كتب - علي الشرقاوي: رغم اتجاه العالم إلى أن تكون الأرض قرية كونية واحدة، فكل ما يحدث هنا يؤثر على هناك، وكل ما يحدث هناك يؤثر هنا؛ إلا أننا نشاهد في الوقت نفسه أن كل أرض وبلد وشعب وقومية، تحاول التأكيد على هويتها وعاداتها وتقاليدها وطقوسها. ليس من أجل التنافس أو السباق على جائزة الأفضل أو الأرقى أو الأعظم أو الأبقى، بقدر ما هي الرغبة في زيادة رقعة التنوّع والتعدد في الحياة، كما هو حال البستان، الذي لا يستطيع أن يكون بستاناً حقيقياً أو حاملاً لاسم البستان إن لم تتعدد وتتنوع أزهاره وأشجاره. من هنا قامت مدرسة عبدالرحمن كانو الدولية، بجمع وتصوير الشيء الكثير من التراث البحريني، لتجمع حصاد 14 عاماً، في كتاب أنيق ثري بمادته باللغتين العربية والإنجليزية بعنوان (دانات) -والتي تعني أغلى ما يمكن أن تطرحه مستعمرات المحار في هيرات البحرين، وأجمل ما يمكن التقاطه من تاريخ البحرين العريق- تم تدشينه مؤخرا في مركز عيسى الثقافي، برعاية رئيس مجلس أمناء مركز عيسى الثقافي سمو الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة، وحضور محافظ العاصمة الشيخ هشام بن عبدالرحمن آل خليفة، ورئيس مجلس إدارة مدرسة عبدالرحمن كانو الدولية عبدالعزيز بن جاسم كانو، والأديب تقي محمد البحارنة، الذي ألقى قصيدة بالمناسبة. إلى جانب جمهور من المثقفين والمهتمين. كتاب “دانات” أعدته عفاف سالمين، وضمّ صوراً من عدسة أنور حبيل. وهو يقع في 179 صفحة من الحجم الكبير الفاخر. ويمثل موسوعة شاملة للعادات والتقاليد البحرينية الأصيلة، مزود بالصور وبالمعلومات المبسطة لكل فقرة وباب. ومن المواضيع التي قدمتها الموسوعة؛ العادات والتقاليد، الغوص، الطب الشعبي، الأكلات الشعبية، منتجات النخيل، الآلات الموسيقية، مراسم الزواج، العطور البحرينية، طرق البيع القديمة، المهن القديمة، الحلي والمصوغات. الكتاب موسوعة وطنية من جانبه، أشاد رئيس مجلس إدارة مدرسة عبدالرحمن كانو الدولية عبدالعزيز بن جاسم كانو بالكتاب، معتبراً إياه موسوعة وطنية تمثل تاريخ المملكة العزيزة، أنجزتها مدرسة عبدالرحمن كانو الدولية، مثمناً لفريق العمل كل الجهود التي بذلوها. وقال كانو: كتاب (دانات) التراثي، من المراجع المهمة التي تحتاج إليها المكتبة البحرينية، وبالتالي يحتاجه كل بحريني وبحرينية، للتعرف على شيء من حياة الأجداد. فلولا الأجداد ما كان الآباء، ولولا الآباء ما كنا نحن على وجه الأرض. فشكرا لكل من قام بجهده بإظهار هذا الكتاب الرائع إلى النور وإضاءة المكتبة البحرينية بما يساهم في الحفاظ على تراثنا الجميل من الضياع في زحمة الحضارة التكنولوجية، وإخراج الدانات من حالة الفكرة إلى حالة التحقق. وأضاف: أن التراث يشكل في مضمونه تاريخ الأمم. فكل حضارة مرت على الحياة البشرية كانت ولا بد أن تحمل معها مواقف وأحداث، وهي في أغلب الأحيان تصبح إرثاً وشكلاً إنسانياً يحمل معه هذا المعتقد. وأنا سعيد جداً بهذه الخطوة الإيجابية الرائعة من