حوار – وليد صبري:
أكد الأكاديمي الحائز على جائزة «خليفة بن زايد» التربوية للأستاذ الجامعي المتميز في التدريس د.حمدي عبدالعزيز أن «مملكة البحرين متميزة علمياً على المستويين العربي والخليجي وتكاد تكون نسبة الأمية فيها تصل إلى 0%»، موضحاً أن «مملكة البحرين تتمتع بميزة نسبية في إعداد أجيال من الباحثين والأكاديميين». وأضاف د.عبدالعزيز في حوار لـ «الوطن» أنه «لابد من إتاحة فرصة التطوير الميداني للبحرينيين الحاصلين على الدراسات العليا»، مشيراً إلى أنه «لاحظ الرغبة القوية لدى قطاع كبير من البحرينيين، في استكمال دراساتهم العليا والحصول على درجات علمية كالماجستير والدكت وراة».
وقال د.عبدالعزيز إن «هناك نهضة علمية كبيرة في دول مجلس التعاون الخليجي، نظراً لإنفاقها على التعليم بسخاء»، لافتاً إلى أن «جائزة «خليفة بن زايد التربوية» تنهض بالبحث العلمي على مستوى الوطن العربي».
وشدد على «ضرورة توفر مؤسسات علمية لإعداد الباحثين المتخصصين في العالم العربي»، مبيناً أن «لدينا كنز دفين من الدراسات والأبحاث ورسائل الماجستير والدكتوراه يجب الاستفادة منها».
وأوضح د.عبدالعزيز أن «عدم العمل بروح الفريق الواحد أبرز العوائق أمام البحث العلمي في العالم العربي»، مؤكداً أن «التميز في التدريس يقود للتميز في البحث العلمي».
وأوصى د.عبدالعزيز «بضرورة النهوض بمستوى المعلم العربي للحصول على أجيال من المبدعين والموهوبين»، مشدداً على «ضرورة تدريب وإعداد المعلم لنشر ثقافة البحث العلمي في المدارس والجامعات العربية».
ورأى أنه «لابد من حصول المعلم على رخصة لمزاولة المهنة، استناداً لمعايير محلية ودولية خاصة، خصوصاً وأن المعلم في عالمنا العربي، يمارس ما يعرف بـ «تعليب» الأفكار». وإلى نص الحوار:
هل لنا أن نتطرق إلى الجائزة؟
- هي جائزة رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وأود في البداية أن أتقدم بالشكر لكل من ساهم في حصولي على تلك الجائزة بفضل الله سبحانه وتعالى، وفي مقدمتهم راعي الجائزة، صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، على المجهودات التي تبذلها دولة الإمارات، في سبيل نهضة ورقي البحث العلمي، كما أتقدم بالشكر والتقدير إلى لجنة تحكيم الجائزة على المجهودات العلمية التي قامت بها، من خلال التنسيق على مستوى الوطن العربي، والشكر موصول أيضاً لرئيس جامعة الخليج العربي د.خالد العوهلي على ما قدمه لي من دعم وثقة أثناء الترشح لهذه الجائزة، ومن الواجب أن أتقدم بالشكر إلى د.سعيد اليماني منسق الجائزة بمملكة البحرين، وعميد كلية الدراسات العليا د.محمد الدهماني. أما الجائزة فهي عبارة عن 11 مجالاً رئيساً وتسمى «جائزة خليفة بن زايد التربوية»، ومحور الجائزة هو بالنسبة للعاملين في مجال التربية والتعليم، سواء كان معلماً على مستوى المدارس، أو معلماً في المراكز الخاصة، أو أعضاء هيئة التدريس بالجامعات، وتنقسم الجائزة إلى 11 مجالاً رئيساً من ضمن هذه المجالات، مجال التعليم العالي على مستوى الدولة «دولة الإمارات»، والوطن العربي، وهذا الفرع من الجائزة، وهو مجال التعليم العالي يمنح جائزتين، جائزة الأستاذ الجامعي المتميز في البحث العلمي، وجائزة