أصبح رئيساً لدار جناع وهو لم يتجاوز العشرين من عمره
«إحنا ندور الرياييل» كلمة أثرت في نفسه ونفوس أصدقائه
تجاوز التسعين وكان حريصاً على أداء فروضه بالمسجد
كتب - يوسف محمد:
كان نوخذة وقائداً بالفطرة، لم يدرس مبادئ القيادة والتخطيط الاستراتيجي.. ولكنه قائد ومعلم وحكيم وصاحب موقف وإدارة.. رسمت ملامح التعب والحياة على تقاسيم وجهه ويده.. إلا أن ابتسامته لا تغيب عن محياه رحمه الله، حاضرة في كل وقت تأسرك، وكلما يشتد الضيق والتعب كلما تزداد الابتسامة وكأنه يخفف عن كل من حوله ويتوسم الصبر بانعكاس ما بداخله من هدوء وطمأنينة، ليهون على من حوله كل مصاعب الدنيا وضيقها.
جناع والجميع يسميه العم والوالد جناع لمكانته وتقديره.. بحر من الذاكرة والخبرة.. والحكايات، وكان رحمه الله برغم من تجاوزه تسعين عاماً إلا أنه كان يتمتع بذاكرة تحمل شريط تسلسل أحداث حياته.. ولكن الموت غيب جسداً ولم يغيب شريط الذاكرة ومواقفه.. فلا عجب من ذلك فمن يعيش بالقرب من البحر دائماً تكون نفسيته هادئة محبة ومتسامحة، فما بالكم بشخص عاش البحر بداخله منذ ولادته وحتى أن توسدت يمناه. رجل أحب الناس فأحبوه. فاتحاً قلبه وداره للجميع يستقبلهم بحب وتقدير وحفاوة.
هذا الرجل هو جناع بن سيف الذي لا يمكن أن يمر عليك اسمه أو سيرته من دون أن تتوقف أمام مواقفه وفكره وحكمته وتواضعه، ولهذا أحببت أن أدون سيرة هذا الرجل الفاضل الذي فتح قلبه وبيته لي قبل أن يتوفى ليسرد ما لديه من قصص ومعلومات ومواقف.. فهذه سيرة رئيس دار جناع الوالد المرحوم جناع بن سيف الكواري.. منذ ولادته وحتى آخر كلمة سجلتها في لقائي معه.
النشأة في «الحالة»
هو جناع بن سيف بن خلف مقلة الكواري ولد في منطقة الحالة بفريج المقلة في العام 1913 حسب التسلسل الزمني لأحداث حياته، أما تاريخ ميلاده في جواز سفره يشير بأنه من مواليد 1921، وجناع في طفولته كحال كل أطفال ذلك الوقت، فحياتهم تبدأ دائماً مع المطوع، فقد تعلم القرآن الكريم على يد المطوع علي بن فاضل، وتعلم مبادئ الكتابة والقراءة والحساب على يد المطوع مبارك الشروقي، ثم التحق بمدرسة الهداية الخليفية لمدة ثلاث سنوات، ليجد نفسه مع الكبار يلازمهم رحلات الغوص وهو لم يتجاوز العاشرة من عمره ليبدأ حياته العملية «تباباً» على سفن مبارك بن يعقوب المقلة الكواري، ثم «رضيفاً» مع فاضل بن جاسم والنواخذة علي وجاسم أبناء محمد البنعلي، بعدها أصبح «سيباً» مع مبارك بن علي الظاعن، كما دخل الغوص مع حسن بن سلطان بن حبل وجبر المسلم، وعمل لمدة سنتين في المراكب الشراعية مع يوسف بن مبارك الزياني، وكانوا ينقلون الماء بشكل يومي من عين فخرو إلى دولة قطر، وبعد توقف رحلات الغوص ودخول البحر التحق بوزارة الداخلية وعمل في خفر السواحل حتى أحيل إلى التقاعد.
الولد الوحيد
تربى جناع في كنف والده ودلال والدته، حيث كان هو الولد الوحيد وسط ست بنات من أخواته، وكان يحظى باهتمام والده كثيراً الذي كان يفتخر به دائماً ويحرص على مجالسته وحضوره لمجالس الكبار ليتعلـــم منهـــم ويستفيد، ولم يكن في ذلك الوقت غير البحر مكاناً للعب واللهو، فقد كان لجناع أصدقاء طفولة يلهو ويمرح معهم، وكان عنده «شوعي» صغير يركب به البحر مع أصدقاء طفولته أحمد العلي، علي بوسعود، وعبدالرحمن الخضر، كما كان يهوى لعبة كرة القدم ومارسها في نادي المحرق لفترة من الزمن.
