حذيفة إبراهيم:

لم يسلم اليمن السعيد من ازدواجية معايير المنظمات الحقوقية أو حتى تلك العاملة في مجال الإغاثة والتابعة للأمم المتحدة، كحال عدة دول عربية تعرضت إلى الويلات بسبب أتباع إيران، والتي كما يبدو تسيطر على أجندات قرار تلك المنظمات.

المساعدات الإنسانية من تلك منظمات إنسانية عدة، لم تصل إلى مناطق محررة أو آمنة، أو حتى محاصرة في اليمن، حتى تلك التي تقع بالقرب من الموانئ والمطارات المفتوحة، والتي يمكن الهبوط بها بكل سهولة، فيما تتواصل الجهود من قبل المنظمات الخليجية وعلى رأسها مركز الملك سلمان الإغاثي.

وبعيداً عن عملها في الإغاثة أو إقرار الأوضاع على الأرض كما هي، بدأت تلك المنظمات كمنظمة "هيومن رايتس ووتش" وغيرها من مجموعة "المنظمات المسيرة" بالهجوم على الحكومة اليمنية الشرعية والتحالف الدولي لإعادة الشرعية في اليمن، فيما تبتعد بشكل كامل عن ذكر انتهاكات الحوثيين الجسيمة، والتي عطلت عملهم على الأرض، بل ووصل الأمر إلى المنظمات الأممية واليونيسيف، والتي سارت في الركب ذاته.

المجتمعات المتضررة من الانقلاب "الحوثي - العفاشي" تزداد معاناتها جراء تعرض تلك المنظمات الإنسانية إلى اعتداءات مختلفة من ميليشيات الحوثي وتلك التابعة للمخلوع علي عبدالله صالح.

ورغم كل ما تتعرض إليه تلك المنظمات من ضغوط وتدخل وهجمات مسلحة في صنعاء، ودعوة الحكومة اليمنية الشرعية لتلك المنظمات لنقل مكاتبها إلى عدن، مع ضمان توفير الأمن والاستقلالية، تأبى تلك المنظمات إلا العمل وسط الانقلابيين، وعدم التنسيق بأي شكل من الأشكال مع الحكومة الشرعية.

الأحداث على الأرض، تؤكد أن تلك المنظمات لا تسعى لإغاثة اليمنيين، وإنما لها أهداف وأجندات أخرى، فرغم ما تعرض له من اعتداءات من قبل الحوثيين، إلا أنها مازلت تعمل في مدنهم، وتأتمر بأوامر حكومتهم غير الشرعية.

الدلائل على من يعيق المنظمات الدولية كثيرة، ليس آخرها أو أولها ما حدث في ديسمبر الماضي، من اقتحام مسلحين حوثيين لنشاط حول "الأمن الغذائي" لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية "الفاو" وهددوا الموظفين واختطفوا 3 من المسؤولين الآخرين، إلا أن ذلك و"بقدرة قادر" لم يذكر في التقارير الأممية.

وبعدها بأيام، اعتدت مجموعة مسلحة على فرق ميدانية تابعة لمنظمة "رعاية الأطفال" البريطانية، أثناء نشاط كان يهدف إلى مساعدة الأطفال في ظل الضغوط النفسية التي يعانون منها بسبب الحرب، واتّهمت المجموعة التابعة للحوثيين تلك الفرق بالعمل على تضليل الأطفال ضد من سموهم "المجاهدين"، وإفسادهم من خلال تعليمهم الرسم وغيرها من النشاطات.

تزامنت الحادثة مع تعليق منظمة "أوكسفام" البريطانية توزيع المساعدات الغذائية على النازحين في مديرية التعزية في ضواحي مدينة تعز "وسط"، والذي جاء بسبب إصرار مسلحين تابعين للحوثي في المنطقة المستهدفة على الحصول على ربع كميّات المساعدات المقدمة للنازحين.

وفي أكتوبر 2016، ألغت المنظمة نشاطاً مشابهاً كان يهدف إلى دعم أكثر من 35 ألف نازح في أكثر المناطق تضرراً في محافظة حجة "شمال غرب"، وللسبب نفسه.

وأعلنت المنظمة أن 64 شاحنة تحمل مساعدات إغاثية تم إيقافها من قبل مسلحين تابعين للحوثيين ولم يسمح لها بدخول "تعز".

واحتجزت ميليشات الحوثي في أبريل الماضي أكثر من 200 شاحنة تحمل مواد إغاثية قادمة من ميناء الحديدة غربي البلاد، ومنعت إيصالها للمدنيين في تعز، بل وقامت ببيعها في السوق السوداء، لتثخن جراح اليمنيين بعد أن قتلوهم وهجروهم، وحولوا اليمن السعيد إلى ساحة حرب.

من جانبها، تتغاضى المنظمات الحقوقية عن مثل تلك المواضيع، ولا تذكرها في تقاريرها الدورية، أو تلك المقدمة إلى مجلس حقوق الإنسان أو الأمم المتحدة، بل وتتجاهل الحكومة الشرعية أيضاً، حيث ترفض الانتقال للعاصمة المؤقتة عدن، كما ترفض التعاون مع المؤسسات في الحكومة الشرعية، مقابل تعاونها مع الحكومة "غير الشرعية" مثل وزارة التعليم التابعة للحوثيين، أو حتى "وزارة التخطيط" التابعة لهم.

