تجهد الحاجة آمنة في دعوة ابنها بدر لتناول شيء من الهريس واللقيمات، من على مائدة الإفطار، لكنه لا يستجيب. وعبثا تحاول رباب علي اقناع ابنتها خديجة بتناول شيء من "الساقو" فهي ترغب عنه إلى درجة القرف، وتبدي بتول السيد استياءها لأبناءها لعدم تناولهم شيئا من صنع يديها، لكهنم لا يستجيبون!.
الأمّهات يجهدن في تقديم هذه الأصناف من الأكلات الشعبية، والأبناء يرفضنها ولا يجدن فيها سوى وجبات أكل الدهر عليها وشرب، بعضهم لا يتردّد في وصمها بكل قبيح، وآخرين يتعللون بسعراتها الحرارية العالية.
آمنة أم بدر مثلا تستغرب أشد استغراب لعدم اقبال أبنائها على هذه النوعية من الأكلات، "أتفنن في صنع الأكلات الشعبية، وأحاول ما أمكنني أن أعرض لهم ما يرغبهم فيها، لكنهم يرفضنها! أمر مدهش، لا أعلم هل العيب في طريقة الطهي أم في الأكلات نفسها! مع انها شهية جدا، وصحية وأفضل ألف مرّة من وجبات المطاعم!".
أم بدر لا تخفي استياءها من سلوك أبنائها وتنقل صورة مضحكة، "أهيّء السفرة قبل مدفع الافطار بمدّة، وكلّ ذلك رعاية لزوجي وأبنائي، وكل عيني عليهم وعلى حاجتهم للأكل، ثم أفاجأ بأحدهم ينظر نظرة جانبية للهريس و"القيمات" ويتأفّف، ولا يحشمني وزوجي، ويطلب إحدى الوجبات السريعة"!.
أما الأمر المختلف بالنسبة لرباب علي فهو أن أبناءها وبناتها يبدون اعجابهم بمهارتها في الطبخ، لدرجة المباهاة بها مع الأهل والأصدقاء، لكنهم يتأففون ضجرا عندما تعرض شيئا من الأكلات الشعبية التي تصنعها يدها الماهرة، "ابنتي خديجة مثلا لا أطهو شيئا الا وبدى الاعجاب واضحا عليها، حتى صديقاتها لا يتناولن شيئا من يدي إلا وتناثرت علي كلمات المديح، لكنّ الأمر يختلف مع الأكلات الشعبية!، أجتهد فيها كثيرا فتحضيرها متعب بالفعل، وأتمنى أن يقبلوا عليها ولو مرّة واحدة عن خاطري، لكنهم لا يحشموني لدرجة أنهم يتركون المائدة".
الأمر المدهش بالنسبة لرباب أن الجيران يترقبن متى تزورهن وتهديهن شيئا من أكلات شهر رمضان الشعبية! لكنها تجد في ذلك شيء من العزاء لها.
بتول السيد هي الأخرى، تعلمت منذ طفولتها أن تخدم بيتها وأبناءها وبناتها، ومن ضمن ما تعلمته طهي الأكلات الشعبية، لذلك تجد في شهر رمضان فرصة لاستعراض مهارتها في الطبخ، لكن بناتها يختلفن عنها، "ماهرات في الطبخ لاشك في ذلك، ولهنّ نفس مميز، لكنهن لا يرغبن أبدا في تعلم طبخ الأكلات الشعبية!، بل انهن يبدين استياءهن عندما يجدنها على مائدة الافطار".
وعندما تسأل بتول بناتها عن السبب، يجبنها أنها أكلات مليئة بالسعرات الحرارية، ولا تناسب رجيمهن، "الغريب في الأمر أنهن لا يتوقفن عن صنع الحلويات ولا يتوقفهن عن التهامها"!.