كان لقب «أقوى رجل في العالم»، ملازماً للرؤساء الأمريكيين، فأي رئيس أمريكي يصبح أوتوماتيكياً في نظر الإعلام الرجل الأقوى لأنه القائد الأعلى لأفضل الجيوش تسليحاً، ولأنه من خلال موقعه وصلاحياته يستطيع أن يؤثر في أكبر اقتصاد في العالم. كان هذا الحال حتى نشرت مؤخراً مجلة «الإيكونومست»، على غلافها عنواناً عريضاً يعطي لقب «أقوى رجل في العالم»، للرئيس الصيني الحالي شي جين بينغ.

وتبين المجلة أن الرئيس الصيني يظهر نفسه للعالم بأنه رمز للسلام والصداقة وصوت الحكمة في عالم مشوش ومليء بالمشاكل خاصة بعد أن وعد العالم خلال مؤتمر «دافوس» الماضي بالسير في طريق العولمة وتطبيق مبادئ التجارة الحرة والتمسك باتفاقيات التغيير المناخي. ووعوده هذه تأتي مختلفة عن توجهات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي لوح بانسحاب أمريكا من اتفاقية باريس للتغيير المناخي على سبيل المثال والتي تفرض على كل دولة وضع أهداف وتنفيذها للحد من إسهاماتها من غازات ضارة تؤدي إلى ارتفاع درجات حرارة الأرض.

طبعاً، «الإيكونومست» والتي تمتلك نصفها كل من عائلة «روثس شايلد – الفرع الإنجليزي» الثرية، وعائلة «أجنيلي»، أغني العائلات الإيطالية، والتي تمتلك أيضاً شركة تصنيع السيارات المعروفة «فيات»، تميل نحو التحرر الاقتصادي وتدعم توجهات العولمة والتجارة الحرة والتي تخدم مصالح ملاكها، وليس ذلك فحسب بل تتعاطف مع قضايا مثل الهجرة والمثليين والإجهاض، وهي قضايا لا يتبناها الرئيس الأمريكي، لذلك تتحامل المجلة على ترامب وتظهر الصين على أنها القوة القادمة في العالم ورئيسها هو الرجل الأقوى عالمياً بعد أن كان هذا اللقب حكراً على الرؤساء الأمريكيين، ولا يأتي ذلك حباً في الصينيين والرئيس الصيني بل نكاية في ترامب.

والواضح أن ترامب، يواجه حملة إعلامية شرسة لم يواجهها أي رئيس أمريكي في الوقت القريب. شبكة «سي إن إن» الإخبارية الأمريكية تنتقده وتسخر من أفكاره وكانت ضده علانية خلال السباق الرئاسي السابق وكذلك صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، تقوم بدور مشابه، بالإضافة إلى العشرات من وسائل الإعلام التقليدية هناك. وكل وسائل الإعلام هذه تمثل فئات لها مصالحها ونفوذها وترى في ترامب ووصوله إلى كرسي الرئاسة تهديداً لاستمراريتها. فهذا الرئيس المحافظ رغم فوزه الساحق في انتخابات العام الماضي لا يعجب وسائل الإعلام الأمريكية الليبرالية.

ومما حفز الكثير من وسائل الإعلام في التحرش المستمر بترامب هو أسلوبه المغاير في التعامل معها. فالرؤساء السابقون كانوا يحذرون من الإعلاميين ويحاولون كسب ودهم، أما ترامب، فلا يتردد في اتهام أي صحيفة أو شبكة تلفزيونية بالكذب والتضليل إذا اكتشف أنها تبالغ في طرحها أو تتعمد انتقاده دون أدلة كافية.

ولا أنكر أنني معجب بترامب في جانب تحديه للوضع السائد وأعتبره شجاعاً، فهو يتصدى لأبرز المحطات التلفزيونية والجرائد دون خوف أو تراجع من خلال حساباته على «تويتر» و«إنستغرام» والتي يتابعها الملايين، وهم أكثر بمراحل من عدد جمهور «سي إن إن»، أو قراء «نيويورك تايمز»، على سبيل المثال. وهو في طريقه نحو تقويض قوة وسائل الإعلام والحد منها بعدما سيطرت على الرأي العام الأمريكي لعقود طويلة وسيرته نحو مفاهيمها ومصالحها.

جانب كبير من القوة مما لا شك فيه هو استخدام السيطرة الأمنية المحكمة في تسيير أمور الدولة وهذا ما يحصل في حالة الرئيس الصيني. ولكن في اعتقادي أن القوة الأكبر والأكثر جرأة، هو أن يقوم رجل لوحده في بلد لا تنفع فيه السيطرة الأمنية بمقاومة كبيرة لمؤسسات ضخمة وراءها أناس ممن يملكون المال الوفير والنفوذ الكبير لذلك، وعلى الرغم من رأي «الإيكونومست» وغيرها أرى أن ترامب هو «أقوى رجل في العالم».