضب وأنا أحاول الكتابة على الجدار الإسمنتي بمؤخرة ملعقتي، إننا ولدنا لنقاسي، لأننا نشأنا في العالم الثالث، يفرض علينا الزمان والمكان لنتحلى بالصبر، لأنه لا يوجد خيار آخر».
بنظير بوتو
شخصياً لم أتابع من قبل شيئاً عن حياة بنظير بوتو في شبابها أو مرحلة مراهقتها، غير أن الباحث أخذني معه للعودة بالزمن والتعرف على شيء من حياة رئيسة الوزراء الباكستانية الجميلة.
يقول الباحث «كانت بي نظير بوتو مثار أسئلة، وهي انحدرت من عائلة برجوازية وتاريخ إقطاعي بالتوارث من أيام جد والدها، كما كان عليها أن تواصل اللحاق المنشود، وأن تحفر بين جدران هارفارد صورتها وصوتها ورائحتها كبنفسج البنجاب الأشقر، وحين غادرت فتاة هارفارد المدينة تركت خلفها قصصاً وحكايات عن ابنة الدلال والغنج والشراسة والعناد، فبدأت قطة متوحشة وأليفة يعشقها طلاب هارفارد، فتاة هارفارد قيل فيها الشعر، وحيكت حولها القصص والأحلام».
ويضيف «غادرت تاركة خلفها أجمل الذكريات والأغنيات وقيثارة بأوتار، كان صوتها كوتر في الزمن الضائع، بين ثلوج هارفارد وضباب أكسفورد علقت البنية شالها الكمشيري في غرفة دافئة، وغادرت مثل جنية من ألف ليلة وليلة، عل من يعثر على جناحها يصطاد فراشة ضاعت بين الكهوف البنجابية».
ابنة الحظ مريم رجوي
انخرطت مريم رجوي المولودة عام 1953 في مدينة طهران في صفوة حركة مجاهدي خلق عام 1970، غير أنها كانت مهيأة وناضجة للانخراط بسبب 3 مكونات رئيسة بشخصيتها السياسية، المكون الأول بتأثير عائلي من شقيقتها الكبرى وشقيقها اللذين كانا مهتمين بالحياة السياسية داخل البلاد، والمكون الثاني الاطلاع وقراءة كتب استلهمت منها طريقتها وحياتها المستقبلية، والمكون الثالث تأثرها بالحركة التقدمية المعاصرة التي سادت مرحلتها، وتلاطمت تياراتها في الساحة السياسية الإيرانية، فشكلت بداية وعيها حينذاك.
ولم يكتمل حلم ابن الطبقة الوسطى التي تمنت أن تعمل مهندسة في المعادن، وفي تلك الكلية التقت قدرها السياسي وانضمت إلى مجاهدي خلق، وحينها لم تكن ـ حسب قولها ـ تدرك ما هو بالضبط السبب الرئيس في برنامجهم السياسي الذي جذبها للانخراط، بقدر ما أنهم كانوا يقاومون الشاه .
ويقول الباحث عبدالملك عن هذه المرأة المختلفة عن غيرها من نساء بلادها، إنه عندما اختيرت مريم رجوي رئيسة منتخبة من الإيرانيين في الخارج، وشكلت مؤسسة نيابية منتخبة وحكومة في المنفى، لم تكن تنتظر الرئيسة الاعتراف الدولي بحكومتها، حيث كانت تخطو من أجل وضع السلطات في الجمهورية الإيرانية في مرحلة جديدة من مقاومة المعارضة في شكل عملها الإعلامي والسياسي.
الملكة نور
الباحث عبدالملك لم يطرح لنا حكاية الملكة نور، كما عرفناها نحن الجيل الذي عاصرها، بل حولها إلى ما يشبه العمل السينمائي، وأعادها إلى أيام دراستها الجامعية في أمريكا.
يقول عنها «لم تكن تتخيل المهندسة المعمارية ليزا حلبي، أن مصافحة الملك في مناسبة عابرة ستغير نمط حياتها، وتنقلها من عالم محدود إلى محيط واسع من العلاقات، وإلى دنيا السياسة المرهقة، فبعد 3 أشهر من المصافحة عادت إلى الأردن كي تعمل في شركة والدها، لكن هل كان ذلك مرتباً أم فرضته الصدفة».
