فاطمة عبدالله خليل

دعا وزير الإعلام الكويتي الأسبق سامي النصف الدول الخليجية إلى التنبه لمسألة أن مجلس التعاون الخليجي كمنظمة إقليمية ناجحة مستهدف، مشدداً على أهمية التعاضد والعض عليه بالنواجذ.

وأشار في حوار لـ"الوطن" إلى أن اختلاف العرب هو ما قاد إلى تأزيم القضية الفلسطينية وتضييع فرص حلها لسبعين عاماً مضت. ودعا إلى الاستفادة من تجربة الاتحاد الأوروبي في تدرج الاتحادات من العسكري إلى الاقتصادي مع حفظ الوحدة السياسية كما هي عليه احتراماً للتباينات بين الأنظمة.



وذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية ابتكرت نظامها الاتحادي الفيدرالي على أيدي الشباب، وكذلك فعلت الإمارات العربية المتحدة لتتفرد بنموذجها الوحدوي الخاص، والخليج العربي كذلك ليس مجبراً لأن يعمل وفق النماذج المطروحة سابقاً والوقوع في حيرة الاختيار بين الفيدرالية والكونفدرالية، بل يتعين على دول المجلس ابتكار نموذجها الخاص الذي يفي باحتياجاتها الاتحادية ويحفظ لها خصوصية تجربتها ويضمن تحقيق نجاحها. كما دعا لأن تأخذ الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي على عاتقها رسم الاستراتيجيات للوزارات الإعلامية الخليجية وبقية الوزارات بالتنسيق المشترك منعاً للتناقض والتعارض ولنحقق وحدة خليجية متماسكة أمام العالم.

وأكد نجاح التجربة الخليجية الإعلامية وأنها الأفضل على المستوى العربي، بل إنها من التجارب التي يعتد بها عالمياً ويعود إليها السياسيين والمحللين الدوليين، مشدداً على أهمية الحفاظ على استمرار نجاح التجربة والحرص الدائم على تطويره وتصحيح ما قد يعتريها من أخطاء في أجواء من المكاشفة البناءة، مرجعاً الأمر لأهمية الإعلام في زمن باتت تحسم فيه الحروب إعلامياً. وكما شدد على أهمية تطوير المهنية والاحترافية في الإعلام الخليجي عبر التدريب والتأهيل الذي أرجع مسؤوليتهما إلى الدولة وليس إلى المؤسسات الإعلامية الخاصة، من منطلق ان الإعلام بجناحيه العام والخاص إنما يصب في مصلحة الدول أولاً وآخراً ومن أجل ضمان تحقيق تلك المصلحة على الدول أن تتحمل تلك المسؤولية.

وأشاد النصف بدور "معهد البحرين للتنمية السياسية" في تطوير العمل السياسي البحريني، وتناول كذلك الحديث عن التعددية والخطوط الحمراء في الإعلام وأهمية التوعية بشأن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي والحراك السياسي الكويتي إلى جانب الحديث عن التراجع الكويتي في مجال الثقافة عموماً، وإليكم نص اللقاء كاملاً.

= كأحد النخب الثقافية كيف ترى مستقبل التعاون الخليجي تحت مظلة هيكل مجلس التعاون؟ وهل نحن بحاجة لهيكل جديد؟

