مضى 18 عاما منذ أن صعدت ألمانيا إلى الدرجة الاولى على منصة التتويج في البطولات الكبرى لكن التاريخ قرر أن يكرر نفسه وهذه المرة على أعظم مسرح ممكن لأي منتخب أن يحلم به.
في ملعب "ماراكانا" الاسطوري وبفضل بديل آخر بشخص ماريو جوتزه الذي فرض نفسه بطلا قوميا بعد ان قاد "ناسيونال مانشافات" الى لقب بطل العالم للمرة الاولى منذ 1990 والرابعة في تاريخه.
في ذلك اليوم الواقع في يونيو 1996 قرر مدرب الماني بيرتي فوغتس المراهنة على اوليفر بيرهوف، المدير الحالي للمنتخب، فزج به في الدقيقة 69 من المباراة النهائية لكأس اوروبا ضد تشيكيا عندما كانت الاخيرة متقدمة بهدف سجله باتريك بيرجر في الدقيقة 59 من ركلة جزاء.
وكان بيرهوف عند حسن ظنه فادرك التعادل لبلاده في الدقيقة 73 وجر الفريقين الى التمديد قبل ان يضرب مجددا في الدقيقة 95 بتسجيله الهدف الاول في بطولة لمنتخبات الكبار بالموت الفجائي، وحينها كانت المباراة على ملعب اسطوري اخر على بعد الاف الاميال من ريو دي جانيرو وهو "ويمبلي" في العاصمة الانكليزية لندن.
وبعد 18 عاما، تكرر السيناريو ذاته والبطل كان جوتزه الذي وجد نفسه على مقاعد الاحتياط في ثلاث من اصل سبع مباريات خاضتها بلاده في النسخة العشرين بعدما قرر المدرب يواكيم لوف الاعتماد على خبرة المخضرم ميروسلاف كلوزه (شارك جوتزه اساسيا ضد غانا والبرتغال في الدور الاول والجزائر في الدور الثاني).
لكن لوف قرر المغامرة به في موقعة النهائي ضد الارجنتين قبل دقيقتين على نهاية الوقت الاصلي بدلا من كلوزه بالذات، فكان مهاجم بايرن ميونخ الحالي وبوروسيا دورتموند السابق عند حسن ظن مدربه وسجل هدف الفوز لبلاده.
صحيح ان قاعدة الهدف الفجائي قد الغيت لكن هدف جوتزه كان قاتلا لانه جاء في الدقيقة 113 اي قبل ثلاث دقائق من الهدف الذي سجله اندريس انييستا لاسبانيا في نهائي 2010 ضد هولندا (1-صفر ايضا) في نهائي مونديال جنوب افريقيا 2010.
ويأتي الهدف الذي سجله جوتزه (22 عاما) لكي يؤكد علو كعب هذا اللاعب الذي عانى في موسمه الاول مع العملاق بايرن ميونخ بعد ان كان "سيد" بوروسيا دورتموند ومعبود الجماهير منذ ترفيعه الى الفريق الاول عام 2009.
جوتزه الذي وصف في السابق انه موهبة القرن، لاعب فريد من نوعه رغم معاناته في فرض نفسه في تشكيلة بلاده لنهائيات البرازيل 2014، وهذا ما تؤكده الارقام والاحصائيات ايضا.
ففي نوفمبر 2010 احتفل وهو في الثامنة عشرة بمباراته الدولية الاولى امام السويد ليكون بذلك اصغر لاعب دولي الماني منذ الاسطورة أوفي سيلر عام 1954.
وفي سبتمبر 2011، نجح هذا اللاعب الموهوب الذي يمكنه ان يشغل جميع المراكز في الهجوم، وخلال مباراة ضد النمسا في تسجيل هدفه الاول ليصبح وقتها اصغر لاعب في المنتخب الالماني يهز الشباك في مباراة رسمية.
رحل جوتزه الذي ولد في مقاطعة بافاريا وعلى بعد 120 كلم من ميونخ، في سن السادسة الى مدينة دورتموند عندما بدأ والده العمل هناك كمدرس. وسرعان ما صنع لنفسه اسما في مدرسة تكوين بوروسيا دورتموند والمنتخبات الوطنية للناشئين.
في عام 2009 قاد منتخب تحت 17 سنة للفوز باللقب الاوروبي، ثم توج بعدها عامي 2009 و2010 بميدالية فريتز فالتر الذهبية التي تتوج أفضل لاعب ناشىء على مستوى فئته العمرية.
شهد مشوار هذا اللاعب الفذ بعد ذلك صعودا قويا. فمع دورتموند، احرز جوتزه الدوري الالماني مرتين والكأس الالمانية مرة واحدة وكان من ابرز وجوه اللعب الهجومي السريع الذي تألق من خلاله فريق المدرب يورجن كلوب.
لفت جوتزه بمستواه الرائع انظار العملاق بايرن ميونخ الذي اضطر في 2013 لدفع 37 مليون يورو لكي يخطف خدماته من دورتموند، وهو ساهم باحراز النادي البافاري لقب الدوري الموسم الماضي والكأس ايضا اضافة الى كأس السوبر الاوروبية وكأس العالم للاندية عام 2013، لكنه لم يصل حتى الان الى المستوى الذي كان عليه في صفوف فريقه السابق في ظل وجود نجوم كبار مثل الهولندي اريين روبن والفرنسي فرانك ريبيري، لكن الفرصة ستتاح لامامه لكي يتألق مجددا في ظل رحيل الكرواتي ماريو ماندزوكيتش الى اتلتيكو مدريد الاسباني.
يقول اسطورة كرة القدم الالمانية فرانتس بكنباور عن جوتزه "انه ينتمي الى اللاعبين المتكاملين" ووصفه ب"لاعب بالفطرة على غرار (الارجنتيني ليونيل) ميسي" خصمه في مباراة اليوم.
ويضاف "القيصر": "انه يملك نفس المؤهلات من حيث الفنيات وفهم اسلوب اللعب"، في حين يؤكد مدرب المنتخب يواكين لوف انه سعيد "كون بامكاني ان اعول على لاعب خارق مثله".
ورد جوتزه بتواضع كبير "انا سعيد جدا كون بكنباور قارنني بميسي، لكنني بعيد عن مستوى النجم الارجنتيني. عندما ارى ما حققه، انه الجنون! انه قدوة بالنسبة لي".
صحيح ان جوتزه ليس بمستوى ميسي ولا يملك فنيات نجم برشلونة الاسباني لكن هو من وضع المانيا على خارطة الالقاب مجددا بمنحها لقبها الاول منذ 1996 والرابع لها في كأس العالم بعد 1954 و1974 و1990، فيما سيضطر "البعوضة" الى اختبار حظوظه مجددا في روسيا 2018 على امل ان يضيف هذا اللقب الى سجله الرائع مع برشلونة الاسباني.