عاشق الفن
كان جناع عاشقاً للفن والطرب وكانت لوالده دار صغيرة يجتمع فيها البحارة ليمارسوا فنون الفجري ويتسامروا فيها، إضافة إلى أنها كانت مجلساً يضمهم ويجمعهم بعد رحلة الغوص، وهذا كان سبباً لتولع جناع بفن الغوص والفجري وتمسكه به، فقد كان المحيط الفني الذي يعيش فيه دافعاً ليزرع بذرة الفن بداخله.. وكبرت معه وهو يجالس الكبار يتعلم منهم ويحفظ ما يقدمونه من فن وإبداع.. فبدأ يجمع أصدقاء في البداية في غرف البيت لتبدأ نغمات «اليحلات» وهمهمة الأصوات تنطلق من بيت جناع، ليكون هذا التجمع هو بداية لتكوين تجمع شبابي فني يكون جناع رئيساً عليهم رغم صغر سنه، وعندما ضاق عليهم المكان وازداد عدد المشاركين والحضور استأجروا دار عبيد المسلم واستقاموا فيها لمدة ثلاث سنوات وكان إيجارها 15 روبية في الشهر، بعدها انتقلوا إلى دار سلمان بن صالح واستمروا لفترة من الزمن هناك، إلا أنهم اختلفوا على الرئاسة كما يروي جناع بن سيف، وفضّل أن يبحث عن مكان آخر يجمع به أصدقاءه، وكان في ذلك الوقت في منطقة الحالة عداد من الدور الشعبية التي تمارس فن الفجري منها دار بن لوفي، دار عيال عامر، ودار علي بن هلال، فتم استئجار بيت لرجل سعودي يدعى الشيخ صالح، وهو غير مقيم في البحرين ودائم السفر للسعودية فاستقروا في هذا المكان حتى اشتراه شخص من عائلة تلفت من السعودي وتم تأجيره على جناع ليكون داراً لهم، ولكن حالة الدار لم تكن تصلح لتجمعهم وممارسة الفن فيه، لضيق المكان وقدم المبنى.
إحنا ندور الرياييل
بدأت الدائرة تكبر وانضم إلى الدار عدد كبير من محبي الفن فضاق بهم المكان واستصعب عليهم الحصول على دار أخرى يجتمعون فيها ليؤدوا فنونهم فيها، كما كانت الصعوبة في بناء الدار من جديد فاقترح على جناع أحد أصدقائه ويدعى راشد بن حسن الذوادي أثناء رجوعهم من دولة الكويت بعد إحيائهم حفل عيد الاستقلال الأول لدولة الكويت، بأن يرفعوا مكتوباً إلى المغفور له حاكم البحرين آنذاك الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة يشرحون له الوضع ويطلبون من عظمته مساعدتهم لبناء الدار، وذهب جناع بصحبة نائب الرئيس أحمد الذوادي ووضعوا المكتوب عند الشيخ عيسى بن سلمان طيب الله ثراه، حتى أمر بالفور ببناء الدار وعلى نفقته الخاصة، وهو يقول لجناع «إحنا ندور الرياييل اللي نعتمد عليهم وإنتوا تستاهلون كل خير»، وزف جناع هذا الخبر لأصدقائه ورواد الدار الذين تلقوا الخبر بسعادة كبيرة.
وبدأت الحياة تدب في دار جناع التي سميت باسمه، وكان حريصاً على راحة زملائه، وكانت المحبة والاحترام هما سلاحه لقيادتهم، وكان للدار عدد من النهامين من أبرزهم النهام سعد بن إسماعيل، النهام هلال بوخالد، والنهام أحمد بوطبنية، وكان يزورهم بشكل دائم النهام سالم العلان، إضافة إلى ممارستهم فنون الفجري كانوا كذلك يشاركون في تأدية العرضات في المناسبات الوطنية والأعراس لكبار الشخصيات.
