في سياق مشاركتها للمرّة الثّالثة على التّوالي في معرض العمارة الدّوليّ الرّابع عشر بمدينة فينيسيا بالجمهوريّة الإيطاليّة، أصدرت وزارة الثّقافة كتاب (مختارات من عمارة العالم العربيّ 1914 - 2014م)، الذي يرصد 100 عامٍ من الحداثة للمنطقة العربيّة من الخليج إلى المحيط، ويقدّم مادّة بحثيّة هامّة لمعاينة التّحوّلات العمرانيّة في دول الوطن العربيّ. ويشكّل مضمون هذا الكتاب في بحوثه ومقالاته دراسة متعمّقة للعلاقة ما بين النّسج المدنيّ لتلك المنطقة والمستعمرات الأوروبيّة، مؤدّيًا في قراءاته وتحليلاته إلى الشّكل العمرانيّ اللّاحق للدّول بما شكّله من انصهارٍ ما بين الحضارات وانفتاح إلى العالم، إلى جانب رصده للطّارئ الذي فرضته التّغيّرات السّياسيّة والحِراك الاقتصاديّ وما طرأ على تركيبة المجتمعات المدنيّة.

يجمع الكتاب مضمونًا غنيًّا وثريًّا لمائة معمارٍ بكلّ التّفاصيل والرّسوم الهندسيّة من مختلف أنحاء الوطن العربيّ، والتي صُمّمَت ونُفّذت في الفترة ما بين 1914م وحتّى 2014م. وتتوقّف تلك التّصاميم الهندسيّة والمعمار العربيّ على مفاصل تاريخيّة مهمّة من عمر العمارة، وما شكّلته من قيمة تاريخيّة وإنسانيّة أثّرت وتأثّرت بالتّحوّلات السّياسيّة والاقتصاديّة والمعيشيّة. كلّ ذلك تمّ تقديمه ورصده من خلال 7 مقالات وأوراق بحثيّة مختلفة تشكّل المحتوى العلميّ لمادّة الكتاب، ويطرح كلّ واحدٍ منها لمحة تاريخيّة عن تطوّر العمران في الوطن العربيّ بحسب التّقسيمات الجغرافيّة للمنطقة، وتشمل: العراق، شبه الجزيرة العربيّة، مصر، بلاد الشّام، شمال القارّة الأفريقيّة العربيّ وجنوب القارّة الأفريقيّة العربيّ. ويُرفِق الكتاب في كلّ مبحث مجموعة من الوثائق لأهمّ المعالم المعماريّة في تلك المنطقة خلال الفترة من 1914م وحتّى 2014م.

هذا الإصدار الوثائقيّ يشكّل توثيقًا وأرشفةً لتاريخ حداثة العمران في المنطقة العربيّة، وهو لا يبحث عن سيرة شخوصٍ بعينهم، بل ينتقي المعمار على مدى تلك المئويّة ويستقرئ أثرها ويفسّر دورها الاجتماعيّ وعلاقتها بالظرّوف المحيطة. وقد شكّل الكتاب دورًا مساندًا للمركز العربيّ للعمارة (ACA) في تشكيل قاعدته المعلوماتيّة وتأريخ تلك الحقبة بالموازاة مع بينالي فينيسيا الذي خصّص موضوعه هذا العام حول (استيعاب الحداثة في الفترة ما بين 1914– 2014م). وقد أُتيحت الفرصة لاقتناء هذا البحث الموسّع من خلال جناح مملكة البحرين في معرض العمارة الدّوليّ الرّابع عشر بفينيسيا، وكذلك من خلال القاعدة المعلوماتيّة الإلكترونيّة للمركز العربيّ للعمارة.

الجدير بالذّكر أنّ تجربة مشاركة البحرين لهذا العام في بينالي فينيسيا قد صنعت مفارقة من خلال نقل قراءة موسّعة لكلّ الوطن العربيّ، في تعريف للعالم بالهويّة المكانيّة في المنطقة العربيّة، وعلاقة الدّول بمختلف دول العالم والتي وثّق لها العمران. حيث جسّد جناح مملكة البحرين (Fundamentalists and Other Arab Modernisms) رحلة اكتشاف وتعمّق في خارطة المعمار والعلاقات ما بين: المستعمرات والوصايات الأوروبيّة على المنطقة، الهويّة الأصيلة والحداثة المعماريّة، في محاولةٍ لمعاينة تلك التّقاطعات وأثرها على الأنماط التّصميميّة والعمرانيّة. بالإضافة إلى ذلك، يستشفّ المعرض كيف أثّرت كلّ تلك المتغيّرات بالنّسبة للمنطقة على إرث مشروع القوميّة العربيّة.