من الجميل أن يعود المرء بين فينةٍ وأخرى إلى عادةٍ حسنةٍ تركها أو سهى عنها، أو إلى هواية نسيها أو تناساها بفعل ظروف الحياة وتياراتها وأمواجها العاتية، أما أن يعود الكاتب إلى قلمه بعد سنين غياب فهي تماماً كعودة المرء إلى ذنبٍ تاب عنه.. وأي ذنب؟!

ذلك أن القلم ليس عادةٍ ولا هواية -وإن كانت الكتابة في ظاهر الأمر قد تبدو كذلك- وإنما هو مسؤولية عظيمة تضع حامله على حافة النار دائماً، فإما أن تلسعه النار لسعاً أو تحرقه حرقاً.

رغم ذلك، فإن العلاقة بين الكاتب وبين القلم تظل من أكثر العلاقات ازدواجية، فمن جهة فإن عشق الكتابة بالنسبة للكاتب وعشق الصحافة بالنسبة للصحافي هو من أكثر العلاقات حميمية، بل إنهما يسريان مسرى الدم في جسد الكاتب والصحافي.

ومن جهة ثانية، فإن هذا العشق قد يكون وبالاً على كليهما إذ إنهما لا يقدران على التملص أو التخلص منه رغم عواقبه الوخيمة على الحالة الصحية والنفسية والعقلية والجسدية والاجتماعية والاقتصادية لصاحبه.

وفي المحصلة، فإن العلاقة تستمر رغم كل ما يعتريها من مصاعب ومتاعب!

فالعاشق الحقيقي للصحافة يعود دائماً رغم الغياب.. رغم الظروف.. رغم الصعاب.. يعود لينبش سرابيل الحقيقة، يعود لينتصر للحق، يعود لا ليعارض لمجرد المعارضة.. ولا ليجادل لمجرد المجادلة.. أو لينتقد لمجرد النقد.

وإنما يعود ليكتب عن الوطن.. ليبرز هموم المواطن ويبحث لها عن حل، ليكتب عن الحب والجمال.. وينشر ثقافة الإيجابية.. ليصفق للإنجاز ويعليه، وينتقد الخلل ويستقصي عن أسبابه وسُبل تجاوزه.

الصحافي الحقيقي هو الذي ينذر قلمه لإعلاء صوت المواطن البسيط ليستمع له المسؤول -إن شاء ذلك أو أبى- حتى يلبيه ويحقق مطالبه ويزيح عنه العناء والمشقة.

الصحافي الحقيقي هو الذي يكتب عن الغفير وعن الوزير بذات المسطرة -مسطرة الموضوعية والمصداقية والحياد- ما أمكنه ذلك.

هذه هي الصحافة التي نذرت قلمي لها..

هذه هي الصحافة التي أعرف.. التي أعشق.. التي أرنو لها..

* سانحة:

أسأل المولى أن يكون عام 2018 عاماً سعيداً على الجميع وأن يحمل لهذا العالم من بشائر الخير والأمل والسلام ما يروي به النفوس الظمأى للفرح والسلم والحياة والعدالة والاستقرار والأمن والأمان.