وتعدى الأمر ليصل إلى تعاون تلك المنظمات مع مقاولين تابعين لمليشيات الحوثي، دون أن ترسل أي مراقبين أممين للتأكد من وصولهم، وهو أمر يخالف ما تدعيه تلك المنظمات من وصول المساعدات إلى مستحقيها.

المنظمات الدولية لم تصل إلى المناطق المحررة أو تلك التي تحت حكم الشرعية في اليمن، وتصر على الذهاب إلى مناطق تابعة للحوثيين، وهو ما ذكرته جميع المنظمات اليمنية الحقوقية، بالإضافة إلى الشعب اليمني في تلك المناطق.

اليمنيون، ومن استطاع منهم الوصول إلى مواقع التواصل الاجتماعي، أو القنوات الإعلامية التي تدعم الشرعية في اليمن، صرحوا مراراً بإن توزيع المساعدات يتم وفق مزاجية "إن وصلت" فهي تشتري ولاء بعض السكان ممن انهكهم الإنقلاب والحرب الدائرة هناك من خلال منحهم المساعدات، في حين رفض الإنقلاب يعني الحرمان من المساعدات، وهو أسلوب عقابي يمارس تحت أعين المنظمات دون أي "شكاوى منها" عن ذلك الأمر.

ازدواجية المعايير والتحيز لطرف معين دون آخر في تلك المنظمات، لم يقتصر على المساعدات فقط، بل ووصل إلى عدم ذكر جرائم الحوثيين في تقاريرها، مما يزيد الشكوك حول طبيعة عملها، وما هي الأجندات التي تحملها في هذا البلد المنهك بعد الإنقلاب على الشرعية.

تقارير الأمم المتحدة سواء في مجلس حقوق الإنسان أو مجلس الأمن، وحتى التي صدرت من الأمانة العامة، م تتطرق إلى ما أظهرته وسائل الإعلام، ويعرفه اليمنيون جيداً على أرض الواقع، من مخاطر تجنيد الأطفال من قبل الحوثيين، وانتهاك براءتهم.

وذكرت التقارير التي لم تصدر عن الأمم المتحدة، بل من منظمات أكثر حيادية منها، أن أكثر من 1000 طفل على الأقل تم تجنيدهم إلى جانب ميليشيات الحوثيين، قسرياً، وهو ما يخالف كل المعايير الحقوقية التي تتشدق بها تلك المنظمات.

وفي الانتقال إلى انتهاك آخر لم تذكره تقارير الأمم المتحدة، فإن الحوثيين يحتمون داخل المستشفيات وبين المدنيين، جاعلين منهم دروع بشرية.

وقدمت قوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن مراراً، أدلة حول تمركز الحوثيين في المستشفيات والمدارس والأماكن السكنية وبين المدنيين، كما ذكرت إلغاءها العديد من العمليات بسبب وجودها في مناطق سكنية أو مدنية، وهو الأمر الذي تغاضت عنه التقارير الدولية.

وفي بداية أكتوبر الحالي، أقدمت ميليشات الحوثي على تفجير منزل الشيخ صالح فرحان في مديرية نهم التابعة لمحافظة صنعاء، بعد ساعات من تفجير مستوصف صحي في المنطقة ذاتها، كونها من المناطق التي ترفض الانقلاب.

واستمراراً لمسلسل الانتهاكات الحوثية التي لم تأت على ذكرها المنظمات الحقوقية التابعة للأمم المتحدة، رصدت نقابة الصحافيين اليمنيين انتهاكات لأكثر من 130 إعلامياً في أقل من عام من قبل ميليشيات الحوثيين، تراوحت ما بين الاغتيال والخطف والتهديد والتعذيب والتنكيل، لتصبح اليمن في ذيل قائمة الدول الآمنة بالنسبة للعمل الإعلامي.

الأزمة في اليمن أسقطت ورقة التوت عن منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الإغاثية التابعة لها، وأصبحت منظمات أقل جهداً وإمكانيات مثل أطباء بلا حدود والصليب الأحمر وغيرها، أكثر صراحة ووضوح، وأكثر حيادية وشفافية ومهنية، كما أن مساعداتها على الرغم من قلتها مقارنة بالإغاثات التي تدعي المنظمات الأممية إرسالها إلى اليمن، كانت أكثر ظهوراً في الشارع اليمني، ودلت التقارير والصور وحتى الشعب نفسه، على وصول تلك المساعدات إليهم.

أصغر المراقبين للشأن اليمني، يستطيعون الوصول إلى المعلومات المحايدة من قبل الشارع، وما تنقله وسائل الإعلام وتقارير المنظمات الحقوقية غير المسيسة، إلا أن الأمم المتحدة ومنظماتها، والتي تعمل في شارع الانقلابيين، لم تجرؤ على نقل تلك الحقائق، في تسييس بدا واضحاً للعيان، ومشككاً بمصداقية تلك المنظمات، وبأجندتها، التي يفترض أن تصبح معيناً لليمنيين، فزادت من معاناتهم.