6 بنات وابن واحد
في منتصف الأربعينات تزوج جناع وأنجب 6 بنات وابناً واحداً سماه سيف تيمناً باسم والده، وكان ذلك في بداية العشرينات من عمره، حيث تزوج بعد إلحاح من الأهل بأن العمر يمضي وحان وقت الزواج لتسعد بالذرية الصالحة، وقد ساهم مبارك بن يعقوب في تحمل نفقات زواجه لحبه لجناع الذي كان يعتبره أحد أبنائه، وقد أثمرت تربيته لأبنائه بأن يكونوا أوفياء لوالدهم رحمه الله الذي تعب من أجلهم وضحى لراحتهم، فهو كان يحظى برعاية واهتمام من قبل ابنه سيف هذا الابن البار في والده، والذي كان يرعاه بشكل دائم ويلازمه في كل خطواته حتى فارق الحياة، كما هو الحال مع بقية البنات اللاتي كن يحطن والدهم دائماً بالحب والحنان.
جـناع الممثل
في العام 1970 وصلت إلى البحرين بعثة فرنسية كلفت بعمل فيلم إعلامي عن البحرين، فتم اختيار جناع بن سيف ليؤدي دور النوخذة يصاحبه المرحوم الفنان أحمد الفردان الذي قام بتأدية دور الطواش، كما شاركت دار جناع في مسرحية «توب توب يا بحر» التي قدمها مسرح الجزيرة في العام 1975 والتي كانت من تأليف الفنان راشد المعاودة وإخراج الفنان سعد الجزاف، إضافة إلى ذلك فإن دار جناع شاركت في كثير من المحافل والمهرجانات خارج البحرين وداخلها.
نظام للأكل والنوم
كان رحمه الله رغم تجاوزه التسعين من العمر إلا أنه كان له نظام في الأكل والنوم، فهو ينام الساعة التاسعة ويصحو مبكراً لصلاة الفجــر ويحــرص على إقامة كل فرض في المسجد، كما إنه يحب مشاهدة التلفزيون لسماع أغاني الغوص والبرامج الفنية التراثية وبرامج البحر.
وكان يرحب دائماً بزواره بحرارة ويسأل بشكل دائم عن أعضاء الدار ويحرص على وجودهم وتواصلهم، كما إنه حريص على حضور «الدار» ومشاركة أصدقائه وضيوفه الفنون التي يقدمونها، وقد قضى رحمه الله جناع حياته كلها وسط البحر ولم يعشق في حياته إلا ثلاثة أشياء كما يقول «البحر وأم عياله والفجري»، ولهذا تجده دائماً طيب القلب متسامحاً عميقاً في فكره ورؤيته للأشياء.
ويذكر بأن آخر ما يربطه بالبحر عمله في خفر السواحل بوزارة الداخلية حتى أصيب في إحدى الورديات الليلية عندما تدحرج من على سطح السفينة وأصيب بكسر في فخذه لازمه الفراش لفترة طويلة حتى تقاعد عن العمل في العام 1972 وكان من أصدقائه في العمل سلطان، عيسى بوعلاي، حسين محمد الجودر، وراشد العسمي، ليطوي مع تقاعده علاقته بالبحر.
لجناع علاقات متميزة مع الجميع، وهو رجل محبوب من الكل وله مكانة كبيرة عند الناس ويردد دائماً: الحمد لله في «هالدنيا مالي خصيم».
واستطاع بفضل قيادته وشخصيته المحبوبة أن يجمع كثيرين حوله لتكون دار جناع من الدور الكبيرة التي يأتيها الفنانون من كل مكان، كما كانت له علاقات متميزة مع دار معيوف ودار حمد بن حسين بدولة الكويت، وكانوا كثيري التزاور مع بعضهم بعضاً.
رواد المحرق
في مشواره الكبير وحياته التي قضاها في البحر وممارسة فنون الفجري كرم من قبل نادي المحرق العام 1996 من ضمن شخصيات «رواد المحرق»، كما كرمته جمعية دار الحكمة البحرينية في العام 1997 من ضمن «الرواد الأوائل»، كذلك كرمته وزارة الإعلام بجائزة تقديرية عن مشاركته في مهرجان التراث التاسع.
الموت يغيب جناع
انتكست حالته في الأيام الأخيرة وأصبحت لديه صعوبة في تقبل الأكل حتى دخل المستشفى ولم يمر أقل من أسبوع حتى فارق الحياة وصليت عليه صلاة الجنازة بمسجد كانو بالمحرق السبت 5 يوليو الجاري، مسدلاً الستار على قصة شخص أحب الجميع وأحبه كل من حوله، ونتمنى من الجهات المختصة إقامة تكريم خــاص له والاحتفــاء بسيرته واسمه لجهــوده التي بذلها في اهتمامه ورعايته للفن في البحرين.
