رنوة العمصي في مراحل كالتي يمر بها وطننا، يقدم كل منا منهجه الذي يؤمن به، على أنه هو حل المأزق والطريق للخروج من الأزمات، لذلك فكل صاحب دين أو مذهب أو فكر، يعتقد أن منهجه هو المنهج القويم الذي فيه خلاص الناس. ولقد ضجت البحرين بهذه المناهج التي ألصقت في قفا كل منها صفة القويم، ولم يبدُ أن وفرتها- المناهج- قادت إلى الأفضل. لم تقد وفرتها للأفضل، ولا يبدو أنها ستقود إن كانت العلاقة بين هذه المناهج علاقة صراع وإقصاء، وعلاقة احتكار لصفة (القويم) تلك، وإنما بالاعتراف بأن صفة القويم تلك ليست حكراً على منهج بعينه. إن ما حدث من انقضاض على الثقافة، لا يخرج عن دائرة هذا الصراع، بين القويم والقويم، كل حسب ما يرى، ويؤمن، هو انقضاض على تعددية هذا الوطن، يستنزف وحدته في صراع ليس فيه منتصر، فليس بيننا من هو غنيمة للآخر. وليس الوطن بحاجة لمنتصرين ومهزومين، وإنما لمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، ولبيئة منفتحة تعددية تتسع للجميع. الثقافة بأدواتها منهج أصيل، لا مبتدع ولا مستحدث، ليس حكراً على أحد، وليس ملكاً لتيار أو فكر أو مذهب، لذلك فأي محاولة لتلجيمها أو السيطرة عليها، بإقحامها في صراع الأيدلوجيات، والمذاهب الفكرية والدينية والسياسية، هي محاولة فاشلة لم تنجح فيها أعتى وأعنف أنظمة الحكم الدينية المتطرفة كالتي في إيران مثلاً. وإن هذه المحاولات للغلبة ستقود كرد فعل طبيعي لظهور تيار آخر متطرف في الاتجاه المعاكس، سيجعل المنطقة الوسط بين المناهج أضيق وسيصبح التفاهم أصعب وهو ما لا نريده، نريد وطناً للجميع، ومساحات من الاحترام والتفاهم أكبر، لا تأتي إلا بالاعتراف بحق الآخر في ممارسة شعائره الدينية والثقافية في إطار القانون. الوطن بحاجة لمناهج متعددة تعمل لأجل خيره، لا مناهج متناحرة، ولا لأفراد وجماعات يضعون قدسية منهجهم أو قراءتهم للعقيدة من قدسية العقيدة ذاتها، في إلغاء صريح للآخر. رسائل لإخوننا النواب إن كلمة صدرت من وزيرة الثقافة في حق بعض الصبية الذين حاصروا مركز الشيخ إبراهيم، جعلتكم تتصدرون الموقف وتصعدونه لأعلى مستوى، وكلمات تصدر منكم بشكل دائم بحق المركز وزواره، تصدر وكأن زوار المركز من كوكب آخر، ليسوا هم أيضاً من المحرق والمنامة والرفاع ومدينة عيسى ومدينة حمد، أخشى أن يفكر هؤلاء أيضاً من أن يقتصوا لسمعتهم منكم.. إن الطرح الذي عولج به موضوع ربيع الثقافة، تعددت أوجهه، بداية بسوريا، ثم الكلفة المالية، مروراً بالطبع بين حين وآخر بالدين، وأخيراً بالقضية التي أسميتموها بالمحرق الشماء، هذا الطرح الذي يخلط القضايا ببعضها، يشكل خطراً في رأيي على مصداقية النواب في طرحهم لاحقاً للقضايا، لأنه إن كان الهدف هو ربيع الثقافة، فليس من الصائب أن توضع قضايا الكبرى مثل قضية سوريا وقضية الفساد المالي كمبررات لهكذا مكاسب – إن شئتم تسميتها- ثانوية. إن ربيع الثقافة، مهرجان متنوع يرضي معظم الأذواق، وإن ما يعترض عليه البعض من الفعاليات التي تحتوي على الموسيقى والتي تحتوي على الغناء أو التي تحتوي على استعراض في مجموعها، أقل من الفعاليات الأخرى من الندوات والمحاضرات والأمسيات الشعرية، لذلك قد يبدو الهجوم على ربيع الثقافة ووزارة الثقافة غير مدروس، هذا بالإضافة لكون ربيع الثقافة مهرجاناً مشتركاً بين مؤسسات عدة هي مجلس التنمية الاقتصادية، وزارة الثقافة ومركز الشيخ إبراهيم للثقافة والبحوث وبالتعاون مع مؤسسات أخرى. إن الشعب الذي اختاركم لتعبروا عنه بجميع أطيافه وطوائفه ومذاهبه الفكرية، لذلك فنحن نأمل منكم أن تكونوا ممثلين للشعب بتنوعه، لا وصاية عليه، ولا ممثلين لتوجه دون آخر. إن النائب الذي يمثل دائرته يمثلها كلها، الذي صوت بلا قبل الذي صوت بنعم.