الواضح أن عقول ساستنا أصبحت مركزة في أمور ومسائل هذا ليس وقتها، والأجدر أن يبدؤوا التفكير بدقة وأفق واسع شامل في منهاج العمل الوطني في المرحلة المقبلة لدى كافة القطاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا التفكير ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار على أساس أنه مسؤولية جماعية مشتركة بين جميع الفعاليات ترسيخاً لقواعد وطنية شاملة ببعديها التنموي والاجتماعي وتحقيقاً لطفرة ملموسة في مستوى معيشة الفرد ورفع كفاءة الإنتاج والخدمات.

وكذلك لا بد من مراجعة تجارب المرحلة السابقة على جميع الأصعدة وما تحقق على ضوء هذه التجارب من إنجازات وإعادة النظر في عدد من المعطيات التي ثبت عجزها عن التطور أو قصورها عن تلبية الاحتياجات والمتطلبات، فالماضي ليس كله صحيحاً كما إنه ليس كله خطأ.

نقول ذلك لأننا أمام منعطف تاريخي مليء بالتحديات وانعكاسات أوضاع اقتصادية سياسية سيكون لها حتماً تأثير مباشر على كل فرد في هذه البلد. والتفكير في المرحلة المقبلة يتطلب رفع بعض الأعباء عن كاهل الدولة لتتفرغ لمسؤوليات أساسية تواصل من خلالها دورها البارز في التنمية الاقتصادية والبشرية والاجتماعية وتقف على أرض صلبة أمام التحديات المقبلة التي لا يملك أي شخص أن يتجاهلها أو يقلل من أهميتها وخاصة أننا الآن نمر بمرحلة شهدت عجزاً وتشهد في نفس الوقت خططاً طموحة مبرمجة من قبل الدولة.

فالجميع يعلم أن إصلاح المسار الاقتصادي أمر حتمي وأن البدء بخطوات هذه المسيرة ضرورة ملحة وأن أي تأخر في عملية الإصلاح الاقتصادي هو تأخر في استمرار مسيرة قيام الدولة الديمقراطية الحديثة بكل ما تعنيه هذه الكلمات من معنى.

ومن هذا المنطلق فإن تعليقات النواب والسياسيين التي تتعامل مع كل جزئية على حدة لم تعد تجدي نفعاً، ولم تعد تقنع المواطن الذي سيشارك عاجلاً أم آجلاً في تحمل المسؤولية ومشاركة في اتخاذ القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي فالرؤية الاقتصادية لرجالات السياسة من نواب، وشوريين ومديري جمعيات سياسية يجب أن تتواصل خطواتها في حيثيات نقل المملكة إلى مرحلة التعمير والبناء والتنمية الشاملة بدل كثرة الكلام عن أمور كلها يجب أن يتخذ قرارها بصرف النظر عن ردود الفعل من أية جهة كانت، قرار عادل لا يحمل المواطن تبعات هذه التحولات الحادة والجادة، وأن لا يضعه في موقع المغبون من أي جهة من الجهات. فالعالم يتغير ومعه الحياة بكل وسائلها وطرائق عملها كما تتغير الأفكار والناس معطية الأولوية للجديد والمفيد والكفء. ولمواكبة هذه التغيرات يحتاج أي مجتمع إلى إن يضخ دماء جديدة باستمرار في مختلف مفاصله وفروعه. يحتاج إلى إنعاش نفسه وأفراده من خلال تهيئة الظروف والعوامل الملائمة لذلك على اختلافها. والميدان الاقتصادي بما أنه الميدان الأساسي في أي مجتمع وقبل الميدان السياسي كونه لا يمكن أن يكون سياسة بدون اقتصاد حر وقوي لذلك فإنه بحاجة إلى الديناميكية والحيوية، وهذا يعني حفز مشاركة المزيد من الشرائح الاجتماعية والمبادرات والأفكار الخلاقة كي نظفر في النهاية بسياسة توفر لنا اقتصاداً حراً ومتفتحاً وقادراً على تجديد نفسه باستمرار لمواكبة التغيرات التي تجري في العالم.

نقول ذلك لأننا على يقين بأن العالم يشهد أحداثاً اقتصادية مستجدة ومتسارعة تحركها التكتلات الاقتصادية الدولية ومنظومة التجارة الإلكترونية والتسارع السياسي وهذا يستدعي أن تتحرك جميع الفعاليات السياسية والقطاعات المالية الاقتصادية والصناعية بدعم ومساندة من الجهات المسؤولة لتشكيل فرق عمل من الخبراء والمختصين لبحث واستكشاف ما يتوقع أن يطرأ على سطح العالم من تحديات لها تأثيرها المباشر على واقعنا الاقتصادي بدلاً من التفكير في مسائل صغيرة لن تفيد المواطن في حياته ورزقه.

فنحن كمواطنين لا نستطيع التكهن أو الإلمام تماماً بانعكاسات التدهور السياسي والاقتصادي السريعين ومدى إمكانياتنا المتاحة وقدراتنا على التعامل معها بفعالية، ومن ثم يمكن لفريق العمل من النواب وأعضاء من كل جمعية سياسية أو ذات النفع العام من الخبراء والمختصين استكشاف ذلك من خلال البحث والتدقيق ووضع خطط العمل اللازمة تجاهها لكل قطاع على حدة ليتم وضع ذلك على أرض الواقع ويستلم البرلماني المنتخب عمله تحت قبة المجلس لوضع التشريعات اللازمة للتطبيق.

فلا شك في أن المرحلة القادمة تحتاج إلى وقوفنا صفاً واحداً بعيداً عن الأمور والمسائل الصغيرة لنستطيع بعث الروح وإحياء العمل المشترك لتحقيق التكامل الشامل والتوازن المطلوب للدخول بقوة ومناعة في قرية العالم الديمقراطي، ودون ذلك سوف نظل في حالة من الشتات ونكون لقمة سائغة لكل من لا يحب الخير لمملكة البحرين.