^ منذ تسلمها حقيبة الإعلام ومن ثم وزارة الثقافة وهي تثير الجدل في الأوساط الشعبية والإعلامية والبرلمانية وقد تصاعد هذا الجدل وكبر مثل كرة الثلج مع قيام وزارتها بتنفيذ عدد من الفعّاليات الثقافية التي اعتبرها البعض دخيلة على مجتمعنا الذي يوصف بأنه مجتمعاً محافظاً؛ ونتيجة لذلك، فإن مثل هذه الفعّاليات من وجهة نظر هؤلاء لا تتناغم ولا تنسجم مع الهوية الثقافية للمجتمع البحريني التي يشكل الدين الإسلامي أحد أعمدتها الرئيسة، كما إنها في الوقت ذاته -أي الفعّاليات- مخالفة للعادات والتقاليد العربية الأصيلة التي يعتز بها مجتمع البحرين. من هنا بدأت المعركة بين الفريقين، فريق يؤمن بعدم وضع قيود على الثقافة من منطلق أن الثقافة لا تنمو ولا تزدهر إلا في أجواء الحرية وفي الهواء الطلق، أما الفريق الآخر فيرى أنه مع الثقافة التي لا تصطدم مع خصائص ثقافتنا العربية الإسلامية ولذا فإن البون شاسع بين الفريقين. ونتيجة لهذا التباين الواضح بين الفريقين جاء ربيع الثقافة ليدفع بهذا الجدل إلى واجهة المشهد الإعلامي الذي سرعان ما انتقل إلى واجهة المشهد البرلماني حيث وجد الإسلاميون فرصتهم في تصفية حسابهم مع وزيرة الثقافة التي لا تنتمي إلى فكرهم ولا تتقاطع مع ثقافتهم، وبذلك تحولت ساحة المعركة من الفضاء الإعلامي إلى ساحة البرلمان حيث صعد الإسلاميون من مواجهتهم لهذه الفعّاليات وكان من الطبيعي جداً أن يصطدم الإثنين -أقصد الشيخة مي كونها المسؤولة عن الثقافة، والنواب الإسلاميون المدافعون عن الهوية الثقافية- ذلك لأنهما يسيران على خطين متوازيين لا يمكن أن يلتقيا؛ فكل منهما لا يؤمن بفكر الآخر، بل إنه يحاول أن يفرض رؤيته على الآخر وكانت النتيجة الحتمية والمتوقعة لمثل هذا التباين في الرؤى هو الصدام وهذا ما حصل بينهما في جلسة الثالث من أبريل الجاري حينما ألقى النائب محمد العمادي كلمته التي وجهها إلى الشيخة مي بنت محمد وضمنها نقداً لاذعاً لفعاليات ربيع الثقافة وكانت هذه الكلمة بمثابة الشرارة التي فجرت الموقف بينهما، حيث استفزتها فألهبت مشاعر الغضب لديها وأخرجتها عن طورها، وحملتها على الانزلاق في مطب كان يمكن أن تتجنبه لو أنها استطاعت أن تتحكم في مشاعرها وتختار من الألفاظ المناسبة التي تعبر بها عن رأيها، وتدافع عن موقفها انطلاقاً من مبدأ الرأي والرأي الآخر. لكن يبدو أن الموقف كان أكبر من ذلك والشحن النفسي الذي تعرضت له أثناء الجلسة جعلها تفقد سيطرتها وتستعير لفظاً من قاموس من يسمون أنفسهم “بالمعارضة” . وقد عبر هؤلاء عن فرحتهم (شماتتهم) في مواقعهم الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي وذهبوا في تغريداتهم في هذا الاتجاه إلى القول: صحيح أن “المجلس بدون أعضاء كتلة الوفاق لا يساوي شيئاً”. وهي بذلك ساهمت -من دون أن تقصدـ في تعزيز ادعاءات “المعارضة” التي تزعم بأن المجلس بدونها لا يساوي شيئاً. وأعطتهم الفرصة للتصيد في الماء العكر. وإذا كنا نعتب على الوزيرة على موقفها تحت قبة البرلمان إلا أننا في الوقت ذاته نكن لها كل الاحترام والتقدير على ما قامت به من جهود سواء على المستوى العمل التطوعي أو على المستوى العمل الحكومي في سبيل إعلاء شأن الثقافة البحرينية والارتقاء بها، ونشرها في المحافل الدولية. كما إننا نعتب أيضاً على بعض أعضاء مجلس النواب الذين ثارت ثائرتهم على وزيرة الثقافة وراحوا يتلفظون عليها بعبارات لا يجب أن تقال في حقها كسيدة ووزيرة حتى وإن هي استفزتهم فالأعراف البرلمانية وقبلها أخلاق البحرينيين لا تقر مثل هذه التصرفات ولا تقبلها. ولذلك يفترض على النواب الكرام ألا ينجرفوا وراء مواقفهم المسبقة حيال فعاليات ربيع الثقافة وأن يبنوا مواقفهم على أساس مناقشة السياسة الثقافية التي تنتهجها الوزارة بشكل عام والأهداف التي ترنو إليها، ومدى مساهمتها في تحقيق التنمية الثقافية التي تنسجم مع المشروع الإصلاحي الذي يؤكد أهمية إبراز الإبداعات البحرينية، وإفساح المجال أمامها لتنطلق في أجواء الحرية المسؤولة ويدعو إلى المحافظة على التراث البحريني، وأن يتم ذلك وفقاً للأدوات الدستورية التي يمنحهم إياها الدستور واللائحة الداخلية للمجلس. في ظني أن ما جرى في الجلسة الأخيرة لمجلس النواب يرجع إلى تمسك كل طرف بوجهة نظره التي يحملها عن الآخر وهما يمثلان مدرستين مختلفتين للثقافة كل منها تؤمن بتعريف محدد لمفهوم للثقافة وهما متعاكسان الأمر الذي ولد عدم الثقة بالآخر وهو ما أدى في النهاية إلى نشوب معركة بينهما كانت ساحتها قاعة البرلمان وحاول كل طرف أن يكون المنتصر فيها. لكن السؤال المهم الذي نطرحه في هذا السياق هو: من هو المنتصر في هذه المعركة؟ الجواب ستكشفه الأيام القادمة