كتب - يوسف محمد:
كان نوخذة وقائداً بالفطرة، لم يدرس مبادئ القيادة والتخطيط الاستراتيجي.. ولكنه قائد ومعلم وحكيم وصاحب موقف وإدارة.. رسمت ملامح التعب والحياة على تقاسيم وجهه ويده.. إلا أن ابتسامته لا تغيب عن محياه رحمه الله، حاضرة في كل وقت تأسرك، وكلما يشتد الضيق والتعب كلما تزداد الابتسامة وكأنه يخفف عن كل من حوله ويتوسم الصبر بانعكاس ما بداخله من هدوء وطمأنينة، ليهون على من حوله كل مصاعب الدنيا وضيقها.
جناع والجميع يسميه العم والوالد جناع لمكانته وتقديره.. بحر من الذاكرة والخبرة.. والحكايات، وكان رحمه الله برغم من تجاوزه تسعين عاماً إلا أنه كان يتمتع بذاكرة تحمل شريط تسلسل أحداث حياته.. ولكن الموت غيب جسداً ولم يغيب شريط الذاكرة ومواقفه.. فلا عجب من ذلك فمن يعيش بالقرب من البحر دائماً تكون نفسيته هادئة محبة ومتسامحة، فما بالكم بشخص عاش البحر بداخله منذ ولادته وحتى أن توسدت يمناه. رجل أحب الناس فأحبوه. فاتحاً قلبه وداره للجميع يستقبلهم بحب وتقدير وحفاوة.
هذا الرجل هو جناع بن سيف الذي لا يمكن أن يمر عليك اسمه أو سيرته من دون أن تتوقف أمام مواقفه وفكره وحكمته وتواضعه، ولهذا أحببت أن أدون سيرة هذا الرجل الفاضل الذي فتح قلبه وبيته لي قبل أن يتوفى ليسرد ما لديه من قصص ومعلومات ومواقف.. فهذه سيرة رئيس دار جناع الوالد المرحوم جناع بن سيف الكواري.. منذ ولادته وحتى آخر كلمة سجلتها في لقائي معه.
النشأة في «الحالة»
هو جناع بن سيف بن خلف مقلة الكواري ولد في منطقة الحالة بفريج المقلة في العام 1913 حسب التسلسل الزمني لأحداث حياته، أما تاريخ ميلاده في جواز سفره يشير بأنه من مواليد 1921، وجناع في طفولته كحال كل أطفال ذلك الوقت، فحياتهم تبدأ دائماً مع المطوع، فقد تعلم القرآن الكريم على يد المطوع علي بن فاضل، وتعلم مبادئ الكتابة والقراءة والحساب على يد المطوع مبارك الشروقي، ثم التحق بمدرسة الهداية الخليفية لمدة ثلاث سنوات، ليجد نفسه مع الكبار يلازمهم رحلات الغوص وهو لم يتجاوز العاشرة من عمره ليبدأ حياته العملية «تباباً» على سفن مبارك بن يعقوب المقلة الكواري، ثم «رضيفاً» مع فاضل بن جاسم والنواخذة علي وجاسم أبناء محمد البنعلي، بعدها أصبح «سيباً» مع مبارك بن علي الظاعن، كما دخل الغوص مع حسن بن سلطان بن حبل وجبر المسلم، وعمل لمدة سنتين في المراكب الشراعية مع يوسف بن مبارك الزياني، وكانوا ينقلون الماء بشكل يومي من عين فخرو إلى دولة قطر، وبعد توقف رحلات الغوص ودخول البحر التحق بوزارة الداخلية وعمل في خفر السواحل حتى أحيل إلى التقاعد.
الولد الوحيد
تربى جناع في كنف والده ودلال والدته، حيث كان هو الولد الوحيد وسط ست بنات من أخواته، وكان يحظى باهتمام والده كثيراً الذي كان يفتخر به دائماً ويحرص على مجالسته وحضوره لمجالس الكبار ليتعلـــم منهـــم ويستفيد، ولم يكن في ذلك الوقت غير البحر مكاناً للعب واللهو، فقد كان لجناع أصدقاء طفولة يلهو ويمرح معهم، وكان عنده «شوعي» صغير يركب به البحر مع أصدقاء طفولته أحمد العلي، علي بوسعود، وعبدالرحمن الخضر، كما كان يهوى لعبة كرة القدم ومارسها في نادي المحرق لفترة من الزمن.
