^  نحن في وقت يستلزم علينا ترتيب أولوياتنا وتحديد القضايا التي تستوجب أنْ نركز عليها، حتى نخرج من دائرة الاستهداف التاريخي من إيران، وحليفاتها في المنطقة وطابورها الخامس الذي لم يهدأ منذ فشل مخططه الإجرامي، نحن بحاجة إلى أنْ ندرك أنَّ هناك أموراً سطحية لا يمكن الالتفات لها في أوقات حرجة كالتي نمر بها الآن. المشهد السياسي في الخليج العربي بل وفي الوطن العربي مشهد مرعب، يأتي لنا بمعلومات وأحداث يومية تجعلنا نشعر نحن الشعوب وكأننا على صفيح ساخن وساخن جداً قد يحرقنا إذا ما التفتنا إلى حقيقة ما يحدث، وإذا ما استطعنا تعريف من هم أعداؤنا وما هي قوتهم وكيف لنا أنْ نواجههم!! إذا انشغلنا بمشاغلنا الداخلية، فإنَّ ذلك يعني أننا نعود لمرحلة السبات مرة أخرى، ولكن بإيقاع بطيء لا يتناسب مع الإيقاع المتسارع للأحداث ومع الخطط المستمرة لأعدائنا. إذا انشغلنا بأبسط اختلافاتنا ولم نضعها جانباً، حباً في البحرين وخوفاً من الشامتين ومن استغلالهم لاختلافاتنا، فإنَّ ذلك من شأنه أنْ يضعفنا أكثر وأكثر! وإذا ضخمنا الأمور وصعّدناها تصعيداً خطيراً وهي لا تستحق، فإننا نجعل من أنفسنا أضحوكة للأعداء، لأننا بدلاً من أنْ نردعهم ونضع لهم حداً أصبحنا نتراشق بكلمات غير لائقة! إذا كانت جلّ اهتماماتنا مادية بحتة وانتقامية بالدرجة الأولى، فإننا نرسل رسالة واضحة وصريحة للخارج، بأننا قوم من السهل إلهاؤنا بتوافه الأمور ومن السهل التخطيط للقضاء علينا وشراء ضمائر الخونة ! انشغالنا الأوحد يجب أنْ ينصبّ في الكيفية التي نستطيع من خلالها تضميد جرح وطننا الغالي، يجب أنْ ندرك المفاهيم التي تعكس حب الوطن بشكلها الصحيح وليس بتردديها في احتفاليات ومهرجانات شعر لا تنتهي بمناسبة وبدون مناسبة. الحب الحقيقي للوطن يعني أنْ تكون لدينا ثقافة الإخلاص والوفاء لتراب الوطن، وثقافة المسؤولية الاجتماعية، وثقافة الأمانة والمحافظة على الأموال العامة، بدلاً من صرف ملايين الدنانير على فعاليات لم نكسب منها إلا “الشو” مع زفرات الحسرة لكثير من المواطنين، الذين يتمنون لو تصرف هذه الملايين وتستثمر في أماكنها الصحيحة، حتى ينعم المواطن بحقوقه كاملة. الحب الحقيقي للوطن يعني أنْ تكون هناك ثقافة للحوارالمحترم الذي يعي كل طرف فيه أنه من حق الطرف الآخر عدم الاتفاق معه، وأنَّ مسألة الاختلاف في وجهات النظر لا تعني بالضرورة عدم الاحترام، بل قد تعني أن كلاً منهما يرى الموضوع من زاوية مختلفة. لستُ هنا بصدد تحليل ما حدث بين وزيرة الثقافة وأعضاء مجلس النواب، ولن أطلق حكماً قبل أنْ أعرف تفاصيل أكثر عن حقيقة ما حدث، لكنني أؤمن بشكل كبير أنَّ أيّ مشكلة في الدنيا لابدّ أنْ يشترك فيها جميع أطرافها في تكوين أسباب حدوثها -وإن اختلفت نسبة كل طرف من الآخر-، وأنَّ لكل فعل ردّ فعل مساوياً له في المقدار ومضاداً له في الاتجاه، وأنَّ الخطأ يجرّ خطأ أكبر منه، وأنَّ المشكلات إذا تُركت دون حلول ستتفاقم حتى تصل إلى أزمة كبيرة تهزُّ جميع الأطراف ومن يتبع تلك الأطراف، وستؤثر على المدى البعيد تأثيراً عميقاً لتعقد التفاصيل وتزيد من بطء الآلية، التي من المفترض أن تضع حلولاً واقعية وجذرية، ولعلَّ ذلك هو السبب الرئيس للكثير من مشكلات مجتمعنا البحريني، التي بدت تطفو على السطح بعد أزمة 14 فبراير 2011، وكأنَّ هذه الأزمة هي “المطرقة” التي هزت أرجاء وطننا لتظهر المشكلات الحقيقية، التي تعاني منها البحرين، والتي استغلها الخونة استغلالاً بشعاً للنيل منه. هذه الأزمة أظهرت -ومازالت- بواطن العديد من المسؤولين وأسقطت أقنعة الكثيرين وكشفت الفاسدين! أكتب اليوم لأشدد على نقطة أساسية -كوني مواطنة بحرينية أولاً وأخيراً- وهي أنه بعد ما يزيد على عام من أزمة البحرين مازالت حالات القلق والترقب تجتاح كل مواطن فقد الأمن والاستقرار فجأة، مازالت هناك أمورٌ عديدة -في تزايد- تسهم في خلق أجواء متوترة ومشحونة بين أبناء الشعب الواحد دون وجود حقيقي لحل يوقف كل ذلك! مازالت حالة الاستهجان موجودة بين قطاع كبير من أبناء البحرين لطريقة التعامل مع الإرهابيين، الذين أقلقوا منامنا وقطعوا شوارع مملكتنا وعطلوا حياتنا دون رادع!! مازال هناك سأم من التصريحات المتكررة التي لا تسمن ولا تغني من جوع! مازال الضغط النفسي سائداً في المجتمع البحريني مما أفرز قصصاً من المشاحنات بين المواطنين والمسؤولين! نحن -كمواطنين- أيضاً نرى ما لا يراه بعض المسؤولين، نحن نرى حالة من اللاتوازن وصعوبة التعايش مع كل هذه الأجواء السلبية! نحن نرى خللاً في التعامل مع الأزمة أمنياً وإعلامياً! نرى حالة من اصطناع الأجواء الآمنة، يقوم بها البعض في محاولة لتطويع الظروف العنيدة، وإقناع الغير أنَّ البحرين تخطّت الأزمة! في حين أنَّ كل ذلك عبارة عن “تركيد” مؤقت لمشكلات قديمة وحالية أوجدت حالة من الضبابية على المستقبل والله المستعان. آخر السطور ... «من يأبى اليوم قبول النصيحة التي لا تكلفه شيئاً فسوف يضطر في الغد إلى شراء الأسف بأغلى سعر” (أفلاطون)