تحقيق- عبير علي:
أبدى عدد من الشباب قلقهم من غلاء المهور المتزايد في الآونة الأخيرة لدى الفتيات، معربين عن بالغ أسفهم لتفشي النظرة المادية للزواج مما يجعل من ذلك مشكلة مادية قد تؤدي إلى مشاكل أخرى في غنى عنها، بينما أنكرت فتيات موضوع الغلاء حيث أظهرت نتائج الاستطلاع الذي أجريناه أن عدداً كبيراً من الفتيات بنسبة ?80 وضعن حداً لمهورهن يتراوح بين أقل من 3000 إلى 5000 دينار.
جذور المشكلة
وفي سؤال حول أسباب غلاء المهور، أبدى شباب العديد من الأسباب التي تضمنت النظرة المادية للزواج الشائعة بين الفتيات متناسين الهدف الرئيس للزواج وهو الاستقرار وتكوين العائلة، بينما أصبح مفهوم الإسراف أثناء الخطبة وبعد الزواج موضوعاً محتماً على الفتيات وذلك يتمثل في التكاليف المرهقة والتي توضع أغلبها على عاتق الزوج من حفلات عرس واستقبال وسفر ومبالغ طائلة تنفق إلى جانب المهر.
فيما تمثلت بقية الأسباب من وجهة نظرهم حول حب الظهور والتفاخر بين الفتيات نفسهن والتنافس على أعلى قيمة للمهر إلى جانب الابتعاد عن مبادئ القرآن والسنة في تيسير الزواج.
رد فعل معاكس
ومن خلال الاستطلاع الذي أجريناه أبدين الفتيات ردود فعل متفاوتة حول هذا الموضوع وكلها تتمحور في وضع 5000 دينار بحريني كأعلى قيمة لمهورهن إلى جانب تكاليف الزواج معتبرين ذلك من متطلبات الحياة التي أصبحت تستلزم الإنفاق أكثر في الأمور الحياتية، فالحياة الآن تختلف عما كانت عليه قبل 20 سنة كحد قولهن، بينما أوضحت نسبة ضئيلة تتمثل في 20% ممن أجبن على الاستطلاع بأن غلاء المعيشة قد وصل إلى المهور مما يفسر ارتفاع قيمتها.
أقل من 3000 دينار ?23
3000 – 5000 دينار ?57
6000 دينار فأكثر ?20
أين الغلاء؟
مع تأكيد الشباب بوجود غلاء في المهور وردة فعل الفتيات المعاكسة لهذا التأكيد فـي وضع 5000 دينار بحريني كأعلى قيمــة للمهــر، يبقــى التساؤل في انتظار الإجابــة، أين الغلاء؟
ترد على ذلك الأستاذ المساعد في قسم علم النفس بجامعة البحرين د.حنان الكواري أن التطبيق العملي في واقع الحياة قد يختلف عما يتم الإجابة عليه في الاستطلاع، وأن هذا الأمر يرتبط ارتباطاً مباشراً ببيئة الفتيات والمحيط الذي تتأثر به، مع العلم بأن تكاليف الزواج من حفلات وسفر ومبالغ طائلة تصرف ليست بتلك الضرورة التي تحتـم على نجـاح الزواج من عدمه، وأنـه مـن الواجب أن يكون هناك تفاهم بين الطرفين حول موضوع التكاليف والمهر نفسه، فالفتاة في أغلب الأحوال لن تبقي المهر كما هو بل ستصرفه على مستلزماتها، وأن هذا التفاهم هو ما يجب التركيز عليه في العلاقات الزوجية.
النظرة الدينية
إن الدين الإسلامي فتح أبواب الحلال على مصارعها ليسهل على الناس للوصول إليه، ولذلك دعا إلى تقليل المهور وعدم المبالغة فيه، حيث أوضح الأستاذ المساعد في قسم الدراسات الإسلامية بجامعة البحرين د.خالد السعد أنه يوجد العديد من النصوص التي دعت إلى تيسير النكاح منها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم «أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة»، وأنه لا مانع للمقتدر والغني في أن يدفع قيمة عالية للمهر حيث إن الدين لم يحدد حداً أدنى أو حداً أعلى للمهور، وأن ذلك يعتمد على مقدرة الفرد نفسه في إشارة إلى حادثة الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما أراد وضع حد للمهور فوقفت له امرأة وذكرته بقوله تعالى: ( ..... وآتيتم إِحداهن قنطاراً فلا تأْخذُوا منه شيئاً) فقال حينها أصابت امرأة وأخطأ عمر.