عاشق الفن
كان جناع عاشقاً للفن والطرب وكانت لوالده دار صغيرة يجتمع فيها البحارة ليمارسوا فنون الفجري ويتسامروا فيها، إضافة إلى أنها كانت مجلساً يضمهم ويجمعهم بعد رحلة الغوص، وهذا كان سبباً لتولع جناع بفن الغوص والفجري وتمسكه به، فقد كان المحيط الفني الذي يعيش فيه دافعاً ليزرع بذرة الفن بداخله.. وكبرت معه وهو يجالس الكبار يتعلم منهم ويحفظ ما يقدمونه من فن وإبداع.. فبدأ يجمع أصدقاء في البداية في غرف البيت لتبدأ نغمات «اليحلات» وهمهمة الأصوات تنطلق من بيت جناع، ليكون هذا التجمع هو بداية لتكوين تجمع شبابي فني يكون جناع رئيساً عليهم رغم صغر سنه، وعندما ضاق عليهم المكان وازداد عدد المشاركين والحضور استأجروا دار عبيد المسلم واستقاموا فيها لمدة ثلاث سنوات وكان إيجارها 15 روبية في الشهر، بعدها انتقلوا إلى دار سلمان بن صالح واستمروا لفترة من الزمن هناك، إلا أنهم اختلفوا على الرئاسة كما يروي جناع بن سيف، وفضّل أن يبحث عن مكان آخر يجمع به أصدقاءه، وكان في ذلك الوقت في منطقة الحالة عداد من الدور الشعبية التي تمارس فن الفجري منها دار بن لوفي، دار عيال عامر، ودار علي بن هلال، فتم استئجار بيت لرجل سعودي يدعى الشيخ صالح، وهو غير مقيم في البحرين ودائم السفر للسعودية فاستقروا في هذا المكان حتى اشتراه شخص من عائلة تلفت من السعودي وتم تأجيره على جناع ليكون داراً لهم، ولكن حالة الدار لم تكن تصلح لتجمعهم وممارسة الفن فيه، لضيق المكان وقدم المبنى.
إحنا ندور الرياييل
بدأت الدائرة تكبر وانضم إلى الدار عدد كبير من محبي الفن فضاق بهم المكان واستصعب عليهم الحصول على دار أخرى يجتمعون فيها ليؤدوا فنونهم فيها، كما كانت الصعوبة في بناء الدار من جديد فاقترح على جناع أحد أصدقائه ويدعى راشد بن حسن الذوادي أثناء رجوعهم من دولة الكويت بعد إحيائهم حفل عيد الاستقلال الأول لدولة الكويت، بأن يرفعوا مكتوباً إلى المغفور له حاكم البحرين آنذاك الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة يشرحون له الوضع ويطلبون من عظمته مساعدتهم لبناء الدار، وذهب جناع بصحبة نائب الرئيس أحمد الذوادي ووضعوا المكتوب عند الشيخ عيسى بن سلمان طيب الله ثراه، حتى أمر بالفور ببناء الدار وعلى نفقته الخاصة، وهو يقول لجناع «إحنا ندور الرياييل اللي نعتمد عليهم وإنتوا تستاهلون كل خير»، وزف جناع هذا الخبر لأصدقائه ورواد الدار الذين تلقوا الخبر بسعادة كبيرة.
وبدأت الحياة تدب في دار جناع التي سميت باسمه، وكان حريصاً على راحة زملائه، وكانت المحبة والاحترام هما سلاحه لقيادتهم، وكان للدار عدد من النهامين من أبرزهم النهام سعد بن إسماعيل، النهام هلال بوخالد، والنهام أحمد بوطبنية، وكان يزورهم بشكل دائم النهام سالم العلان، إضافة إلى ممارستهم فنون الفجري كانوا كذلك يشاركون في تأدية العرضات في المناسبات الوطنية والأعراس لكبار الشخصيات.
