لقد عاشت ولاتزال القضية الفلسطينية بحلم العودة وحق تقرير المصير والمبادئ المثالية بينما قامت دولة إسرائيل على أساس مبادئ الواقعية السياسية بأخذ ما يمكن أخذه وانتهاز القوة والاعتماد على الذات وعلى القوى العظمى الصاعدة من فرنسا ثم بريطانيا ثم أمريكا فروسيا ثم الصين والهند، وكل قوة تتجه للصعود تبادر الحركة الصهيونية بامتطاء ظهرها للحصول على دعمها للأهداف التي ترسمها بالاستيلاء على كل فلسطين والتوسع حتى تصل من النيل للفرات كما يدعون ويسعون، ونحن كفلسطينيين وكعرب نعيش على ثلاثة أمور:

أولها: الشعارات وارتباطها بما نراه حقائق تاريخية وسياسية.

وثانيها: ما نسميه حقائق ليست كل الحقائق التاريخية أو السياسية.

وثالثها: عدم إدراك مفهوم الحق وصلته بالقوة، فالسياسة لا تعرف مفهوم الحق ولا التاريخ ولا القانون وإنما تعرف فقط لغة القوة التي تحول الباطل حقاً، كما أن الحقوق التاريخية كثيرة في كل مناطق العالم، فاليهود يدعون بحقوق تاريخية وكذلك الفرس وغيرهم من الشعوب، والحقوق التاريخية مسألة موضع نقاش، وتتوافر لديه القوة، ويحصل عليها من يتسم بالعقلانية والقوة، لقد عادت الصين كقوة.

وبناء على ذلك احترمها الآخرون، ونحن كعرب وكفلسطينيين نزداد ضعفاً رغم أن لنا حقاً والحق يضيع بدون القوة، ولقد أثار اهتمامي وجهة نظر المفكر القانوني الأردني د.أنيس قاسم في ندوة عما يسمى وعد بلفور، وقام بتصحيح المصطلح، ومن قرأ التاريخ السياسي، يعرف أنه لم يكن وعداً، وإنما كان تصريحاً برغبة وبمنظور المصلحة السياسية لبريطانيا في بداية القرن العشرين، وتعبيراً عن ضغط وقوة يهودية ذات مال وإجادة للإعلام كمؤسسات وتكنولوجيا يسيطر اليهود على معظمها إعلامياً وواقعية سياسية منذ القرون الوسطى، وتبلورت في خطة عمل عبرت عن وحدة الفكر اليهودي الصهيوني بمقولة خذ وطالب، فتيودور هرتزل صاحب كتاب الدولة اليهودية الصادر عام 1896 وفي مؤتمر بازل بسويسرا عام 1897 فأدت لقيام إسرائيل في 1947 بقرار التقسيم ثم قيام الدولة ونحن نعيش الهتافات والشعارات ولا نقرأ التاريخ ولا نفهم السياسة الدولية أو الإقليمية ولا نستفيد من الفرص التي تتاح لنا ونظل في عملية تراجع ورفضنا الكتاب الأبيض البريطاني في فترة ما بين الحربين ورفضنا مشروع التقسيم ورفضنا مشروع القرار اللاتيني بعد حرب 1967، ورفضنا مبادرة روجرز عام 1970 ورفضنا قرار مجلس الأمن 242، ومازال بعضنا الذي يدعي أنه يبدي مرونة فيقول نقيم فلسطين على كل أرض محررة ونستمر في المطالبة بالأرض من النهر للبحر وتسمع إسرائيل ذلك، فهل يعقل أن توافق على تدمير نفسها ولديها القوة وأتمنى أن تزول حالة الضعف لدينا وتتحول لقوة، ولكن هذه الأمنيات مثل أحلام اليقظة ما لم نقم ببناء الوحدة والقوة الحقيقية اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وثقافياً وفكرياً وإلا فسنظل فرقاً متنازعة في فكرها وسياستها، ولم تستطع الحركة الفلسطينية أن تتفق وكل فلسطيني هو زعيم وكل عربي هو قائد وهكذا نعمل بتناغم لمصلحة العدو وندمر أنفسنا، ولو نظرنا نظرة واحدة على خارطة العالم لوجدنا أنفسنا كعرب قلوبنا متفرقة وسيوفنا على أنفسنا والعدو يعيش في أمن وسلام، نتيجة سوء تقديرنا، والمثقفون والسياسيون من أكثر المزايدين ورجال الدين الذين لا يفهمون في السياسة ولا في الدين عليهم أن يقرؤوا مسيرة الإسلام الحنيف في عهد الرسول الكريم وكيف كانت الواقعية الصحيحة في صلح الحديبية التي كانت أحد معالم تلك السيرة، فهل من عقلانية حقيقية لقد قدم لنا بعض الكتاب الفلسطينيين في مقالات مؤخراً بجريدة «الشرق الأوسط» و«الحياة» أمثال خالد الحروب وماجد كيالي ونبيل السهلي وغيرهم بعض المراجعة العقلانية بالنسبة لما سمي وعد بلفور وهو كما قال جمال عبدالناصر «أعطى من لا يملك وعداً لمن لا يستحق واستطاع الاثنان بالمكر والخديعة أن يحققا ذلك» واليوم علينا إعادة النظر كعرب وفي مقدمتنا الفلسطينيون التفكير بالحق والقوة والعقلانية وأن نعتمد على أنفسنا كعرب وليس على جيران من الشرق والغرب والشمال والجنوب يطمحون في تدميرنا والاستيلاء على كل أرض العرب وثرواتهم وليس فقط فلسطين وأدرك بعض الفلسطينيين أن سلوك فلسطينيي 1948 الذين تمسكوا بأرضهم ولم يتركوها بل كانوا أكثر شجاعة في الحصول على الجنسية الإسرائيلية فأصبحوا نواباً في الكنيست وهم يعبرون عن حقوقهم ومصالحهم وهم بدورهم منقسمون مثل إخوانهم خارج فلسطين ولو اتحدوا لكانوا قوة رئيسة في الكنيست الإسرائيلي ولأثروا في توجيه سياستها والدفاع عن مصالح وحقوق إخوانهم في الشتات.

ونحن نطالب ونعرض قرار مجلس جامعة الدول العربية في القمة عام 2002 في بيروت كما يكرر الفلسطينيون والعرب المطالبة بحل الدولتين، وهذا كان مضمون قرار التقسيم كما يطالب البعض بحل الدولة الواحدة بجنسيتين فلسطينية وإسرائيلية، وهذه بعض نماذج من الحلول العقلانية.