مشكلة أم ظاهرة؟!
أبدت الشابة سارة عبدالرحمن تقبلها وموافقتها لفكرة غلاء المهور معتبرة إياها نتيجة لغلاء المعيشة وهو ما يجعل المرأة تغالي في مهرها، مشيرة إلى أن الأمر يتعلق بمقدرة الزوج وإمكاناته المادية أيضاً، وتعتقد سارة بأن أفضل قيمة للمهر تتراوح ما بين أل 5000 و 6000 دينار، بينما عارضتها الشابة أسماء محمد في قولها بأن قيمة المهر وحده يجعل من الزواج حملاً ثقيلاً على كاهل الرجل، معتبرة بأن الفتيات يرسمن أحلامهن المتعلقة بالزواج في صورة حفلة عرس وسفر، وأنه من الصعب بالنسبة للفتاة التخلي عن هذه التكاليف.
وأوضحت أم علي وهي شابة متزوجة بأنها لا تعتقد أن غلاء المهور يعتبر مشكلة وإنما تعتبره لزاماً على الفتيات حيث تعتقد أم علي أن رخص المهور قد يؤدي إلى إحساس الرجل برخص المرأة أو الاستغناء عن غلاء المهور من خلال وضع مؤخر للزواج بقيمة كبيرة كي يتم التفكير جدياً بموضوع الزواج، إضافة إلى محاولة تقليل الطلاق بهذه الطريقة.
من جانب آخر قال الشاب أحمد علي إن غلاء المهور تعتبر مشكلة لأنها محاولة لجعل المرأة تبدو وكأنها في مزاد علني لأعلى سعر وهو أمر غير مقبول بينما وضع المهر في الأساس دينياً لتكريم المرأة وليس للمزايدة والمثامنة عليها، وقد اعتبر أحمد أن غلاء المهور في الحقيقة يقلل من قيمة المرأة ولا يرفع من شأنها، فالرجل ينظر إلى المرأة التي ترفع من قيمة مهرها بأنها امرأة مادية قد لا يتناسب العيش معها في المستقبل.
ووافقه الرأي كل من علي حسن وعبدالله جاسم حيث اتفقا على أن قيمة المهر لا يجب أن يتعدى في الأساس عن 3000 دينار بغض النظر عن تكاليف الزواج التي يجب أن يتفق عليها الزوجان ويتم التفاهم بينهما على مبدأ اليسر وليس العسر متفائلين في المستقبل بإمكانية الزواج دون عوائق المهور وتكاليف الزواج.
مشكلة تجرّ مشكلة
ما يجعل الفتيات يبالغن في قيمة مهورهن قد يؤدي ذلك إلى مشاكل أخرى تجر بعضها، وقد أجبن الفتيات من خلال الاستطلاع على ذلك حيث أوضحن بأن أول سبب لمغالاة المهور هو المستوى الاجتماعي لكلا الزوجين، حيث اعتبرن اختلاف المستويات المعيشية قد يؤدي إلى حدوث غلاء المهور بالنسبة لبعض الرجال في حين مقدرة البعض الآخر على توفير تلك القيمة من المهور، في حين اعتبر الرجال أن أول سبب لغلاء المهور هو نظرة الفتيات المادية للزواج مع حلول المستوى الاجتماعي في المرتبة الأخيرة لمسببات غلاء المهور.
وقد اعتبرن الفتيات أن العائلة متمثلة بالأب والأم لهم تأثير كبير ومباشر على قرار الفتاة المتعلق بالمهر حيث أوضحن أن بعض الآباء يمارسون تأثيرهم الأبوي على الفتاة لإقناعها برفع قيمة مهرها أو إرغامها على فعل ذلك وقد يعود ذلك إلى أسباب أخرى تتعلق بالوالدين.