الأستاذ الجامعي المتميز في التدريس، على مستوى الدولة، وعلى مستوى الوطن العربي، لكلا الفئتين، وقد تقدمت في البداية عن مجال الأستاذ الجامعي المتميز في البحث العلمي، وأجريت مقابلة عبر «سكايب» كوني مرشحاً لتلك الجائزة، مع لجنة التحكيم، وبعد فترة تمت المشاركة في مجال الأستاذ الجامعي المتميز في التدريس، وقد كان، وأرسلت ترشيحاً آخر بناء على طلبهم، كأستاذ جامعي متميز في التدريس، وبعد إعلان النتيجة، وجدت نفسي فائزاً عن مجال الأستاذ الجامعي المتميز في التدريس، على مستوى الوطن العربي، واستندت اللجنة في قرارها إلى أنني متميز في البحث العلمي، الذي أدى بدوره إلى تميزي في مجال التدريس، وبالتالي التميز في التدريس، يشمل مسألة التميز في البحث العلمي، وربما تجد أستاذاً جامعياً متميزاً في البحث العلمي، لكنه غير متميز في التدريس، لكن على العكس، الأستاذ الجامعي المتميز بالتدريس، لابد بالضرورة أن يكون متميزاً في البحث العلمي. وقد كنت مرشحاً من قبل جامعة الخليج العربي، ويجوز التقدم بشكل فردي، أو من خلال مؤسسات يتبع لها الأكاديمي، وتم استيفاء شروط المشاركة في الجائزة كممثل لجامعة الخليج العربي بمملكة البحرين.
عوائق البحث العلمي
كيف ترون أبرز العوائق أمام البحث العلمي في الوطن العربي؟
- كما نعلم أن نهضة الأمم والمجتمعات يتوقف على التعليم، والتعليم في حد ذاته يتطلب عموداً فقرياً، يقوم عليه أو يستند إليه، ألا وهو البحث العلمي، والمقصود بالتعليم هنا ليست عملية التدريس في المدارس والجامعات فقط، لكن التعليم كمنظومة كبرى، إذا كان لا يستند إلى عملية البحث العلمي، فسيكون ذلك أكبر عائق أمام مسألة التقدم، وإذا استند التعليم إلى إعداد معلم، ومناهج دراسية، وغيرها، ومن ضمنها، البحث العلمي ستنهض الأمم، ويقاس تقدم الأمم بما لديها من اختراعات واكتشافات، هي في الأساس قائمة على البحث العلمي، ومن ثم فان قضايا التعليم في الوطن العربي بوجه عام، ربما تكون متشابهة إلى حد كبير، لكن نلاحظ أن دول الخليج العربي لديها من الإمكانيات الكبيرة المخصصة للإنفاق على البحث العلمي، ما يفوق الكثير من الدول العربية الأخرى، وبالتالي نلحظ نهضة علمية كبيرة في دول مجلس التعاون الخليجي خاصة، حيث إنها تنفق على التعليم بسخاء، وهذا الإنفاق لابد أن يكون مخططاً ومبنياً على منهج، ومن ثم أكبر مشكلة وعائق أن تنفق بلا منهج على البحث العلمي، وبالتالي لابد أن تكون هناك موازنة، وعملية لتطوير البحث العلمي، حتى نتجنب الوقوع في مشكلات مكررة كل عام في عالمنا العربي. أما ثاني عائق أمام البحث العلمي، فهو عدم القدرة على العمل في مجال الفريق، لأن الفرق البحثية مهمة جداً في مجال البحث العلمي بالدول العربية، خصوصاً على سبيل المثال، جائزة نوبل، يكون الجانب العلمي في الجائزة مستحوذاً على مجالاتها، خصوصاً في مجالات الفيزياء والكيمياء والطب، ومن يحصل على الجائزة يكون فريق عمل، وخير مثال على ذلك، ما صرح به العالم المصري د.