- لا أتصور أننا بحاجة لمظلة جديدة، نحن نحتاج لتفهم خليجي أفضل قائم على العمل المشترك، قائم على حقيقة أننا دول مستهدفة، ست دول خليجية دون استثناء مستهدفة، ومن نجح باسقاط دول الحاضرة العربية، سيحاول إسقاط الدول الخليجية، فدول مجلس التعاون لربما هي الحائط الأخير للعروبة ولمستقبل المنطقة العربية. وبالتالي إذا تفهمنا أن مجلس التعاون بأي شكل من الأشكال هو ضرورة لنا لا غنى لنا عنها، وتجربة الكويت كانت واضحة بأن تكاتفنا استطاع أن يحل المشكلة في ستة أشهر، بينما الأخوة العرب عندما نشأت قضية فلسطين في 1948، جعل اختلافهم القضية الفلسطينية قائمة حتى اليوم رغم مرور 70 عاماً عليها إذا فهمنا هذه الحقيقية وعضدنا على المجلس بالنواجد أعتقد أن الأمور الأخرى. وأتصور أننا نحتاج إلى التعلم من دروس الوحدة العربية التي بالخطأ الشديد قدموا الوحدة السياسية وللأسف الشديد لم يقدموا عنها شيء فانقسمت الدول العربية، أعتقد أننا بالخليج علينا أن نصحح المسار وأن نأخذ بنموذج الاتحاد الأوروبي كمثال، فالاتحاد الأوروبي توحد عسكرياً عام 1948، ثم اقتصادياً 1958 ثم سياسياً 1994، وبالتالي علينا أن نتوحد عسكرياً وأن نقيم حلفاً قريباً من حلف الناتو أو وارسو حتى يبقي كينونتنا. واليوم عندما نجمع قدراتنا العسكرية من طائرات ودبابات وغيرها كدول ست سنكتشف أننا قادرين على صد أي عدوان على أي دولة من دولنا صغرت أم كبرت، وبالتالي لنتوحد عسكرياً ولنقوم بمناورات عسكرية كل سنة ليعرف الطيار البحريني أين يهبط لو احتاج الأمر بالكويت أو العماني أين ينزل في البحرين وغيره، وبعد ذلك نتوجه للوحدة أو التقارب الاقتصادي ونبقي الوحدة السياسية حفاظاً على تباينات الأنظمة، ونستطيع أن نخلق نظام جديد للوحدة دون الضرورة إلى الاقتداء بالوحدة الفيدرالية أو الكونفدرالية، الإمارات اخترعت نظامها الوحدوي، الولايات المتحدة قبل 300 سنة كذلك اخترع شباب صغار النظام الفيدرالي، وكذلك نحن نستطيع أن نخترع نظام جديد للوحدة الخليجية وليس بالضرورة أن ندفع من خلال الأخوة العرب المؤججين للوحدة السياسية والدفع نحوها، لأن ذلك يحتاج لأزمنة طويلة للوصول إليها، ولذلك علينا أن نقدم الوحدة العسكرية ثم الاقتصادية وكذلك الاجتماعية حتى نصل إلى وحدة سياسية مبتكرة.

= كيف تقرأ الموقف الكويتي حيال الأزمة الخليجية ومآلاته؟ وكيف تنظر دول المقاطعة للموقف الكويتي؟

- الموقف الكويتي لربما متفق عليه، وإن لم يكن كذلك فهو الموقف الصحيح، لأن انحياز الكويت مع طرف دون آخر لن ينقص أو يزيد من الأمر شيء، إنما موقف الوساطة تكمن أهميته في أن الأطراف الخارجية الأجنبية المتوسطة بالمشاكل العربية السابقة كمشكلة لبنان أو سوريا أو العراق واليمن وليبيا، تبين أن تلك الوساطات الأجنبية لا تحل شيئاً بل على العكس إنها حريصة على أن تبقى الأزمة، ولذلك لم يكن بالإمكان أن تغيب عن الأزمة الخليجية الوساطة الخليجية واللجوء إلى آخرين قد لا تكون لديهم رغبة حقيقية في الحل. ولذلك أتصور أن الموقف الكويتي موقف صحيح ولربما لو حدث إشكال بين الكويت ودولة أخرى سنطلب من دولة خليجية ثالثة أو أمانة مجلس التعاون بالسعي إلى حلها، لأن الحل الذي يأتي من الخارج أعتقد أنه لن يصل بنا إلى نتيجة، وعلينا أن نتذكر أن أغلب المنظمات الإقليمية مستهدفة من الدول المؤثرة بالعالم، والدول الكبرى لا تريد منظمات إقليمية ناجحة، ولهذا نرى ما أصاب الاتحاد العربي والاتحاد المغاربي من فشل، وكذلك منظمة الوحدة الأفريقية ودول عدم الانحياز كلها منظمات انتهت إلى لا شيء، وليس بالضرورة أن تكون هناك رغبة في حل الإشكال الخليجي إلاَّ بوجود وسيط خليجي ويمكن للأطراف المعنية أن تفتح القلب حتى نصل إلى حل.