مدرسة عبدالرحمن كانو الدولية وجمعها الأعمال التراثية والعادات الشعبية ووضعها في هذه الموسوعة التراثية “دانات”، التي تشكل في رأيي إضافة لمكتبتنا الأدبية والثقافية الشعبية، تحفظ ذاكرة الأمة. تراثنا مصدر عزنا من جهتها، قالت مديرة مدرسة كانو عائشة جناحي: إن الأمة التي تهتم بتراثها هي أمة خالدة بلا شك. أما عندما تهمل أي أمة من الأمم تراثها فهي أمة منبتة، “والمنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى”. ونحن والحمد لله في مملكة البحرين نعتز بأننا نتمنى إلى أمة حباها الله بتراث عريق جذوره .ضاربة في رحم الزمن، تتجذر كشجرة طيبة عملاقة أصلها ثابت وفرعها في السماء، كلما ازداد ثباتها في الأرض سمقت أغصانها إلى السماء، يغلظ سوقها وتمتد أفناءها. وتستظل أجيالنا الحاضرة تستنشق فيه عبير ماضي الأجداد الذين جبلوا أرض دلمون، بعرقهم الزكي، فتفوح عطره يملأ الآفاق، ويحكي لأبنائنا قصة عشق الإنسان لأرضه وتراثه. ولنا في شجرة الحياة التي تقف شامخة في قلب صحراء الصخير مثالاً حياً، نتعلم منه درساً في التحدي، فهي تحول الرمال الملتهبة المنغرسة جذورها فيها غذاء يشد عضدها، وتجعل من الشمس الحارقة شعاعاً يضيء سبيل المقوين. وأضافت: نحن في مدرسة عبدالرحمن كانو الدولية كجزء من مملكتنا الحبيبة أخذنا على أنفسنا عهداً أن نظل أوفياء لهذا التراث العظيم، نصونه ونحميه ونجعل من أهداب عيوننا حصناً يمنعه ونستحلب منه آفاق عذبة، نسكبها في عقول طلابنا الأعزاء، فيستحيل شراباً عذباً، تتغذى به أرواحهم وتسمو به نفوسهم، فيدخلون الحياة من أبوابها الواسعة، بأقدام واثقة لا تهتز ولا تتعثر، تستند إلى ذلك التراث، وتتطاول أعناقهم إلى مستقبل يجاوز الفرقدين، دون أن يرضى عن ذلك بديلاً. فالتراث عندهم تبر، وهم قادرون على أن يجعلوا من هذا التراث قناديل يضيئون بها دروب المستقبل الواعد. كما إنهم قادرون أيضاً أن يجعلوا من هذه الأرض الطيبة تبراً يقاومون فيه غوائل الزمن، فمن ليس له جذور يكون كشجرة خاوية. تاريخ عريق وأكدت معدة الكتاب عفاف سالمين إن البحرين من البلاد القليلة التي يمتد تاريخها عبر آلاف السنين، وهي تفخر بعمقها التاريخي المتجذّر الذي وهبها إرثاً عظيماً من التراث الذي تناقلته الأجيال جيلاً بعد جيل وحقبة بعد حقبة بأنماط وأشكال متعددة، تقف شامخة تروي قصصاً وحكايات لأجيال متعاقبة تبعث عناق من جهد الآباء والأجداد، ومخزوناً لا ينضب من العادات والتقاليد المتوارثة. وقد ارتأينا أن نختار لهذا الكتاب بعضاً مما يمثله هذا التراث العظيم، نضعه بين أيدي ناشئينا لتظل البحرين ساكنة في ذاكرتهم ماضياً وحاضراً ومستقبلاً. وأشارت إلى إسهام طلاب مدرسة عبدالرحمن كانو الدولية بأدائهم الراقي وجهودهم المتواصلة في إخراج هذا السجل الحافل، الذي يروي أصالة التاريخ ويعبر عن بساطة الإنسان البحريني ورفعته، معربة عن شكرها أسماء الخليفي التي زودتها بالكثير عن تراث البحرين.
970x90
{{ article.article_title }}
970x90