كان بالأمس نبضة بين الأحشاء وكان فرحة ما بعدها فرحة وجاء الغالي الذي أدخلني عالماً لا المدارس ولا الجامعات تعطيني هذه المرتبة والشرف ألا وهي الأمومة، أدخلني عالماً كبيراً في معناه وفحواه وجعل من اسمه كنية لي وجزءاً لا يتجزأ مني “أم أحمد”. كبر أحمد سنة وبعدها سنة أخرى وبدأ هذا الشاب يكبر ويأخذ جزءاً كبيراً من حياتي بأخلاقه وهدوئه وأدبه، لم يكن كثير الكلام ولم يكن من النوع الفضولي كان محبوباً من الجميع ويحترم الآخرين وهذه شهادة العالم فيه البعيد قبل القريب لأن شهادتي أنا مجروحه فيه. أنا لا أقول إنه كامل وليس به عيوب، كانت أخطاؤه بسيطة، حياته قنوعة، كنت كأم راضية عنه كل الرضا. كبر فلذة كبدي وتخرج وبدأ يعمل وآآآه ليته لم يكبر، ليته لم يتخرج، وليته لم يخرج للعالم أيعقل بعد 19 عاماً من عمره وعمري معه بلحظاتها الحلوة ولحظاتها الحزينة وفجأة ودون سابق إنذار يخرج وتكون هذه الطلعة التي ليس بعدها رجعة ليس بعدها نظرة لعينيه ولا لمة لحضنه الدافئ ولا جلسة من جلساتنا أنا معه. آآآآه من هذا الزمان وآآآه من قسوته عليَ يأتي وبكل برود خبر من وراء الباب من أشخاص لا تمدك بهم أية صلة قرابة ويقولون لك إن أغلى البشر وأعز الناس وقطعة منك بأنه رحل أي مات وأصبح في عالم الأموات، في عالم كل البعد عن عالمك الحالي. ذهب عنك بلا عودة ولا رجوع، آآآآآآآه تقطعت حبال أفكاري وتشتت عالمي وتبعثرت لأشلاء لم أعد أستطيع ألملم حالي. رحل القلب الحنون، رحل الابن البار، رحل بكري وفلذة قلبي، رحل بكل معنى للرحيل ليس بغربة أتمنى فيها رجوعه، ولا سفر أنتظره في ممرات المطار كي أخذه بالأحضان لا وألف لا رحل في أحضان القبر تحت التراب المكان الذي لا أستطيع الوصول إليه سوى بدعائي له ورضاي عليه. وكلي يقين إنه عند رب البشر خالقه الذي أرحم به عليه حتى مني أنا كان الفراق صعباً صعباً للغاية لم يكن مريضاً كي أقول إن الله رحمه من العذاب والألم ولم يكن ابناً عاقاً كي أبرر بأن ربي رحيم بي أنا، إنما كان شاباً يافعاً هم بالخروج ولم أكن أعلم بأن لا رجعة له موت الفجأة أو موت الحوادث سبب ولكنه هو الموت البطيء بالنسبة للوالدين. مجرد انتظاره ومحاولة إقناع نفسك ولو للحظات بالرجوع هذا هو الموت بعينه لكن لا مجال للوهم ولا للخيال هذا الواقع واليقين. رحلت يا أغلى ناسي وتركت الدمع والألم وآآآهات بين الضلوع ولكن لا نستطيع إلا أن نقول إنا لله وإنا إليه لراجعون. أم أحمد