= موقع الإعلام الخليجي على شبكة الإعلام العربي هل يقود أم يقاد؟

- التجربة الناجحة على مستوى الإعلام العربي هي التجربة الخليجية، اليوم أفضل فضائيات بالوطن العربي بل والتي تصل إلى مستوى العالمية هي فضائيات خليجية، الصحف العربية الدولية هي صحف خليجية، وبالتالي فالإعلام الخليجي في حقيقة الحال يقود ولا يقاد وهو تجربة ناجحة على كل المقاييس، ولهذا السبب نرجو الحرص عليها، ترشيدها لا يضر وتصحيح بعض أخطائها إن حصلت يقوم بالصراحة، ولكن علينا الحرص على إعلامنا الخليجي لأننا دول مستهدفة ونحتاج إعلامنا وخصوصاً في فترة أصبحت تحسم فيها الحروب بالإعلام، ونحتاج لأن نظهر مظلمة دول الخليج أمام العالم ونرجو أن يبقى الإعلام الخليجي قائد ومقروء على مستوى العالم كما هو عليه الآن، ويرجع له المفكرون والمحللون والساسة بالدول الغربية.

= الكويت من رواد العمل الثقافي والإعلامي في الخليج العربي، كما أنها من أكثر الدول الخليجية التزاماً بالوسطية في سياستها مع بقية دول الخليج وأكثرها قرباً للجميع، ومع ذلك فهي مقلة في مجال استقطاب النخب الخليجية لتبادل المعرفة والآراء وللتواصل بين الشعوب الخليجية. ما تفسيركم لذلك؟

- نعم كانت الكويت من رواد العمل الثقافي والإعلامي بالخليج العربي، ولكن هذا الدور تقلص، وحتى تستقطب الكويت النخب الخليجية لتبادل المعرفة وإثراء التواصل بين الشعوب، أعتقد أن على الكويت أولاً أن تبدي دعم للثقافة والإعلام داخل الكويت حتى يمكنها أن تتمدد في الخارج الخليجي. وواقع الحال أن هناك قصوراً بهذه الزاوية وما عدنا نشاهد المثقفين الكويتيين والإعلاميين البارزين بالكويت يحظون بالدعم حتى يتمكنوا بدورهم بالتواصل مع دول الخليج ويقدمون لهم الدعوة في عقد ندوات وغيرها حتى يكتتب الكتاب الخليجيين في الصحف الكويتية ويظهروا على برامج إعلامية. الواقع أن هناك تقلص في دعم رجال الثقافة والإعلام بالكويت ودون دعم من الدولة للأنشطة أتوقع من الصعب أن يمتد النشاط الثقافي النخبوي الكويتي للإخوة بدول الخليج.

= كوزير إعلام مارس المنصب من يقيد الإعلام الخليجي؟ وما الذي ينقص الإعلام الخليجي؟ وهل هناك ثمة استراتيجيات إعلامية فاعلة يتم العمل على تنفيذها في وزارات الإعلام الخليجية؟

- من المؤكد أن لدى كل وزارة إعلام استراتيجية، ولكن مدى صحة هذه الاستراتيجية ومواكبتها للعصر وغيره فهو أمر آخر، ولكن من الأفضل برأيي أن ترسم هذه الاستراتيجيات لدى الأمانة العامة للدول الأعضاء بعدما تتواصل الأمانة مع وزارات الإعلام الست وتبني استراتيجية مشتركة تعمم كاستراتيجية خليجية لوزارات الإعلام الخليجية حتى نحصل على القيمة المضافة، لأن إن كان لدى كل بلد استراتيجية متناقضة مع الدول الأخرى فإننا لن نكسب خليجياً، الأمر الآخر، أن ما ينقص الإعلام الخليجي كم المهنية والاحتراف في هذا الإعلام، وكم التدريب والتأهيل للإعلاميين الخليجيين ولدينا قصور ونقص شديد في هذين الجانبين، فعدم الحرص على تدريب الإعلاميين لن يقودنا إلى شيء وأغلب المؤسسات الخاصة الإعلامية نشاطها اقتصادي ويسعى للربح فيقلص من المصروفات وأولها التدريب والتأهيل، ولذلك فهو دور يجب أن تقوم به وزارات الإعلام، وسواء عمل المتدربون في الإعلام بجناحه العام أم الخاص فهو في كل الأحوال سيرتقي بالإعلام الخليجي عموماً.