6 بنات وابن واحد
في منتصف الأربعينات تزوج جناع وأنجب 6 بنات وابناً واحداً سماه سيف تيمناً باسم والده، وكان ذلك في بداية العشرينات من عمره، حيث تزوج بعد إلحاح من الأهل بأن العمر يمضي وحان وقت الزواج لتسعد بالذرية الصالحة، وقد ساهم مبارك بن يعقوب في تحمل نفقات زواجه لحبه لجناع الذي كان يعتبره أحد أبنائه، وقد أثمرت تربيته لأبنائه بأن يكونوا أوفياء لوالدهم رحمه الله الذي تعب من أجلهم وضحى لراحتهم، فهو كان يحظى برعاية واهتمام من قبل ابنه سيف هذا الابن البار في والده، والذي كان يرعاه بشكل دائم ويلازمه في كل خطواته حتى فارق الحياة، كما هو الحال مع بقية البنات اللاتي كن يحطن والدهم دائماً بالحب والحنان.
جـناع الممثل
في العام 1970 وصلت إلى البحرين بعثة فرنسية كلفت بعمل فيلم إعلامي عن البحرين، فتم اختيار جناع بن سيف ليؤدي دور النوخذة يصاحبه المرحوم الفنان أحمد الفردان الذي قام بتأدية دور الطواش، كما شاركت دار جناع في مسرحية «توب توب يا بحر» التي قدمها مسرح الجزيرة في العام 1975 والتي كانت من تأليف الفنان راشد المعاودة وإخراج الفنان سعد الجزاف، إضافة إلى ذلك فإن دار جناع شاركت في كثير من المحافل والمهرجانات خارج البحرين وداخلها.
نظام للأكل والنوم
كان رحمه الله رغم تجاوزه التسعين من العمر إلا أنه كان له نظام في الأكل والنوم، فهو ينام الساعة التاسعة ويصحو مبكراً لصلاة الفجــر ويحــرص على إقامة كل فرض في المسجد، كما إنه يحب مشاهدة التلفزيون لسماع أغاني الغوص والبرامج الفنية التراثية وبرامج البحر.
وكان يرحب دائماً بزواره بحرارة ويسأل بشكل دائم عن أعضاء الدار ويحرص على وجودهم وتواصلهم، كما إنه حريص على حضور «الدار» ومشاركة أصدقائه وضيوفه الفنون التي يقدمونها، وقد قضى رحمه الله جناع حياته كلها وسط البحر ولم يعشق في حياته إلا ثلاثة أشياء كما يقول «البحر وأم عياله والفجري»، ولهذا تجده دائماً طيب القلب متسامحاً عميقاً في فكره ورؤيته للأشياء.
ويذكر بأن آخر ما يربطه بالبحر عمله في خفر السواحل بوزارة الداخلية حتى أصيب في إحدى الورديات الليلية عندما تدحرج من على سطح السفينة وأصيب بكسر في فخذه لازمه الفراش لفترة طويلة حتى تقاعد عن العمل في العام 1972 وكان من أصدقائه في العمل سلطان، عيسى بوعلاي، حسين محمد الجودر، وراشد العسمي، ليطوي مع تقاعده علاقته بالبحر.
لجناع علاقات متميزة مع الجميع، وهو رجل محبوب من الكل وله مكانة كبيرة عند الناس ويردد دائماً: الحمد لله في «هالدنيا مالي خصيم».
واستطاع بفضل قيادته وشخصيته المحبوبة أن يجمع كثيرين حوله لتكون دار جناع من الدور الكبيرة التي يأتيها الفنانون من كل مكان، كما كانت له علاقات متميزة مع دار معيوف ودار حمد بن حسين بدولة الكويت، وكانوا كثيري التزاور مع بعضهم بعضاً.
رواد المحرق
في مشواره الكبير وحياته التي قضاها في البحر وممارسة فنون الفجري كرم من قبل نادي المحرق العام 1996 من ضمن شخصيات «رواد المحرق»، كما كرمته جمعية دار الحكمة البحرينية في العام 1997 من ضمن «الرواد الأوائل»، كذلك كرمته وزارة الإعلام بجائزة تقديرية عن مشاركته في مهرجان التراث التاسع.
الموت يغيب جناع
انتكست حالته في الأيام الأخيرة وأصبحت لديه صعوبة في تقبل الأكل حتى دخل المستشفى ولم يمر أقل من أسبوع حتى فارق الحياة وصليت عليه صلاة الجنازة بمسجد كانو بالمحرق السبت 5 يوليو الجاري، مسدلاً الستار على قصة شخص أحب الجميع وأحبه كل من حوله، ونتمنى من الجهات المختصة إقامة تكريم خــاص له والاحتفــاء بسيرته واسمه لجهــوده التي بذلها في اهتمامه ورعايته للفن في البحرين.