ومن هذا المنطلق اعتبر الشاب أيوب علي بأن موضوع المستوى الاجتماعي قد يرتبط بطريقة ما بمدى اقتناع الأهل بتزويج ابنتهم، حيث يعتقد أيوب بأنه لن يستطيع تزويج ابنته في المستقبل بمن لن يستطيع أن يعيّش ابنته بنفس المستوى الذي عاشته مع أهلها، مما يجعل من موضوع تأثير الوالدين له بالغ الأهمية في التأثير على قرارات الفتاة المقبلة على الزواج.
وأوضح أيوب بأن أفضل سن للزواج بالنسبة له هو سن السابع والعشرين فأكثر، بعد أن يوفر الشاب الإمكانات المادية والمعنوية اللازمة لتأسيس العائلة، مع تأييده بأن هذا السن يعتبر سناً متأخراً للزواج حيث أصبح الشباب يفضلون تأخير الزواج وهي مشكلة أخرى ناتجة عن غلاء المهور.
آخر العقدة.. حل
وضعت دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة حداً للمهور لمواطني الدولة لا يتجاوز عن 50 ألف درهم كمقدم ومؤخر، كمحاولة للتخفيف من غلاء المهور فهل وضع حدود للمهور هي الطريقة الصحيحة؟
وتعتقد د.حنان الكواري أن وضع حد لغلاء المهور وتقنينها يعتبر أمراً جيداً خصوصاً عند عقد المقارنة بين مدخولات الفرد ومستواه المعيشي مع إمكانية الدفع أكثر لمن كان مدخوله أعلى ومستواه المعيشي أفضل.
وأضافت الكواري أن محاولة وضع حد لغلاء المهور ليست نقطة سلبية وإنما خطوة نحو الحد من إمكانية حصول معاناة مادية لاحقة بين الأسرة الجديدة تتضمن محاولة تسديد الديون والقروض المترتبة على الزوج بسبب غلاء المهور، في إشارة إلى أن المهر ليس سوى ضرورة مكملة لعقد الزواج وأن الحياة الزوجية وتكوين الأسرة هي ما يستحق الإنفاق عليها.
وأوضحت الكواري أن المشكلة بشكل عام تكمن في وجود حب المصلحة بين الأفراد وغلبته على حب الاستقرار والحب العاطفي، فمتى كان الحب المنشئ هو حب تكوين أسرة واستقرار ستختفي كل المعوقات والتكاليف الباهظة لأي زواج، باعتبار أن الماديات ستزول وستبقى الأشياء المعنوية والحسية.
ونوهت الكواري بأن تسعـير المهر لابـد أن يكون في آخر المطاف بعد دراسة أهم العوامل التي من خلالها ممكن تقبل الفتاة بهذا الزواج، وهي شخصية الرجل المتقدم لها إضافة إلى خلفية أسرته باعتبار أن هذا الزواج لا يعني ارتباط وتكوين أسرة جديدة فحسب ولكنه ارتباط بين عائلتين وتكوين أسرة أكبر.
بينما أشار د.خالد السعد بأنه لا بد من إشاعة ثقافة الزواج من خلال ترغيب المجتمع في تقليل المهور أو تقليل تكاليف الزواج بشكل أخص، حيث قد يعتبر بعض الشباب أن مشكلة المهور سهلة بينما تكمن المشكلة الكبرى في نفقات تكاليف الزواج الطائلة التي لا داعي لها.
واتفق كلا الأستاذين على ضرورة إيجاد برامج توعوية للفتيات في الجامعات والمدارس الخاصة تتبناها الجهات الحكومية المختصة وتوجيه برامج أخرى للأسرة باعتبارها التأثير الأول على الفتاة، وضرورة دمج هذه البرامج التوعوية بالإعلام متمثلة بالتلفزيون والصحف والإذاعة في محاولة الوصول لأكبر شريحة من الجماهير.