^   مناقشات طويلة ومحاولات لتحليل الأوضاع التي تمر فيها البلاد شهدتها قبل أيام قال في جانب منها أحد الحاضرين إنه يعتقد أنَّ على الحكومة أنْ تتعامل مع ما يحدث بحزم أكبر وأن تضربَ بيدٍ من حديد، وتعاقب كل من تسوّل له نفسه الإساءة إلى الآخرين وإلى الوطن، مبيناً أنه يرى أنَّ معالجة الحكومة للأزمة أقرب إلى اللطافة، فهي حكومة لطيفة وأنها لو تعاملت منذ البداية، مع هذا الذي حدث ويحدث بشدة لما آلت الأمور إلى ما هي عليه اليوم. للتوضيح فقط، فإنَّ من قال هذا الكلام ليس من أهل السُنة ولكنه شيعي أباً عن جد، وهو ليس “بلطجياً” كما يحلو للبعض إطلاق هذه التسمية البعيدة عن واقعنا وثقافتنا على كل من يقول كلمة حق تستفيد منها الحكومة بشكل أو بآخر، فهذا الذي قال هذا الكلام لفت إلى أنه وغيره من الناس سواء من المواطنين أو المقيمين تتعطل حياتهم يومياً ويتضررون بسبب ما وصفها بحماقة شباب صغير لا يدرك ما يراد منه، ولو أنه يدرك ما يقوم به من أفعال. من ضمن الأمور التي نبّه إليها هذا المُحاور أنَّ رئيس وزراء بريطانيا تمكّن من وقف الانفلات في بلاده أيام الفوضى التي انتشرت قبل زمن قصير، لأنه كان حازماً واهتم بأمرين اثنين لا ثالث لهما، الأول أنه قال إنَّ الذي يرفع الحجر ويضرب ولديه القدرة على إلحاق الأذى بالآخرين، تتم معاقبته ويطبق عليه قانون العقوبات، حتى وإنْ كان القانون لا يغطي عمره، أي أنَّ عمره أقل من أعمار الذين يشملهم القانون، والثاني هو أنه جمّد كل القوانين والمبادئ التي صادقت عليها بريطانيا، وعطَّل كل علاقة لها مع المنظمات الدولية، وقال لها ببساطة بما معناه “سامحونا لأنَّ البلد ستضيع من يدنا”. لكن، أليس رئيس وزراء البحرين حازماً ؟، أليس صاحب السمو الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة من القادة المعروف عنهم الحزم في المواقف التي تتطلب الحزم؟، الجواب هو نعم، فلماذا إذن لم تُحل المشكلة في البحرين رغم مرور أكثر من عام على اشتعالها، بينما انتهت في بريطانيا في أيام معدودات؟ أما الجواب عن هذا السؤال المهم فهو أنَّ البحرين كدولة حرصت أولاً على الالتزام بمختلف المعاهدات والقوانين المتعلقة بحقوق الإنسان، ولم تلجأ إلى الاستثناءات إلا في الحدود الضيقة، ورأت أنْ تعالج الأمور بحكمة الرجل الكبير الذي يعتبر من قام ويقوم بتلك الأفعال الخاطئة هم أبناؤه، وهذا ما ظلَّ سمو رئيس الوزراء يردده باستمرار، حيث لفت سموه في الكثير من المناسبات التي يلتقي فيها المسؤولون والمفكرون والإعلاميون وغيرهم من المواطنين، أنَّ قيادة البحرين حرصت على التعامل -مع هؤلاء الذين يقومون بالتخريب وإلحاق الأذى بالناس وبالوطن- تعامل الأب مع أبنائه الصغار، الذين يحتاجون إلى النصيحة أكثر من حاجتهم إلى العقاب والعنف -على طريقة كاميرون-. طريقة إدارة الحكومة للمشكلة إذن طريقة حضارية، حرصت خلالها على الالتزام بهامش القانون والأعراف الدولية بدل انتهاج طريقة كاميرون، ولعلَّ هذه المعالجة الحكيمة هي التي أدت إلى كشف الكثير من الأوراق وفضح الكثير من الجهات، التي بدل أنْ تستفيد من أجواء الحكمة التي تيسّرت، اعتبرتها ضعفاً فسعت إلى استغلالها وأسهمت في كشف مآربها، التي ما عادت مستترة وصار يجهر بها في كل حين. ما قاله ذلك المُحاور ويقوله كثيرون ينطلقون فيه من باب الغيرة على الوطن ومن باب الأماني أن تنتهي هذه المرحلة وتعود البحرين كما كانت، وإلا فإنهم وغيرهم يعلمون أنَّ سياسة القيادة والحكومة في البحرين هي الابتعاد عن العنف، والسعي إلى حلِّ المشكلات بالحكمة والموعظة الحسنة.