= تمر الكويت بحراك سياسي متواصل. ما محرك ذلك؟ وما سلبياته وإيجابياته على التنمية؟

- لا شك أن هناك سلبيات كثيرة وكبيرة للحراك السياسي المتواصل بالكويت على أكثر من وجه، أولاً الدورة المكتبية والحصول على الموافقات تصبح في فترة أطول، وعملية السخونة السياسية تساهم في تغيير الوزراء بشكل كبير حتى أصبح المعدل أشهر، وكلما أتى وزير ستبدأ عجلة التنمية بالبدء من الصفر، إلى جانب أن ذلك يجعل الاهتمام بأكمله في الشق السياسي والقليل القليل منه يذهب لقضايا التنمية. ولا شك أن لهذه السخونة أثر سالب على التنمية، بدليل أن الكويت التي كانت تحظى بموقع متقدم قبل 50 عاماً على مستوى المنطقة، اليوم أصبحت بموقع متخلف ولا يمكن أن تكون للصدفة دور وإنما السخونة السياسية التي ترجع إلى عدم وجود فهم حقيقي لأهداف اللعبة السياسية، فالبعض أخذ اللعبة السياسية كمكاسب فردية أو وسيلة للإثراء وللإفساد، وبالتالي فضعف الفهم للعملية السياسية قضية خطيرة، وضعف عمليات التنمية السياسية. واليوم بالكويت هناك صناديق انتخاب تفتح كل 4 سنوات ولكن ليس هناك تنمية سياسية ولربما أشد بيدي على أيدي الأخوة في البحرين الذين أنشؤوا معهد للتنمية السياسية، حتى يكون هناك فهم أفضل من القوى السياسية والنواب والوزراء لمعنى وفحوى العمل السياسي، فتقل الأزمات وتدور عجلة التنمية بشكل أفضل. ما نحتاجه هو عمليات تنمية سياسية للناخب حتى يرشد دور النائب ويقوم بدور حقيقي على محاسبة الوزراء وليس على قضايا أو مصالح فردية كالتوظيف وغيرها.

= كيف تعرف الحرية والتعددية والتنوع؟ وكيف نوازن بين حرية الإعلام وبين الخطوط الحمراء التي لا يجب اجتيازها.

- التعددية قضية هامة وعليك دائماً أن تسمع الرأي الآخر على أن يكون الرأي الآخر عاقل وحكيم، لا ينفع الرأي الآخر العابر لما فوق الوطن بانتماءات خارجية، فهذا أمر لا يمكن قبوله إن كان قلم أو رأي إعلامي يسير من الخارج، وكذلك الولاءات لما تحت الوطن، أن يقدم الإنسان قبيلته أو طائفته أو عائلته على مصلحة الوطن، فهذا لا علاقة له بالتعددية وهي مصالح خاصة لا يمكن أن يستمع لها أو يسمح بترويجها، وإنما الخط الوطني الحقيقي فعلى الجميع أن يستمع له، ودائماً هناك رأي ورأي آخر يحترم. والخطوط الحمراء هي القفز من النقد البناء إلى الشخصنة وغيرها، وخصوصاً مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، ومثلما تحمل الدول على عاتقها توعية الشباب بمخاطر المخدرات ومخاطر الحوادث المرورية، فقد كان واجباً على الدول أن تحذر الشباب من خطورة مواقع التواصل الاجتماعي لأن الشباب ليس لديهم من المستشارين والقانونيين من ينبههم أن ما يخرج من الشاب عبر هاتفه النقال ومن داخل غرفته قد يؤدي به إلى كوارث عليه وعلى أهله، فكثير من الشباب اقتيد إلى السجون بسبب التعدي على الآخرين والجهل وتضرر بها الأهل بالدرجة الأولى، وما زال الباب مفتوح لتوعية الشباب من الاستخدام الخاطئ لمواقع التواصل الاجتماعي وأن يقع كل ما يصدر من الشباب على هذه المواقع سيكون تحت طائلة القانون، وكذلك النظام القضائي عليه أن يستوعب هذه الحقيقية، بأن ليس ثمة إعداد مسبق بهذا الشأن للشباب واحتمال وقوعهم في الزلل وارد ولذلك على القضاء أن يتخذ بشأنه حكماً تأديباً أكثر وليس كسراً للعظم، على سبيل التنبيه كالغرامة وما شابهها حتى يستوعب الشاب الجزء الضرري منها.