أحمد زويل عندما حصل على جائزة نوبل، عندما قال إن «هذه الجائزة ليست لي وحدي، وليست نتاج عمل فردي ولكن لفريق العمل الذي كان معي». وبالتالي أول عائق أمام البحث العلمي عدم وجود منهج واضح واستراتيجية واضحة للنهوض بالبحث العلمي في الدول العربية، أما ثاني عائق، فهو عدم العمل بروح الفريق الواحد، ومن ثم يؤدي إلى نجاح مؤقت وليس دائماً، وهناك بحوث ربما يمكن أن تجرى بشكل فردي أو بشكل جماعي ولكن نجاحها لا يستمر، ومن ثم المنظومة تنهار وتتهدم بصرف النظر عن التكلفة التي صرفت عليها. أما ثالث تلك العوائق، فهي عدم الأخذ بتوصيات البحوث والدراسات التي أجريت في الوطن العربي، وهناك آلاف الأبحاث والدراسات، ورسائل الماجستير والدكتوراه، المنشورة في مجلات دورية دولية أو إقليمية لا يؤخذ بنتائجها أو توصياتها، وتظل عهدة الأرفف بالمكتبات لسنوات، ومن ثم هناك كنز دفين من الدراسات والأبحاث ورسائل الماجستير والدكتوراه يجب الرجوع إليها، طالما أجريت بمنتهى الأمانة، وبيان مدى إمكانية تطبيقها عملياً سواء في مجال التعليم أو مجالات الحياة المختلفة. وتلك أكبر 3 قضايا أو مشكلات تواجه مسألة البحث العلمي في الدول العربي، أما رابع تلك العوائق فهو عدم وجود مؤسسات متخصصة في إعداد الباحثين المتخصصين، وربما جامعة الخليج العربي تضم كلية الدراسات العليا وفيها من التخصصات النوعية الجديرة بالاحترام.
كيف تقيمون البحث العلمي في البحرين؟ وماذا عن الأكاديمي والباحث والطالب البحريني؟
- بصراحة ووضوح ودون مجاملة، من خلال وجودي في البحرين لفترة 4 سنوات، لمست أثناء التحاقي بجامعة الخليج العربي، تميزاً في مجال التعليم بمملكة البحرين، ومن الأكيد أن هذا التميز مبني على رؤية البحرين 2030 في إعداد أجيال من المتعلمين والباحثين للمساهمة في نهضة المجتمع بشتى فروع التنمية فيه، وأرى أن هناك حب وإقبال على التعليم في مملكة البحرين، والدليل على ذلك أنه ربما تصل نسبة الأمية في البحرين إلى 0%، أي تكاد تكون منعدمة، والمؤشر الآخر الذي لاحظته هو رغبة مختلف الأجيال على مستوى البحرين، خصوصاً الخريجين في استكمال الدراسات العليا، وهذا مؤشر مهم، وربما لا يكون ذلك الأمر ظاهراً للكثيرين، حتى الجامعات الخاصة، يعتبر عددها كبيراً مقارنة بحجم سكان البحرين، ومن ثم فهناك إقبال وشغف ورغبة من المواطن البحريني لاستكمال الدراسة خاصة مرحلة البكالوريوس بصفة أساسية، ثم مرحلتي الدراسات العليا كالماجستير والدكتوراه، سواء على نفقته الخاصة، أو على نفقة وزارة التربية والتعليم أو الجهة المبتعثة، كما لمست شغفاً من المواطن البحريني وحب لاستكمال التعليم والتميز والتدرج في مستوى التعليم حتى الوصول إلى مرحلة الدكتوراه، وعلى سبيل المثال، أنا أنتمي إلى جامعة طنطا في جمهورية مصر العربية، وكان لدي 3 طلاب من البحرين يدرسون للحصول على درجة الدكتوراه، وهذا رقم كبير، بالنسبة للطلاب الأجانب في جامعة طنطا، مقارنة بحجم سكان مملكة البحرين، هذا بالإضافة إلى الأكاديميين الآخرين الراغبين في استكمال دراستهم العليا، وهذا مؤشر يدل على أن هناك رغبة وشغف في التفكير المستقبلي في تحسين المستوى المهني من خلال الحصول على درجات علمية كالماجستير والدكتوراه. وأنا أرى أن مملكة البحرين، من ضمن دول الخليج التي تتمتع بميزة نسبية في إعداد أجيال من الباحثين والأكاديميين على مستوى التعليم وعلى مستوى الفروع الأخرى مثل إدارة الأعمال وغيرها.
