اعتمد النشر سابقاً على الوسائل التقليدية مثل التلفزيون والإذاعة والصحف والمجلات، والتي تخضع في الغالب لأنظمة وقوانين تحدد نوع المنشور كما انها تحد من النشر العشوائي حيث يتم مراجعة المواد المستقبلة من قبل إدارة النشر وفي الأخير تخضع المادة لقرارها سواء بالنشر أو عدمه. إلا أن العملية تغيرت وذلك بظهور وسائل التواصل الاجتماعي والتي أحدثت فرقاً هائلا وكبيراً في كمية ونوع المواد المنشورة ومدى صلاحيتها للنشر، فالكم لم يعد محدداً بحجم الصفحة أو مدة الفقرة التلفزيونية، كذلك النوع فمستخدم وسائل التواصل الاجتماعي ينشر ما يريد والتي في حالات كثيرة لا تتعارض مع قوانين وسيلة التواصل الاجتماعي والتي قد تتعارض مع أنظمتنا وعادتنا وقيمنا.

في الأسابيع القليلة الماضية، برزت ظاهرة خطيرة بالمجتمع البحريني ليست بالجديدة ولكنها مستنكرة ومخالفة لجميع العادات والتقاليد والقيم البحرينية بالإضافة للقوانين والأنظمة المعمول بها في مملكتنا الغالية، وذلك عبر انفلات بوسائل التواصل الاجتماعي ونشر أكاذيب واشاعات تضر بسمعة الوطن ورموزها، الأمر الذي استدعى التحرك بصرامة تجاه من ينتهج هذا الأسلوب المشين.

إن مثل هذه الوسائل الحديثة، والتي من المفترض أن تكون وسائل لنشر المواد الهادفة والمفيدة للفرد والمجتمع، أصبحت بمثابة «وسائل تناحر اجتماعي» لا تخضع لسلطة أو قانون ومن السهل جداً على أي شخص في حال رغبته بالانتقام أو الإساءة للغير والتعريض بهم والنيل من سمعتهم أن يستخدمها وينشر ما يريد من إساءة أو قذف، وبالرغم من إدراك المجتمع لأن مثل هذه المواد المنشورة ليست سوى اشاعات وأكاذيب الا أن ضررها يبقى سواء عند من أسيء إليه أو الآخرين.

كذلك فأضرار وسائل التواصل الاجتماعي ليست مقتصرة على هذا الجانب فحسب، بل هناك جوانب وأضرار أخرى مثل كونها وسيلة مستخدمة من قبل ذوي الأفكار المتطرفة لنشر أفكارهم الهدامة ولاستقطاب المزيد من الشباب لتنظيماتهم، وأيضاً تستخدم من قبل عصابات إجرامية للوصول للضحايا سواء كان الهدف نصب أو احتيال أو قتل أو الترغيب بالانتحار. بالإضافة إلى نشر أفكار وقيم دخيلة على مجتمعاتنا الإسلامية.

كذلك، نجد من أضرار وسائل التواصل الاجتماعي ما يستنكره المجتمع حول بعض مشاهير «السوشل ميديا» وذلك عبر ما ينشرونه من قيم وأفكار وعادات قد لا تتناسب مع فئات أخرى بالمجتمع، وقد تكون منافية تماماً لعاداتنا وتقاليدنا، كما أن هذا الأمر متصل بضرر آخر وهو الانتهاك الذاتي للخصوصية، الأمر الذي هو ليس مقتصراً على المشاهير بل على الأفراد المستخدمين لهذه الوسائل، كذلك نجد أمراً سلبياً آخر وشائع عبر تطبيقات المحادثة والمجموعات المنشأة به، حيث تصبح المجموعة بيئة خصبة للتناحر وتبادل التهم ونشر الرسائل المختصة بمجموعة معينة بمجموعات أخرى حتى لو كانت رسائل صوتية شخصية، وسلوكيات أخرى خاطئة.

إن وسائل التواصل الاجتماعي، وسيلة كغيرها من الوسائل التي لها فوائدها وأضرارها، ولتقليل الأضرار فالمسؤولية الأكبر تقع على متابعي ومستخدمي التواصل الاجتماعي، فهم من يحددون ويقررون أن يتابعوا من ويعيدوا النشر لمن، إن المتابعة والنشر عشوائياً وبغير تعقل لكل ما ينشر عبر هذه الوسائل هي المشكلة الأكبر في ازدياد المعلومات الخاطئة والاشاعات، ومن العجيب أن نجد من ينشر كل شيء دون أن يتأكد من صحة المعلومة أو قيمتها أو مطابقتها لأعراف المجتمع.

كذلك، ومع الجهود المشكورة التي تبذلها مؤسسات الدولة في المتابعة وسن القوانين والأنظمة، فإنه من المهم تطبيق القوانين والأنظمة بصرامة مع من يتجاوز ويخالف عبر هذه الوسائل، كما أن المجتمع بحاجة لأنظمة وقوانين محدثة تتناسب مع المستجدات الطارئة عبر المنصات الإلكترونية التي يكون فيها التحكم للمستخدم مباشرة دون رقابة أو توجيه، كل ذلك لتصبح وسائل التواصل الاجتماعي بالفعل «وسائل توصل» لا «وسائل تناحر اجتماعي».

* رئيس جمعية الشباب والتكنولوجيا