ليزا حلبي التي اعتنقت الإسلام وصار اسمها نور بعد زواجها من الملك حسين، سردت في سيرة حياتها «وثبة إيمان» أنها عاشت طفولة غير سعيدة بسبب الخلافات المستمرة بين والدها العربي الأصل وأمها الأمريكية السويدية، وبلغت تلك الخلافات أوجها وهي بسن المراهقة، ما دعاها إلى أن تطلب منهما أن ينفصلا بهدوء.
المغنية مريام ماكيبي
يواصل بدر عبدالملك التقاط النساء من كل جهة، وها هو يأخذنا معه إلى القارة السمراء، وبالذات إلى جنوب أفريقيا، أرض التمييز العنصري بامتياز، ويلتقط لنا إمبراطورة الأغنية الأفريقية.
يقول الباحث البحريني بدر عبد الملك «رحلت المغنية الأفريقية مريام ماكيبي عن عالمنا بعد أن هزت بأغانيها عالماً كان يعشق الأغنية السياسية ويمجدها، فمنذ منتصف الستينات وحتى أوائل الثمانينات كانت الأغنية السياسية ثرية ومؤثرة وفاعلة في الشارع السياسي المزدهر بالحريات، بل بالتعبير عن زمرة الديكتاتورية العسكرية اليونانية يوم ذاك، وبالتأكيد أن الدبابة لا يمكنها قتل الأغنية ومقاومتها أو منعها.
وهو ما أكدته الحشود وطلبة البوليتكنيك حينما كانوا يغنون في شوارع أثينا أغاني ميكيس ثيوداركيس القابع في منفاه في سجن من سجون الأرخبيل اليوناني.
جاءت ماكيبي في حقبة متوترة في جنوب أفريقيا، حيث كانت الجماهير تصرخ في الشوارع مطالبة بإطلاق سراح نلسون مانديلا، وبإلغاء حالة التمييز العنصري، وفي تلك الأيام السوداء انبعثت الأغنية الحساسة ليس في جنوب أفريقيا وحدها وحسب، بل وطارت إلى كل القارة، ومن هناك إلى أصقاع العالم، حاملة مريام ماكيبي مشاعل التحريض السياسي والتعبئة وتسليط الضوء حول قضية بلادها ، فهل كان بإمكان سلطات بيضاء عنصرية أن تفعل شيئاً إزاء أغنية تطير مع الأثير ويحملها الناس معهم في حقائبهم وملابسهم؟
لم تجد السلطات العنصرية إلا أن تسحب جنسيتها انتقاماً، وذلك كملاذ وسلوك فاشل لتلك السلطات، فعاشت المغنية في المنافي تتنقل بقوة مثل طير نحو الحرية التي عبرت عنها بالأغنيتين السياسية والتراثية، فما كان من العالم إلا أن أطلق عليها إمبراطورة الأغنية الأفريقية.
إصدارات بدر عبدالملك
- ثقافة التسلط 1993.
- ملامح من أدب أمريكا اللاتينية «الرواية نموذجاً» 1994.
- الظواهر الاجتماعية في القصة الإماراتية 1995.
- القصة القصيرة والصوت النسائي في دولة الإمارات 1995.
- المكان في القصة القصيرة في دولة الإمارات 1995.
- الإنسان والجدار 1995.
- «أصواتهم» مختارات من القصة القصيرة في دول مجلس التعاون، مشترك مع القاص الإماراتي ناصر الظاهري 1998.
- «أصواتهن» مختارات من القصة القصيرة في دول مجلس التعاون، مشترك مع القاص الإماراتي ناصر الظاهري 1998.
- قصص من الخليج مختارات مشترك مع القاص الإماراتي ناصر الظاهري 1999.
- بروتس مازال حياً، دراسة في الاغتيالات السياسية الكبرى 2000.
- أبو ظبي ذاكرة مدينة «سيرة ذاتية» 2001.
- الروليت الأمريكي 2002.
- ترويكا المهن النبيلة «سفر في ذاكرة الطفولة» 2010.
- استباحة دم الإنسان، دراسة في الدم والقتل والوحشية 2012.
- بابكو سيمفونية البحرين الكبرى 2013.
- نساء في خط المواجهة 2014.