خبرات الباحثين
كيف يمكن أن تستفيد البحرين من أبنائها الباحثين؟
- لابد أن تتاح للحاصلين على الماجستير والدكتوراه، فرصة التطوير الميداني الذي يعمل فيه، ولابد من وضع الثقة للنجاح، فيمن يحمل رسائل الماجستير والدكتوراة، وأيضاً الدبلوم في الدراسات العليا، عن طريق تطوير فريق العمل الذي يبحث معه، ويصبح نواة للتطوير في دائرة العمل الخاصة به، لكي يشمل ذلك التطوير كل العاملين على مستوى البحرين، وبالتالي لابد من الاهتمام بنقاط التركيز، فمثلاً شخص ما حاصل على درجة علمية في الإدارة المدرسية، فيتم تكليفه بعمل رؤية حول الإطار الميداني الذي يخصه، مع زملائه الآخرين، وليس الاتجاه العكسي، أي يحصل الفرد على الماجستير والدكتوراة وتتم ترقيته مادياً وإدارياً فقط، دون أي إنجاز، وهي قضية تشغل بال الجميع، لأن الكفاءات والقدرات تختلف من شخص لآخر، فهناك شخص ما يحصل على رسالة الماجستير أو الدكتوراة، ولديه من الإبداعات والقدرات الخاصة، ما يؤهله لتطوير المجال الذي يعمل به، لذلك لابد أن نمنحه الثقة الكاملة، ونقوم بتحسين بيئة العمل والمناخ له، حتى يقبل التغيير، وهذه انطلاقة لنجاح اية دولة، لان الدولة لا تدار ولكن هناك قيادة للدولة، والقيادة وظيفتها تحسين الظروف، والمناخ الملائم للعمل، وليس فقط إدارة ألأموال واللوائح والسياسات، لذلك لابد أن نتبنى مفهوم القيادة، حتى تتحقق نهضة عملية بشكل موسع على كافة الأصعدة.
ما أكثر القضايا التي تشغل بال علماء التربية؟
- أعتقد أن أكبر القضايا التي تشغل بال الكثيرين، هو ضعف مستوى المعلم العربي، لأنه إذا كان مستوى إعداد وتدريب المعلم العربي فقير وضعيف، بالتالي المنتج سيكون ضعيفاً، مهما كانت هناك مناهج متطورة، ولإنتاج أجيال من المبدعين والمتميزين في العالم العربي، لابد من الاهتمام بإعداد المعلم وتكوينه وتدريبه، وفي هذا السياق، لابد من الإشارة إلى ضرورة اعتماد خطة تقوم على إعطاء رخصة للمعلم لمزاولة مهنة التدريس، أي يحصل المعلم بعد تخرجه على ترخيص لممارسة المهنة، استناداً لمعايير محلية ودولية خاصة، وليس بالضرورة كل من يتخرج من كليات التربية يصبح مدرساً أو معلماً للأجيال، ومن هنا لابد أن يعد المعلم إعداداً جيداً، ويتدرب تدريباً جيداً، حتى يتمكن من تخريج أجيال متميزة وواعدة، في جميع المستويات، وهذا ينطبق أيضاً على التعليم العالي، لأن المعلم الجامعي يقوم بإعداد الباحثين والأكاديميين، للعمل في مجالات مختلفة مثل الاقتصاد والسياسة، فالأجيال الضعيفة علمياً نتجت من عدم إعداد معلم قوي، ولابد أن نتبنى رؤية وطنية كبرى ونافذة، لإعداد وتدريب المعلمين على مستوى العالم العربي، وإذا فكرنا في تدريب وإعداد المعلمين، سوف ننشر ثقافة البحث العلمي في المدارس والجامعات، لأن مشكلتنا أن المعلم في مدارس العالم العربي يمارس ما يعرف بـ «تعليب» الأفكار من خلال الدروس اليومية الجاهزة، وبعد مرور 40 دقيقة من التدريس خلال الحصة الدراسية، يخرج المعلم من محاضرته لتلاميذه وطلابه، دون تشكيل أي تغيير وتطوير لديهم، فلابد أن يكون المعلم مؤمناً بقدراته، ولديه من الإمكانيات التي تتيح الفرصة للتعامل مع اختلافات متعددة بين الطلاب، وقادر على إجراء بحوث خاصة بالتطوير الذاتي والتدريب والتطوير المهني بصفة مستمرة، وبالتالي أننا نريد أن نمكن المعلم في المقام الأول لكي نخرج أجيال متمكنة من خدمة المجتمع.